التمرد في كشمير.. ماذا بعد؟ | مركز سمت للدراسات

التمرد في كشمير.. ماذا بعد؟

التاريخ والوقت : الإثنين, 2 سبتمبر 2019

عطا رسول مالك

 

يبدو الوضع الراهن في إقليم كشمير الخاضع للإدارة الهندية متوترًا جدًا. ويتعرض وادي كشمير للإغلاق أخيرًا، مع حظر كامل للتجول منذ الخامس من أغسطس؛ إذ بدأت القوات المسلحة الهندية في شن غارات ليلية وإجراءات تفتيش للمنازل والقبض على الصبية الذين تظن أنهم يرمون جنودهم بالحجارة منذ قيام الإدارة الهندية بتجريد إقليم جامو وكشمير من الحكم الذاتي قبل أسبوعين. وعلى حد تعبير صحيفة “واشنطن بوست”، فقد تمَّ عزل ثمانية ملايين شخص بعضهم عن بعض وعن العالم.

إقدام حكومة حزب “بهاراتيا جاناتا” بإلغاء المادة 370 التي تقضي بإلغاء الحكم الذاتي عن سكان إقليم كشمير لقي ترحيبًا من جانب مؤيدي الحزب الحاكم بزعم أن ذلك من شأنه أن يسهم في زيادة التدفقات الاستثمارية المالية الضخمة من كافة أنحاء الهند. كما أن مناصري القرار يرون أن الافتقار للتنمية هو سبب استمرار الاضطرابات في وادي كشمير. لكن ذلك الادعاء في واقعه يبدو من قبيل الهراء. إذ تعتبر ولاية جامو وكشمير أكثر تقدمًا من الناحية الاقتصادية مقارنة بالعديد من ولايات شمال وشرق الهند، بما في ذلك ولاية “غوجارات” التابعة لرئيس الوزراء الحالي “ناريندرا مودي” على مستوى مؤشرات التنمية.

لكن في حقيقة الأمر، فإن إلغاء المادة 35، وما يترتب عليه من إمكانية شراء الأراضي من قبل غير الكشميريين لن يؤدي إلى زيادة الاستثمار في الإقليم. فالتنمية الاقتصادية في حاجة إلى سلام اجتماعي واستقرار سياسي. فالقوميون المتطرفون أنفسهم بالهند لن يرغبوا في الاستثمار في إقليم كشمير بالمستقبل المنظور بسبب الانتفاضة الجارية.

وفي الوقت الراهن، نجد أنه في مواجهة السياسة الوطنية بالداخل الهندي، لا يوجد سياسي واحد في كشمير يُعتقد أنه ينتمي إلى هذا التيار الرئيسي. فقد تمَّ إلقاء القبض على زعماء محليين من كشمير، ومنهم ثلاثة رؤساء وزراء سابقين، دون توجيه أي تهمٍ رسميةٍ إليهم، مما أثار استياء البعض وسخرية من احترام القانون بالهند؛ وهو ما أسهم في إعداد المسرح لتصعيد الصراع في كشمير. إذ منح قرار “مودي” فرصةً جديدةً للحياة لنظرية الدولتين وحق تقرير المصير في كشمير. واليوم، فإن جميع سكان كشمير يتحدون في مواجهة تصرفات نيودلهي، وهو ما من شأنه أن يؤدي إلى مزيد من العسكرة والمواقف العدوانية ضد الهند.

وقد سعى رئيس الوزراء “ناريندرا مودي”، بمساعدة ودعم من القادة الذين يتفقون معه في التفكير، لاستعادة مفهوم “جواهر لال نهرو” حول العظمة الهندية من خلال تأطيرها من حيث الديانة الهندوسية بدلاً من القومية الهندية. إنه بذلك يبدي تنصلاً جذريًا، كما أنه يتراجع عن الوعود والالتزامات القانونية والسياسية والأخلاقية لأسلافه، ما يعني أنه يمثل تهديدًا جديدًا لكافة الأقليات التي تأمل في العيش بالهند حياة علمانية.

إن ردود الأفعال التي أبدتها كثير من دول العالم المتنوعة على الأزمات المتعددة التي تستهدف حقوق المجتمعات، لا تشير إلى العجز بقدر ما تشير إلى استعداد متزايد للتضحية من أجل المصلحة الوطنية المتصورة والمصالح الاقتصادية.

فبفضل القيادة المدنية والعسكرية، تجنبت باكستان بمهارة الفِخَاخ التي حاولت أن تنصبها لها الحكومة الهندية. فباكستان لم تتسرع في مهاجمة الهند من خلال استغلال التمرد الحالي في إقليم جامو وكشمير، وبالتالي فإنها لم تقدم أي ذريعة للهند لمهاجمة باكستان. وحتى الحيل التي قام بها البعض لهجمات العلم المزيف المحتملة في كشمير قد تمَّ كشفها بشكل مناسب. فباكستان تسيطر بمهارة على مشاعر شعبها عبر وسائل الإعلام الوطنية، وتسعى لتعبئة تدريجية لعناصر قوتها القومية.

أمَّا في الوقت الراهن، فإن الزعماء الكشميريين الموالين للهند يقبعون في السجن. وبالتالي أسهم “مودي” في دعم انحياز أبناء كشمير إلى جانب باكستان. وعلى ذلك فقد أضحت باكستان عاصمة سياسية كبيرة لأبناء كشمير. كما أن الوضع في كشمير يبدو متصاعدًا رغم حظر التجول. فقد انتزعت باكستان المبادرة من الحكومة الهندية؛ ذلك أن قيادة “مودي” المتواضعة بدت محبطة ولا تترك شيئًا سوى تقدير سيئ للموقف في حين تستعد باكستان له.

والملاحظ أن باكستان تقلل بحذر من غضب وعواطف شعبها بشأن قضية كشمير، إذ تتمتع كشمير بقوتها الناعمة، وتمكن باكستان من الحصول على دعم دبلوماسي كبير من جانب المؤسسات الدولية. والآن فقد حان الوقت لإشراك إسلام أباد في بلدان الرابطة التي تعتمد سيادتها على مقاومة باكستان للهند. فإذا تغلبت الهند على باكستان، فإن وضع دول مثل: نيبال، وجزر المالديف، وبوتان، وسريلانكا، لن يكون من الناحية العملية، أكثر من وضع الدولة الهندية.

فلا يمكن للهند أن تفعل شيئًا سوى معاقبة باكستان اقتصاديًا، وبالتالي ينبغي لباكستان أن تكون مستعدة لمواجهتها بطريقة مبتكرة. فقد أصبحت الصين، وللمرة الأولى، طرفًا في النزاع، إذ يطالب الهنود بالأراضي التي تطالب بها بكين هي الأخرى في الشمال. وإذا كانت باكستان مجبرة على القيام بالتعبئة العسكرية، فإنه ينبغي أن يكون ذلك متزامنًا مع التعبئة العسكرية الصينية في مناطق خط السيطرة الفعلية، في عدد من المناطق مثل “دوكلام”، و”سيكيم”. وبالتالي، فلا ينبغي أن يكون الأمر صعبًا بالنسبة لباكستان، لأن الصين تتفهم مصالحها في إطار جدول زمني أكبر بكثير من باكستان.

لقد أغلقت الهند تمامًا أبواب الحوار مع باكستان أو حتى مع القيادة الكشميرية المحلية. إذ يبدو أن هناك نتيجتين منطقيتين في الأفق في الصراع على منطقة كشمير؛ أولاً، نجاح الوساطة من طرف ثالث، واستعادة المادة 370 وكفاح كشمير من أجل الحرية، كل ذلك يخلق تطورات جديدة في ضوء قرارات الأمم المتحدة الجديدة. أمَّا على الجانب الآخر، فإن القمع الهندي الوحشي في كشمير، الذي أدى إلى الانتفاضات العنيفة والتمرد، حوَّل الانتباه وإلقاء اللوم على باكستان، حيث تحاول الهند غزو الأراضي الباكستانية. في السيناريو الحالي، فإن الاحتمال الأول يبدو مستبدًا، بينما الثاني هو الأرجح.

 

إعداد: وحدة الترجمات بمركز سمت للدراسات

مصدر: آسيا تايمز

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر