سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
كريستوفر بيرس
في محاولة لإلقاء نظرة عامة على منطقة بحر الصين الجنوبي، الذي تدعي الصين ملكيتها له، نجد إحدى السفن الحربية الصينية تواجه سفينة حربية فلبينية أو ربَّما العكس أيضًا، إذ يتم تبادل إطلاق النار. لا يهم أي سفينة حربية أطلقت أولاً. فالمعركة لا تزال مستمرة، وسرعان ما انضمت السفينة الحربية الفلبينية إلى سفن حربية أميركية أخرى تساعد الفلبين التي تنخرط معها في معاهدة تحالف. وكانت الصين قامت بحشد مواردها واستدعت المزيد من سفنها الحربية للانضمام إلى أعمال القتال.
فالجيش الصيني، الذي لديه منشآت سرية في كمبوديا، يزعم بشكلٍ ظاهريٍ “قيامه بإصلاح وصيانة سفنه الحربية ومقاتلاته النفاثة”، في حين أنه على أتم الاستعداد لتقديم كافة مهام الدعم والمساعدة.
وقد استعد الصينيون لهذا الاحتمال، لكن استعدادهم الحقيقي كان لمواجهة الأميركان. فبدلاً من قصف الصين، التي يمكن أن تُصَعِّدَ النزاع الإقليمي ليتحول إلى حرب عالمية، تقصف القوات الأميركية المنشآت العسكرية الصينية في كمبوديا، وخلال أعمال القصف تقوم بقصف المنشآت العسكرية الكمبودية أيضًا. وفي المشهد العام، نجد أن كمبوديا ليست مجرد صديق للصين، بل إنها تعدُّ حليفًا عسكريًا لبكين.
لكن ذلك لا يعدُّ لعبة حرب؛ فقد نظر الجيش الأميركي بالفعل في تلك الرؤية، حيث قام بقصف أعدائه على الأراضي الكمبودية من قبل ذات مرة. إلا أن الهدف في هذه المرة سيكون إخراج الجيش الصيني من جنوب شرق آسيا، بل وعلى نطاقٍ أوسع من منطقة المحيط الهندي، التي تشمل بحر الصين الجنوبي. ومن بين الآثار الجانبية لقصف كمبوديا، احتمال أن تحدث تغييرات في السلطة، لكنها من المستبعد أن تتأثر بالإجراءات غير العنيفة، مثل العقوبات وغيرها من الإجراءات الرادعة، وبالتالي فإن واشنطن تضرب عصفورين بحجرٍ واحدٍ.
في هذا السياق، فإن الواقع يبدو محفوفًا بالمخاطر. فالولايات المتحدة تخوض حربًا باردة مع الصين. في حين قامت بكين بعسكرة بحر الصين الجنوبي. كما أن كمبوديا تؤيد مطالبات الصين في منطقة بحر الصين الجنوبي. وفي الوقت الذي تعتقد الولايات المتحدة فيه أن كمبوديا ستسمح للصين بوضع قوات على أراضيها، نجد أن الصين تزود كمبوديا بكامل المساعدات العسكرية والأسلحة الصغيرة، وبالتالي فلم يكن أمام كمبوديا سوى خيار إشراك الصين في هذه المعادلة بسبب التهديد التاريخي والاستيلاء على الأراضي الذي لا يحظى بشعبية من في جوارها الشرقي.
كما أن الأميرالية الفلبينية ترغب هي الأخرى في جر الولايات المتحدة إلى قتالٍ مع الصين. وبالتالي تنظر واشنطن إلى بكين على أنها تمثل تهديدًا للوضع الراهن بعد الحرب العالمية الثانية في قارة آسيا، حيث كانت الولايات المتحدة حتى اللحظة هي القوة الأبرز في المنطقة. وفي حين يوجد لدى الحكومة الكمبودية العديد من القادة الذين تلقوا تعليمهم في الولايات المتحدة، والذين يمكن أن يكونوا موالين للولايات المتحدة، فإن أميركا لم تلعب هذه الورقة لتحسين علاقتها مع كمبوديا، كما يبدو أنها شرعت في اتخاذ تدابير غير عنيفة لمعاقبة كمبوديا.
لقد كانت كمبوديا تخضع بشكل غير عادل لسياسة خارجية أميركية ذات طابع عقابي على مدار فترة طويلة. ومع ذلك، يمكن أن تصبح السياسة الأميركية أكثر تدخلاً من أجل مواجهة عسكرة الصين المحتملة لكمبوديا. هنا يتعين على الولايات المتحدة التعامل مع كمبوديا باعتبارها حليفًا، بالإضافة إلى الانخراط معها في أعمال تجارية، والعمل على التأثير في تصرفاتها فيما يتعلق بالصين. هنا، فإن سياسة “الجزرة” أفضل من “العصا” التي لم تُجدِ نفعًا خلال الفترة السابقة.
وفي الوقت الحالي يسعى الكونجرس الأميركي إلى فرض عقوبات على قادة كمبوديا، وحرمان بلادهم من الحصول على قروض من المؤسسات المالية الدولية، وسحب كافة التفضيلات التجارية لكمبوديا، مع رفع مستوى الأحزاب المعارضة وإضفاء عليهم درجة معارضة حزب معارضة صفة الحكومة الشرعية لكمبوديا.
وقد قام الرئيس دونالد ترمب، أخيرًا، بتعيين سفيرٍ جديدٍ لدى كمبوديا؛ حيث تتمثل مهمته المعلنة في تعزيز الديمقراطية وحقوق الإنسان والعمل مع الكونجرس لمعاقبة كمبوديا. وفي هذا السياق ، فإن أميركا في الواقع لم تكن مستعدة للعمل مع الحكومة الشرعية السابقة.
ولسوء الحظ، فإن تجربة الولايات المتحدة مع الصين على مدار الثلاثين عامًا الماضية منذ ظهور “كايفانج لدنج شياو بينغ”، فيما يعرف بالتحديثات الأربعة، حيث كانت بمرور الوقت مع التطور الاقتصادي، لم تصبح الصين أكثر انفتاحًا فقط، بل إنها أصبحت أكثر انفتاحًا وعسكرةً. فكمبوديا دولة منفتحة وديمقراطية، لكنها في حاجة إلى صداقة أحد الشركاء الديمقراطيين من الغرب.
أمَّا هدف أميركا الحقيقي في كمبوديا فلم يعد سرًا وليس له علاقة بتحرير “كيم سوخا” أو إحياء حزب “الإنقاذ الوطني الكمبودي”. وبدلاً من ذلك، يجب احتواء الصين لحماية مصالح الأمن القومي المشروعة بالنسبة للولايات المتحدة. وبالتأكيد، فإن كمبوديا لديها أيضًا مصالحها الخاصة في مجال الأمن القومي لحماية الصين.
ومن مصلحة أميركا وكمبوديا على حد سواء الدخول في عملية تفاوضية من أجل التوصل لاتفاق لاحتواء الصين.
وكبادرة لإظهار النوايا الحسنة، ربَّما تتجه الولايات المتحدة نحو إعفاء كمبوديا من ديون واشنطن لديها، والتي يبلغ مجموعها حوالي 500 مليون دولار، بمعدل 50 مليون دولار لكل عام على مدار السنوات العشر القادمة. وهو ما يعني أن تكلفة الأمن القومي الأميركي في حالة حصول الصين على موطئ قدم عسكري في كمبوديا سيكون أكبر بكثير من 500 مليون دولار.
أمَّا بالنسبة لكمبوديا، فيجب عليها أن تعرف أن الولايات المتحدة حليف استراتيجي أفضل من الصين، لأنه ليس لها نفس “الأجندة الخفية”.
إن “عقيدة ترمب” الجديدة الخاصة بكمبوديا وأجزاء أخرى من جنوب شرق آسيا ستمكن الرئيس الأميركي من تطبيق الاتفاق على تعطيل السياسة الأميركية الحالية غير الناجحة في المنطقة. كما أنه من شأن عقيدة ترمب أن يمتد “مبدأ مونرو” ليصبح “عقيدة العالم” لتدارك سياسات الماضي الفاشلة. تمامًا كما هو الحال مع سياسته التجارية التوافقية تجاه الصين، حيث يصبح الهدف هو إنهاء عدوان الصين في المنطقة بشكل دائم.
إعداد: وحدة الترجمات بمركز سمت للدراسات
المصدر: آسيا تايمز
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر