سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
بينوي كامبارك
في حين يبدو أن الأسرة الأوروبية تعاني من خلافات داخلية، حيث شاهدنا شرارات شعبية داخلية تحمل براميل من البارود، يحاول حراس المدينة والنواب، في معظم الأحيان، احتواء العدوى البريطانية. فلا يزال من المقرر أن تغادر بريطانيا في 31 أكتوبر دون اتفاق مع الاتحاد الأوروبي. إذ لا تزال أوراق الطلاق غير مطبقة، كما أن المحامين والوسطاء يطاردون الأوضاع. فالحكومات تخطط في كافة أنحاء الاتحاد الأوروبي لأصعب الأوضاع المرتبطة بعملية الخروج. وقد أصبحت وثيقة الطوارئ الخاصة بعملية “بريكسيت”، والتي تعرف بـYellowhammer، تنبئ حاليًا بأسوأ السيناريوهات، وباتت الحكومة البريطانية مستعدة لأعمال الشغب المحتملة، في حال تأثر وسائل النقل بنهاية العام الجاري.
ومع اقتراب هذا التاريخ، لا يمكن استبعاد الاحتمالات الداخلية للحل البريطاني. فقد تمَّ الإعلان عن حكومة حرب خاصة بعملية الخروج في بريطانيا منذ 2016، حيث يخوض رئيس الوزراء الحالي “بوريس جونسون” تلك الحرب مع عدوه “الاتحاد الأوروبي” بشكل أشد شراسة من أي وقت مضى.
إن بريطانيا من خلال تلك الوثيقة التي تعدُّ ميثاقًا سياسيًا، تبقى أمة. بينما تظل كل من إسكتلندا وويلز دولتين أيضًا، وهو ما يفترض الانفصال عن الأمة البريطانية إلا أنهما تراجعتا إلى حد ما، بما يصفه “نيل آشرسون” بأنه “الأمة التي ما زالت تعتقد أنها أكثر من مجرد أمة، والتي كانت تشعر بجنون العظمة تجاه الأجانب، بل وتحدد ما يجب فعله منذ البابا هنري الثامن، يتمسك الجميع به”.
لقد كانت اللغة الإنجليزية ولا تزال، أكثر ما يتمسك به البريطانيون، وهو المنطق الذي يعتمد عليه “جونسون”، بصفته ناشطًا في حملة الخروج “Brexit” وكاتبًا صحفيًا، حيث كان يعمل كمراسل ببروكسيل لصحيفة “ديلي تيليجراف” Daily Telegraphفي الفترة ما بين 1989 و1994 ، والتي أصبحت حاليًا توصف بأنها ذات طابع يميني. إذ أثارت تلك الجريدة ثورة من التمرد ببريطانيا.
وقد أصبحت المملكة المتحدة حاليًا تحت الحصار من عدة زوايا، فقد ذهبت محاولة رئيس الوزراء لتعطيل عمل البرلمان إلى أعلى المحاكم بكل من إسكتلندا وإنجلترا، لكنها باءت بالفشل فيما يمكن وصفه فقط بأنه موت قانوني بطيء. فقد كانت محاولة تعليق عمل البرلمان تهدف إلى أغراض غير صحية. كما كانت بمثابة إجراء يهدف إلى منع البرلمان من ممارسة مهام الرقابة والمساءلة. وكانت استجابة التيارات المؤيدة لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي أشبه بحالة الرعب والغضب، فقد تمت معارضة رغبات الشعب من قبل قضاة غير منتخبين. ذلك أن أولئك الذين يرغبون في البقاء ببريطانيا، فضلاً عن أولئك الذين يرغبون في التوصل إلى اتفاق لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، قاموا بالهتاف ضد القضاة باعتبارهم يؤدون مهمة ديمقراطية ذات صلة. وقد عاد البرلمان، بدوره، إلى حالة من الشلل الذي ينتظر المحفزات الخارجية.
تتسم أوضاع الدول بالاتحاد الأوروبي بحالة من عدم الاستقرار، فإسكتلندا هي الأخرى تبدو مرشحة للخروج من العائلة البريطانية أولاً، فبينما صوت 51.9% من البريطانيين لصالح عملية الخروج، صوت 62% من الإسكتلنديين. وقد فشلت محاولات الاستقلال حتى الآن، لكن السنوات الثلاث الأخيرة شهدت المزيد من التأهب لهذا الموقف؛ وهو ما ساعد على رفض حكومة المملكة المتحدة منح إسكتلندا وضعًا متميزًا صمم لأجلها على غرار “بريكسيت”، وهو نوع من طراز حالة “جرين لاند” بالدنمارك Greenland-Denmark، حيث كانت هذه الحالة بمثابة سمة من سمات خطة استبعاد “ويستمنستر” الشاملة للحكومات المفوضة في أي جزء من المفاوضات.
وكما يشير الأكاديمي القانوني “سنيدا دوغلاس”، فإن القانون الخاص بخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي الذي صدر عام 2018، والذي يشمل أيضًا القانون المحلي بعد إتمام عملية الخروج، قد صدر دون موافقة إسكتلندا، ويعدُّ خرقًا لاتفاقية “سويل” Sewel. ورغم صعوبة تطبيق هذه الاتفاقية، فإن قانون 2018 سوف يمثل انتهاكًا لها.
لقد اجتاح شعار منظمة “الكل تحت مظلة واحدة” All Under One Bannerشوارع أدنبرة، رغم أنه لم يكن من الواضح إن كان هذا الشعار وصل إلى مئة ألف كما طلبت المنظمة. ومع ذلك يجري العمل خلف الكواليس للإعداد لاستفتاء من أجل الاستقلال خلال الفترة المقبلة. فقد أشرك رئيس وزراء إسكتلندا “نيكولا ستروجيون، نفسه في المشروع، على أمل إعادة التصويت مرة أخرى في استفتاء 2020. وهو ما قد يتطلب الاستغناء عن الحكومة البريطانية. لهذا فقد بات من المتعين على كافة القوى السياسية بذل المزيد من الجهد من أجل تجهيز البنية التحتية، وبخاصة ما يتصل بالحافلات ووسائل المواصلات، وشبكة السكك الحديدية بإسكتلندا بحيث تبدو خالية من الكربون وذلك بحلول عام 2035، فيما يعرف بـ”صفقة خضراء جديدة”، كما ينبغي العودة إلى مكافحة عدم المساواة التي يعاني منها الإسكتلنديون، حيث يبدو أن “ويستمنستر” لم تعد مهتمة بها.
إذ يقول رئيس الوزراء الإسكتلندي “سنسعى للتوصل لاتفاق خاص بنقل السلطة عن طريق استفتاء نتغلب به على التحديات القانونية، فلدينا تفويض ديمقراطي واضح لاعتماد خيار الاستقلال خلال فترة ولاية البرلمان الحالية، وإننا ننوي القيام بذلك بالفعل”.
ومن المفارقات أن “ويلز”، بعد أن أيدت التصويت على البقاء في عام 2016، بدأت تتحدث أخيرًا حول خروج وانفصال محتمل عن المملكة المتحدة، بينما يثار الجدل حول فكرة إعادة المشاركة الأوروبية. ففي شهر يوليو الماضي، تساءلت هيئة الإذاعة البريطانية عما إذا كان الأمر “غريبًا” أم طبيعيًا. وقد قام محرّر شؤون “ويلز” في الشبكة، “فوغان رودريك”، بإجراء هذا التقييم، إذ أشار إلى أنه “لا يوجد الكثير من الأدلة على تزايد الدعم لتوجهات الاستقلال، لكن هناك أدلة على أن الحديث المثار حوله بات حاليًا يعزز الفكرة أكثر بكثير عما سبق”.
وفي وقت سابق من هذا الشهر، قال “آدم برايس” خلال برنامج “بيك فاست” Break Fastفي إذاعة “بي بي سي” في “ويلز”، إن الاستفتاء حول هذا الموضوع سيحدث بحلول عام 2030. واقترح “برايس” الحل المحتمل للمملكة المتحدة، قائلاً: “إن المملكة المتحدة كما نعرفها قد تختفي عن الوجود في غضون بضع سنوات قصيرة”. فرسالة الاتحاد الأوروبي، كونها الذئب السيئ الكبير ضد السيادة البريطانية، لا تظهر في رؤية “برايس”. وكدولة مستقلة، سيكون بإمكان “ويلز” الحصول على ما يصل إلى ملياري جنيه إسترليني من الأموال الإضافية، باعتبارها دولة عضو في الاتحاد الأوروبي. كما قرر “برايس” رؤية الاستقلال باعتبارها “حتمية”، معتبرًا أنها فكرة قفزت من الهامش إلى المركز. وأصدر السياسي البريطاني تحذيرًا شديد اللهجة للمركز الإنجليزي الحاكم في” ويستمنستر” قائلاً: هناك حاجة إلى 20 مليار جنيه إسترليني، ليس في صورة دعم خيري، بل تعويض عن قرن من الإهمال الذي ضرب بلدًا غنيًا بموارده، وإرثًا مريرًا من الفقر، والمرض، بلدًا عاش مظلومًا بأحلام مكسورة”.
وفيما يشبه عملية استحضار الشيطان، فإن “بريكسيت” استحضرت مخلوقات أثبتت أنه من المستحيل احتواؤها. وفي هذا ربَّما تجد بعض القوى في طريقها الجامح، إذ بدأ بعض الساخطين في الظهور والبكاء، بعد أن أصبح رجل الاتحاد الأوروبي أقل واقعية من الصراع الداخلي للمملكة، التي باتت أشبه بـ”المملكة المتوحشة”.
إعداد: وحدة الترجمات بمركز سمت للدراسات
المصدر: International Policy Digest
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر