سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
جيفرسون مورلي
بعد المذبحة التي وقعت في “إل باسو” بولاية تكساس، تبدو الفكرة القائلة بأن الإرهاب الأبيض يشكل تهديدًا للأمن القومي الأميركي في المقام الأول، فكرة جيدة. حتى الرئيس دونالد ترمب شعر بأنه مضطر للحديث عن مساوئ التفوق الأبيض. خارج ما يعرف بـ “ترمبلاند”، أي نطاق الآفاق التي يدور حولها فهم الرئيس ترمب، فإن هناك نوعًا جديدًا من الإجماع بدأ يترسخ حول تلك الفكرة. فالسيناتور “بيرني ساندرز” دعا أخيرًا إلى “إعادة توجيه الموارد الفيدرالية لمواجهة هذا التهديد للأمن القومي”. وهو ما فعله ستة رؤساء سابقين للجنة مكافحة الإرهاب في مجلس الأمن القومي الذين خدموا في إدارات الرؤساء: بيل كلينتون، وجورج دبليو بوش، وباراك أوباما، وترمب.
وقد نصَّ بيانٌ لقدامى المحاربين في مجلس الأمن القومي على أن ثمةَ “حاجة إلى تعزيز الجهود لمعالجة ما يسمى في الغالب” الإرهاب الداخلي”، وهو ما يعني الإرهاب على الأراضي الأميركية، الذي لا يكون مرتبطًا بمجموعات دولية مثل “داعش” أو القاعدة. ويضيف البيان “لقد أصبح واضحًا على مدار عدة أشهر ضرورة بذل المزيد من الجهد للتصدي لأعمال العنف التي تحركها الآراء المتطرفة من جميع الأنواع، بما في ذلك أعمال الإرهاب الداخلي. لذا، ندعو حكومتنا إلى جعل معالجة هذا النوع من الإرهاب كأولوية قصوى كما أصبحت مكافحة الإرهاب الدولي منذ الحادي عشر من سبتمبر”.
عندما تتحدث مؤسسة الأمن القومي بتلك اللهجة التي يتحدث بها “ساندرز فيرمونت” ذات التوجهات الاشتراكية، فإن الأمور تتغير بالطبع. لكن ليس هناك أية أسباب تقف وراء عدم إعادة توجيه الموارد وعدم بذل المزيد من الجهد، فالتعميمات التي تفرضها فكرة “الأمن القومي”، وكذلك فكرة “الأمن الداخلي” بعد 11 سبتمبر 2001، وفي ضوء المفاهيم القومية والعرقية، تبرز أهمية هذه الشروط بالنسبة لتحديد مشكلة الإرهاب الأبيض. وبالتوازي مع ما يقوله مكتب التحقيقات الفيدرالي الأميركي إن “غالبية حالات الإرهاب الداخلي، المدفوعة باتجاهات التفوق الأبيض”، فإن المشكلة تبدو دموية جدًا ولا يمكن تجاهلها.
وفي هذا يقول “بيت بوتيجيج”، رئيس بلدية “ساوث بيند” بولاية إنديانا، إن “أميركا تتعرض للهجوم”. لكن “بوتيجيج” ليس متأكدًا مما إذا كان هذا مفهومًا تمامًا من جانب الأميركيين أم لا. فأميركا تتعرض للهجوم من قِبَل الإرهاب القومي القاتل والعنيف. وإذا كانت هناك جدية في مواجهته، فإن هذا يعني ضرورة اتخاذ إجراء ببدء محادثات مختلفة ومتميزة، حيث يمثل ذلك حالة طوارئ بالنسبة للأمن القومي.
تبدأ تلك “المحادثات المختلفة” بتفكيك مفهوم “الأمن القومي”. فقد دخل هذا المصطلح إلى المفردات الأميركية في يوليو 1947 مع إقرار “قانون الأمن القومي”. إذ تمَّ إنشاء وزارة الدفاع ومجلس الأمن القومي ووكالة الاستخبارات المركزية، وكذلك نظام السرية الذي لا يزال يعزل الأجهزة السرية عن الناخبين والكونغرس. وقد برر مجلس الأمن القومي إنشاء فرع حكومي رابع يتمتع بمهمة حماية أميركا من الأيديولوجية الغريبة للعدو المسلح نوويًا.
وقد دفعت هذه الأيديولوجية إلى تحريك القوة الأميركية حتى تفكك الاتحاد السوفييتي بعد 44 سنة. فقد تمَّ تعريف أي حزب شيوعي في أي مكان، وأي قوة سياسية مع حلفاء شيوعيين على أنه خطر على الأميركيين. لذلك، فإن “الأمن القومي” يبرر الحروب الاستباقية (من كوريا إلى فيتنام)، والتدخل في الانتخابات الديمقراطية (من إيطاليا في عام 1948 إلى هندوراس في عام 2009)، ومذبحة الحركات الديمقراطية التي شملت شركاء شيوعيين (من إندونيسيا في عام 1965 إلى السلفادور في الثمانينيات).
لقد كان في السابق عنف المتشددين البيض الموجه ضد الأميركيين خطرًا مختلفًا وأقل خطورة. وحينما خاضت أميركا الحرب الباردة، لم يكن العنف ضد حركة الحقوق المدنية يمثل تهديدًا للأمن القومي؛ لأنه كان ظاهرة أميركية أصيلة، وجدت من يدعمها على نطاق واسع من البيض، على الأقل في جنوب البلاد.
وعندما قتل مهاجم أوكلاهوما سيتي “تيموثي ماكفي” 168 شخصًا في عام 1995، كان “نيوت غينغريتش” قد تمَّ انتخابه للتوِّ رئيسًا لمجلس النواب بناءً على قوة تفاخره أمام زملائه الجمهوريين بأنه “قاذف قنابل” يمكن أن يحبط تهديد واشنطن الذي جسده بيل وهيلاري كلينتون. ونظرًا لأن أيديولوجية “ماكفي” القومية كانت نابعة من الداخل، فإن القنبلة التي فجرها لم تعتبر تهديدًا وجوديًا. ففي ظل مجلس “الأمن القومي”، لم يكن الإرهاب الأبيض ينتمي إلى فئة التهديد ذاتها التي تنتمي إليها الشيوعية.
لقد استمرت هذه الفكرة لفترة طويلة بعد اختفاء “جيم كرو” والشيوعية. فبعد الحادي عشر من سبتمبر، أسهم قانون باتريوت الولايات المتحدة الأميركية في تحديث وتوسيع مبدأ الأمن القومي بمفهوم “الأمن الداخلي”. إذ حشدت أميركا الكثير من أجل حماية أراضيها من أية أيديولوجية غريبة أخرى، مثل الإسلام الراديكالي، فتمَّ استخدام حتمية صد التهديد الجهادي لتبرير الحروب الاستباقية (والمذابح) في أفغانستان والعراق وحروب الطائرات بدون طيار في باكستان والصومال، وكذلك أنظمة التعذيب والمراقبة الجماعية. وبالتالي فإن الفكرة القائلة بأن الأميركيين البيض قد يشكلون تهديدًا مشابهًا، قوبلت بالرفض باعتبارها فكرة غير واردة.
والآن، فإن الأرقام لا تكذب، فقد بات المواطن الأميركي أكثر عرضة للقتل على يد إرهابي قومي أبيض أكثر من عمليات القتل التي تقع على أيدي جهادي. إذ تبدأ محادثات ما بعد “إل باسو” حول كيفية جعل أميركا آمنة في القضاء على الفكر العنصري الموجود في سياسة الأمن القومي.
هنا يتساءل “تويتيد نويد”، الضابط السابق في المخابرات البحرية، الذي قضى غالبية سنوات العقد الماضي في البحث عن الإرهابيين: هل سيقوم مجلس الأمن القومي بالشيء المطلوب بالفعل؟ ليرد عدد من المتخصصين في الأمن القومي بالقول “نعم”؛ إذ يقول الموظف السابق في مجلس الأمن القومي، “سام فينوغراد”، “إن مكافحة الإرهاب القومي سوف تتطلب استراتيجية وموارد وقيادة مستدامة”.
كما سيتطلب الأمر واقعية أكثر عند النظر إلى التأثير الخبيث للحروب التي لا تنتهي ضد الديمقراطية الأميركية. فبالنسبة لأربعة أجيال من الأميركيين البيض المشبعين بقواعد “الأمن القومي” و”الأمن الداخلي”، فإن التهديد الأجنبي بطبيعته يبدو أكثر خطورة وغير شرعي من التهديد المحلي. ومن المؤكد أن المفهوم الحديث والمفاجئ بأن الإرهاب القومي يشكل تهديدًا على قدم المساواة مع الشيوعية أو الجهادية، فمن شأنه أن يضر ببعض الأميركيين البيض كأيديولوجية غريبة. ويختلف ذلك التهديد بالطبع عن المفاهيم التي وجهت التفكير الأميركي حول الأمن القومي على مدار الأعوام الـ72 الماضية.
وعلى الرغم من ذلك، فإنه لا يوجد ما يدعو إلى الاعتقاد بأن خطاب واشنطن حول تفوق البيض يعكس أي شيء من الإجماع الوطني. ففي الواقع، نجد أنه من خلال استهداف بعض البيض ومشاعرهم “الوطنية”، فمن المؤكد أن أي حملةٍ حكوميةٍ ضد القوميةِ البيضاء المسلحة يتم تصويره كقضية غير أميركية يجب مقاومتها، مثل الشيوعية والجهادية، من خلال العمل المسلح. وبالتالي، فإن رؤيةً جديدةً للأمن الأميركي هي التي يمكنها توفير الحماية بالفعل.
إعداد: وحدة الترجمات بمركز سمت للدراسات
المصدر: آسيا تايمز
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر