أجندة أوروبا الجديدة في غرب البلقان | مركز سمت للدراسات

أجندة أوروبا الجديدة في غرب البلقان

التاريخ والوقت : الأربعاء, 14 أغسطس 2019

فيسيلا تشيرنيفا

 

إن الرسالة الأوروبية لدول غرب البلقان تبدو واضحة، إذ تفيد بأن بلدان المنطقة في حاجة إلى إظهار مستوى كافٍ من الحكم السياسي قبل أن تبدأ أي عمليات تنفيذية للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي.

هناك تحول هادئ ولكنه أساسي في سياسة الاتحاد الأوروبي بشأن غرب البلقان. فمع اقتراب فترة ولاية المفوضية الأوروبية الحالية من نهايتها، يبدو أن أي خطط لتوسيع الاتحاد تحذو حذوها، فقد أصبح التوسع هو السياسة التي يجب عدم ذكرها، على الأقل، في اجتماعات مجلس المدينة والبرلمانات في أوروبا الغربية.

لم يعد سرًا أن معظم الجمهور الأوروبي يعارض التوسع، كما يظهر من مسح المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية. فمن المثير للدهشة أن النمساويين والألمان الذين يستضيفون أكبر تجمعات من المهجر في منطقة البلقان كحصةٍ من السكان، هم من بين أكثر الشعوب تشككًا في التوسعة.

ولكن، كما يؤكد “مركز الاستشعار الأوروبي” Eurobarometer، فإن هذا التوجه ليس بالجديد. فإن ما تغير هو التزام دوائر صنع السياسات بعدم الانحراف عن توقعات الجمهور بشأن القضايا الهامشية مثل هذه القضية. “وهو ما يرجع إلى الخوف من هجرة الأجانب”، حسبما أوضح أحد أعضاء البرلمان الألماني أخيرًا؛ ذلك أن الأشخاص في دائرته الانتخابية سيلاحظون  قرارًا بفتح الباب لمفاوضات الانضمام مع مقدونيا الشمالية. ورغم أنها مجرد خطوة صغيرة، بعيدة عن الانضمام، فإن الجمهور سوف ينظر إليها بشكل ناقد.

بالطبع، فإن أسباب هذا الموقف الدفاعي تتجاوز أزمة الهجرة. إذ يتعلق الأمر بالتحولات الصعبة التي تمر بها رومانيا وبلغاريا في الدول الأعضاء، مع وجود تراجع لسيادة القانون في بولندا والمجر، ومع الافتقار إلى النفوذ الذي تتمتع به الدول الأخرى من أعضاء مؤسسات الاتحاد الأوروبي على هذه البلدان. وأهم من ذلك، أن مخاوف الأوروبيين بشأن صلابة وقوة الاتحاد الأوروبي، مع اعتقاد غالبية المواطنين أن هناك احتمالاً واقعيًا بأن الاتحاد الأوروبي سوف ينهار خلال العقدين القادمين، لأنه توجد إشارات إلى اتجاه نحو تعزيز العلاقات بين الدول الأعضاء بدلاً من ذلك. ذلك أن الموقف الفرنسي المتمثل في كبح جماح التوسيع ليس له علاقة بالبلقان نفسها بقدر ما يرتبط برغبة الرئيس “إيمانويل ماكرون” في إعطاء الأولوية لنوعية التكامل.

ومع ذلك، فإن زيارة “ماكرون” الأخيرة إلى بلغراد بدت متعارضة مع هذا التوجه. فلأول مرة منذ عقود، نجد الرئيس الفرنسي يخصص وقتًا كبيرًا ورأس مال سياسي لبلد في غرب البلقان.

وخلال المؤتمر الصحفي المشترك مع نظيره الصربي، “ألكساندر فوتشيتش”، تبنى الرئيس الفرنسي موقفًا وديًا تجاه بلدان المنطقة (وهو ما دفع الجمهور في بعض الأحيان إلى مقاطعة كلمته للتصفيق بحفاوة بالغة). لكنه لم يشر إلى عملية الانضمام، بل ركز بدلاً من ذلك على نزاع صربيا مع كوسوفو. وقد وعد “ماكرون” بالمساعدة في استئناف المحادثات حول تطبيع العلاقات بين صربيا وكوسوفو في الأسابيع القليلة المقبلة، مؤكدًا التزام فرنسا بالتنسيق المشترك مع ألمانيا الذي ساعد في إنشائه في برلين في أبريل الماضي.

وقد عقدت الحكومة الألمانية “اجتماع برلين” للحد من المفاوضات في الكواليس بين “فوتشيتش” ورئيس كوسوفو، “هاشم ثاتشي”، حول صفقة محتملة لتبادل الأراضي. وقامت المستشارة الألمانية، “أنجيلا ميركل”، بدعوة قادة من دول أخرى من غرب البلقان للتعبير عن مخاوفها بشأن سلسلة ردود الفعل التي يمكن أن تنطلق ضد هذه الصفقة، وكذلك لإقناع “ماكرون” بمساعدتها على إعادة توجيه المحادثات بين “فوتشيتش” و”ثاتشي”. كما أتاح الاجتماع فرصةً للتأكيد على حقيقة أن المفاوضات قد دفعت بالفعل رئيس وزراء كوسوفو، “راموش هاراديناي”، إلى فرض تعريفة بنسبة 100% على البضائع الصربية التي تدخل بلاده.

لم يتغير الكثير منذ ذلك الحين. فعلى الرغم من أن “هاراديناج” قد أُجبر على الاستقالة بعد استدعائه من المدعي العام لجرائم الحرب في لاهاي، فإن كوسوفو لم تستسلم للضغوط لإلغاء التعريفة. إذ يأمل الدبلوماسيون الفرنسيون أن تحاول الحكومة الجديدة في “بريشتينا” إصلاح الأسوار مع بلغراد. فباريس تريد أن تبدأ كوسوفو وصربيا عملية من شأنها تخفيف التوتر السياسي وتحسين الأمن في غرب البلقان. كما تريد برلين هذا أيضًا. لكنها تريد بجانب ذلك إعادة تأكيد السيطرة على الحوار، الذي قادته “فيديريكا موغيريني”، الممثلة العليا للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية، بين البلدين بشفافيةٍ قليلةٍ في عملية التبادل المقترحة.

أمَّا الرسالة الرئيسة لفرنسا وألمانيا لدول غرب البلقان، فإنها واضحة تمامًا، إذ تفيد بضرورة أن تعمل بلدان المنطقة على إعطاء الأولوية للجهود المبذولة لإظهار مستوى كافٍ من الحكم السياسي، إذ لن يُسمح لها ببدء العمليات الإجرائية للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي إلا بعد تحقيق ذلك. وبالتالي، فلا يزال من السابق لأوانه معرفة إن كانت بلدان غرب البلقان تتجه نحو عضوية الاتحاد الأوروبي، أو أن ذلك يعبر عن مجرد ارتباط بين بعض قطاعات اقتصاداتها وسوق الاتحاد الأوروبي.

ونظرًا لأنه من غير المرجح أن تدرج المفوضية الأوروبية مسألة التوسيع على رأس جدول أعمالها، فإن الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية القادم، سيكون مؤثرًا نسبيًا في المنطقة. فعندما يترك “جوزيب بوريل” منصبه كوزيرٍ للخارجيةِ الإسبانيةِ ليتولى هذا المنصب، سيكون عليه إثبات “أوروبيته” في غرب البلقان. ومع مغادرة المملكة المتحدة للاتحاد الأوروبي، ما يعني تقليل نفوذها في الدبلوماسية بالمنطقة، سيضطر “بوريل” إلى الانضمام إلى برلين وباريس بشأن الحوار بين كوسوفو وصربيا.

ولإيجاد حلول مستدامة، فإن أي اتفاق بين صربيا وكوسوفو يجب أن يشمل الجوانب السياسية الأوسع لعلاقات حسن الجوار؛ ذلك أن إنشاء مستقبل مشترك للمجتمعات في شمال كوسوفو وجنوب صربيا، سوف ينطوي على رؤية طويلة الأجل بدلاً من مجرد ترسيم الأراضي.

إن توفر الترتيبات المعقدة وراء تركيبة مناطق إسبانيا نموذج جيد على الطريقة التي يمكن بها للبلدان تحقيق صفقة قابلة للتطبيق تتجاوز الانقسامات العرقية. وهناك أمثلة جيدة على ذلك في غرب البلقان، منها الاتفاق بين شمال مقدونيا واليونان، والاتفاق بين شمال مقدونيا وبلغاريا، وهو ما يعتبر تمامًا نوعًا من الإيماءات السياسية التي تدل على استعداد البلدان لحل النزاعات طويلة الأمد. ذلك أن تعزيز الإرادة السياسية للوصول إلى القمة في مثل هذه الصفقات، ومساعدة الجمهور على فهمها، سيكون هو أهم أولويات الممثل الأعلى القادم في غرب البلقان.

وبينما يعمل الاتحاد الأوروبي على إعادة ضبط سياساته بشأن غرب البلقان، فإن قوى أخرى تصعد لعبتها هناك. حيث كانت المنطقة محورًا لجهود الصين لتوسيع مبادرة “الحزام والطريق” في أوروبا لبعض الوقت. إذ يوجد حضور صيني ملحوظ في كل أرجاء المنطقة تقريبًا. وفي الوقت نفسه، فإن التعاون العسكري بين بلغراد وموسكو يزدهر بالمثل، من أجل “الحفاظ على وحدة أراضي صربيا”. كما أعلن “فيشيتش” أخيرًا في مدينة نيس الفرنسية. إذ تستضيف المدينة الصربية الجنوبية “المركز الإنساني الروسي- الصربي”، الذي يعتبر على نطاق واسع بمثابة موطئ قدم محتمل لوجود عسكري روسي في صربيا. فقد زار “فيشيتش” نيس لاستقبال عشر مركبات استطلاع عسكرية من طراز “بي آر دي إم 2”  BRDM-2 في إطار المرحلة الأولى من الاتفاقية الثنائية للأسلحة مع روسيا. وفي يونيو الماضي، جرت المناورات العسكرية السلافية، التي شاركت فيها نخبة من القوات البيلاروسية والروسية والصربية في شمال صربيا.

وبالتالي، لا ينبغي على الاتحاد الأوروبي الانتظار لفترة طويلة قبل أن يتجه نحو نهج عملي بشكل أكبر للقضايا الاقتصادية والهجرة والأمنية غرب البلقان. وفي الوقت الذي يعيد فيه الاتحاد الأوروبي ضبط أدوات السياسة ومنطقها الأساسي، يجب عليه أن يوضح أن العبء يقع على دول غرب البلقان للتصرف بشكل مسؤول وأكثر عقلانية؛ ذلك أن نضجها السياسي وخياراتها، لا تعدُّ تمرينًا على تحديد المربع الذي يميز عملية الانضمام، إذ ستتحدد لهجة علاقتها مع الاتحاد الأوروبي أكثر مما كانت عليه في العقود الأخيرة.

 

إعداد: وحدة الترجمات بمركز سمت للدراسات

المصدر: المركز الأوروبي للعلاقات الخارجية

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر