سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
إيميل أفيدالياني
تمرُّ روسيا في الوقت الراهن بتغيراتٍ تؤثر على كافة جوانب التنمية فيها. فبطبيعة الحال، يشهد المجتمع الروسي تغييرات تطرأ بين الحين والآخر. ومع ذلك، فإن ما مرت به روسيا في الفترة التي أعقبت انهيار الاتحاد السوفييتي عام 1991، يمثل تطورات أساسية سيكون لها تأثير عميق على الطريقة التي تدرك نفسها من الناحية الجيوسياسية ضمن بقية دول العالم.
والملاحظ أن التغيرات الأساسية قد طرأت على التركيبة السكانية لروسيا خلال الآونة الأخيرة، وذلك رغم عدد سكانها الذي يبلغ نحو 144 مليون نسمة، والذي يعتبر رقمًا كبيرًا مقارنة بغيرها من البلدان. ومع ذلك، تشير المسارات الديمغرافية الرئيسة إلى أن عدد سكان روسيا الذي يبدو متراجعًا، يمكن أن يتراجع أكثر في العقود المقبلة. فقد قدَّر “الكرملين” أن يصل إلى 107 ملايين نسمة فيما بين عامي 2045 و2050.
ولا تعدُّ التحديات الديموغرافية بجديدة على روسيا. وحتى خلال الفترة السوفييتية كانت هناك مؤشرات على تراجع محتمل في عدد السكان. فبحلول سبعينيات القرن الماضي، تراجع معدل الخصوبة في كافة أنحاء الاتحاد السوفييتي إلى أقل من طفلين لكل سيدة في الأجزاء الأوروبية من الاتحاد. وبعد انهيار الدولة السوفييتية، انخفض المعدل الإجمالي للخصوبة. وفي مطلع الألفية الجديدة، بلغ المعدل الإجمالي 1.3 مولود، في حين أن الرقم 2.1 مولود يعدُّ ضروريًا للحفاظ على استقرار تعداد السكان. أمَّا تحت حكم “بوتين”، وتحديدًا في الفترة 2006-2012، شهدت روسيا تأثرًا جزئيًا، حيث بلغ المعدل الإجمالي للخصوبة 1.7 (لكنه لا يزال أقل بكثير من الأرقام المطلوبة).
وبجانب تراجع معدلات الخصوبة، فقد شهد متوسط العمر المتوقع في روسيا صدمات عميقة جدًا، ولا سيَّما بعد سقوط الاتحاد السوفييتي. أمَّا حاليًا، فتحتل روسيا المرتبة 126 في العالم، حيث يبلغ متوسط العمر المتوقع أقل من 70 عامًا.
علاوة على ذلك، تعدُّ روسيا من بين الدول التي لديها أعلى معدلات للإجهاض على مستوى العالم. ففي عام 2015، كان الرقم قد بلغ 930 ألف حالة. ومع ذلك، يعتقد الكثيرون أن الأرقام الحقيقية يمكن أن تكون أعلى بكثير من ذلك.
كما أن هناك مسارًا سلبيًا آخر للتركيبة السكانية الروسية يتمثل في مشكلة الإيدز. ففي الفترة ما بين عامي 2016-2017، وصل وباء الإيدز في روسيا إلى مستوى خطير، حيث تخطى عدد الأشخاص المصابين بفيروس نقص المناعة البشرية مليون شخص. لكن الأرقام الحقيقية قد تكون أعلى من ذلك، حيث يميل الكثير من الناس إلى عدم الكشف عن هذا المرض؛ إذ تزعم بعض التقارير غير الرسمية احتمال أن يكون الرقم الحقيقي حوالي 1.5 مليون، أو ما يقرب من 1٪ من السكان الروس.
بجانب الاتجاهات المثيرة للقلق فيما بين السكان الروس، فإن التكوين العرقي لروسيا تبدو أكثر ميلاً نحو التغيير. فقد أصبحت البلاد حاليًا شبه أحادية العرق، حيث يشكل أبناء العرقية الروسية نحو 82٪ من إجمالي السكان. بينما تعيش الأغلبية العرقية غير الروسية فقط في ولايتي “تيفا” و”ياكوتيا” في إقليم سيبيريا. كما يمكن أن نرى ما يشبه ذلك في مناطق شمال القوقاز (باستثناء أقاليم أديغيا وكراسنودار وستافروبول ذات الأغلبية الروسية).
وعلى مدار العقود القادمة، من المتوقع أن ينخفض عدد السكان السلافيين في روسيا بسبب الاتجاهات المذكورة سلفًا، في حين أن السكان المسلمين على وشك الزيادة. ففي عام 2002، كان نحو 14.5 مليون من السكان المسلمين يعيشون في البلاد، بينما يشكل المسلمون في الوقت الحاضر حوالي 20 مليونًا. كما يبلغ معدل الخصوبة بين المسلمين في روسيا 2.3، وهو ما يعتبر أعلى من نسبة السكان السلافيين.
كما يعدُّ تراجع عدد السكان الروس إحدى القضايا التي تواجه عددًا من الدول المحيطة بروسيا مثل الصين التي يتوقع أن تتكرر مشاكلها في روسيا وإقليم الشرق الأقصى كله.
ومع ذلك، فعلى الرغم من عدم وجود تهديد حالي يواجه روسيا، فإن نهوض الصين لا يزال يفرض النظر إليه بعين الاعتبار والقلق أيضًا. ذلك أن هذا الاتجاه يبدو مثيرًا للقلق، ليس فقط بسبب العدد الكبير من السكان الصينيين الذين يعيشون بالقرب من أقصى مناطق شرق روسيا، ولكن بسبب تراجع عدد السكان الروس. ففي العقود التي تلت الانهيار السوفييتي، انخفض عدد السكن الروس في سيبيريا الشرقية والشرق الأقصى. وفي عام 2002 ، كان نحو 28 مليون نسمة يعيشون في هاتين المنطقتين بما يمثل 19٪ من مجموع السكان. وفي عام 2010، بلغ إجمالي عدد السكان الروس في سيبيريا الشرقية والشرق الأقصى حوالي 25.4 مليون.
لكن ذلك ليس سوى بعض من تلك الاتجاهات الرئيسة التي تؤثر سلبًا على الديموغرافيا الروسية التي يمكن مناقشتها تفصيلاً في مقالات لاحقة.
إعداد: وحدة الترجمات بمركز سمت للدراسات
المصدر: جورجيا توداي
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر