كيف يمكن للمرء قراءة البيان الذي صدر عن المملكة العربية السعودية يوم السبت الماضي والذي يتضمن الحقائق الكاملة بشأن الأزمة مع دولة قطر؟
ربما ينبغي التذكير بأن قطر أدمنت المعادلة الألمانية المنسوبة إلى وزير دعاية النظام النازي جوزيف غوبلز: «اكذب ثم اكذب حتى يصدقك الناس»، وفي هذا السياق كانت ولا تزال تروج لمظلوميتها التاريخية المنحولة، وتستمرئ البكائيات الخبيثة، عبر أذرع إعلامية موتورة، وفي مقابل حفنة دولارات تلبس الباطل ثوب الحق والعكس.
يجيء البيان السعودي لكي يضع النقاط على الحروف، وموضحاً حقيقة ما يمكن أن نطلق عليه «الصبر الاستراتيجي» السعودي تجاه قطر، والتمييز الواضح والجلي من المملكة بين النظام القطري وما تسبب فيه من أزمات؛ لا لمنطقة الخليج العربي فقط، بل لغالبية إن لم يكن كل دول الشرق الأوسط، وبين الشعب القطري الذي تنظر له المملكة وقيادتها الرشيدة على أنه شعب شقيق.
والشاهد أنه حين نقول إن السعودية قد انتظرت طويلاً قبل أن تمارس حقها في اتخاذ ما يلائم مصالحها وأهدافها الاستراتيجية العليا، وإننا نتحدث من خلال الحقائق، لا التهويمات، وجلها يبين سر الإثم القطري الذي انتشر حثيثاً ولا يزال يوزع الشر المجاني يميناً ويساراً.
هل نتجاوز الحقيقة إن قلنا إن هناك عقدة نقص ودونية لدى قطر الدولة والقيادة الحالية تجاه المملكة العربية السعودية؟
الشاهد أن قطر دائماً وأبداً ما شعرت بالضآلة تجاه المملكة، إن جغرافياً أو ديموغرافياً، لا سيما أن الأقدار زخمت المملكة بالإثراء الروحي والمادي على حد سواء.
يلفت نظر أي قارئ محقق ومدقق في البيان أنه لم يتوقف عند حقائق بعينها يمكنها أن تعمق من الخصام وتزيد هوة الفراق بين الخليجيين عامة وقطر خاصة، فضلاً عن شعوب شرق أوسطية أخرى عانت ولا تزال من الشطط القطري الداعم للإرهاب والمانح الغطاء اللوجيستي للإرهابيين.
الذين استمعوا إلى مكالمات المؤامرات القطرية على السعودية، يدركون إلى أي حد ومد بلغت قطر في عهد الأمير السابق، مبلغاً عدائياً ضد المملكة، واستقلالها، وضد ساكنيها وأمنهم وأمانهم.
ولعل الاتصالات الهاتفية التي جرت بين القيادة القطرية قبل عقدين وبين بعض القيادات العربية التي أجبرت على الرحيل قسراً، وانتهت إلى مآلات مأساوية، تبين لنا أن المملكة صادقة فيما ورد في بيانها عن الخبث القطري، فالدوحة وعوضاً عن أن تنفق أموالها على شعبها تنمية وأماناً وسلاماً، وبدلاً من أن تكون عاملاً مساعداً في نشوء وارتقاء شرق أوسط حداثي، عبر دعم الأشقاء وفتح مسارب ومساقات للأعمار والازدهار، يعترف أميرها السابق بأن الملايين قد ذهبت لدعم القنوات والمسارب الإعلامية التي لا هم لها ولا شاغل من حولها سوى ضرب استقرار المملكة عبر إشاعة الفتنة وبذر الشقاق والفراق، والاعتراف عينه يقطع بأن الدوحة كانت هي من أسست قناة «الحوار» في لندن، وهي أيضاً من تغذي قناة «الجديد» في لبنان.
أبعد من هذا نشير إلى أن حاكم قطر السابق لم يوارِ أو يدارِ شهوات قلبه المغرقة في الكراهية تجاه المملكة، حين أشار في اتصالاته الهاتفية عينها إلى تمنيه انتصار الأميركيين في العراق، حتى تصبح المملكة هي الهدف المقبل.
كلمات المؤامرة السابقة تقطع بأن القيادة القطرية لم تكن يوماً إلا أداة لتحقيق أجندات لبعض الأنظمة الأميركية السابقة، التي جنحت إلى أقصى اليمين المتطرف، وبنوع خاص في زمن بوش الابن، وما تفوه به حمد بن خليفة، يتسق قلباً وقالباً، شكلاً وموضوعاً، مع ما ورد في خطاب أحد مديري الاستخبارات الأميركية السابقين؛ جيمس وولسي، في محاضرة له في لندن من أن «العراق الهدف التكتيكي، فيما السعودية الهدف الاستراتيجي، وتبقى مصر الجائزة الكبرى».
صبر السعودية الاستراتيجي، الذي تشاركها فيه مصر والإمارات والبحرين، ينطلق من الإصرار القطري القاتل على دعم جماعة مارقة عرفت منذ أكثر من ثمانية عقود بمخططاتها الآثمة تجاه أمن واستقرار دول المنطقة، وفيما أياديها ملوثة بالدماء، لا تزال الدوحة تصر على أن تكون الجحر الذي يؤوي الفارين والهاربين من جماعة الإخوان المسلمين، أما الخطر الأكبر والطامة الأكثر هولاً، فموصولة بإسباغ الحماية والرعاية على رؤوس الأفاعي القائمين في الداخل القطري، الذين يبثون سمومهم الآيديولوجية حول المنطقة، فيما لا تزال جزيرة المؤامرات ماضية قدماً في مخططاتها المشبوهة أمس واليوم وغداً.
الخلاصة… للصبر حدود.