سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
أُخذت على الرئيس التركي رجب طيب أردوغان سياساته الخارجية الخاطئة ورهاناته الفاشلة. فحتى العام 2010 كان أردوغان يُكسب تركيا الأصدقاء والحلفاء من إيران إلى سوريا، ومن السعودية إلى مصر، ومن روسيا إلى أمريكا. وكاد مسار الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي يشهد تطوراً نوعياً في العام 2005 وما بعده.
لكن الأمور انقلبت رأساً على عقب بعد العام 2011، وما سُمي بعده ب«الربيع العربي» الذي كان كارثة على وحدة المجتمعات العربية، فنبشت القوميات والإثنيات والعصبيات والنزعات القبلية من قبورها.
وبقدر ما كانت تركيا تتخبط وتتطلع إلى الهيمنة الكاملة والمستحيلة على المنطقة العربية والإسلامية، بقدر ما كانت تحصد نتائج هذه السياسات، بحيث لم يبق معها اليوم من حليف في منطقتنا العربية سوى إمارتي قطر وطرابلس الغرب.
لكن، وفي ذكرى مرور ثلاث سنوات على محاولة الانقلاب العسكري الفاشلة في 15 يوليو/تموز 2016، كانت سياسات أردوغان الداخلية لا تقل فشلاً عن سياساته الخارجية.
فَشل الانقلابُ العسكري وتغييرُ السلطة بالقوة العسكرية. وهو أمر لا شك مرفوض في بلدان تعتبر نفسها ديمقراطية، وتلجأ إلى صندوق الاقتراع لتقرير خياراتها السياسية، لكن ما فعله أردوغان كان ضرباً لكل المكتسبات التي كانت حققتها التجربة التركية منذ الحرب العالمية الثانية.
بعد خمسة أيام من الانقلاب العسكري كان أردوغان يرد عبر البرلمان، وكان يمتلك الأغلبية المطلقة من النواب، بانقلاب مدني بإقرار قانون حالة الطوارئ الذي فتح الباب واسعاً أمام أوسع حملة تصفية سياسية وتربوية وقضائية وعسكرية وأمنية ومالية، لخصوم أردوغان ومعارضيه، حتى لو لم تكن لهم يد في المحاولة الانقلابية.
وقد بلغ العدد عشرات آلاف المطرودين من وظائفهم، ومثلهم من الذين أودعوا السجن ولا يزال الحبل على الجرار.. لم ينته بعد.
غير أن الخطوة الأخطر والأكثر تعبيراً عن «جنون العظمة» كانت النجاح في تمرير انقلاب دستوري عبر تعديل النظام السياسي من برلماني إلى رئاسي في استفتاء العام 2017. وبعدها بسنة في يونيو/حزيران 2018 انتخب أردوغان لرئاسة الجمهورية بفارق ضئيل، وبمساعدة مؤثرة من حزب الحركة القومية على الرغم من الانقسام الذي حصل في صفوفه، والذي ستظهر نتائجه لاحقاً في الانتخابات البلدية.
انتقلت تركيا من نظام التعددية البرلمانية الذي كان يعطي أهمية وثقلاً للأحزاب الفائزة لتشكيل السلطة السياسية، إلى نظام تحكّم شخص واحد هو رئيس الجمهورية الذي باتت صلاحياته تشمل كل شيء، بما في ذلك التحكم في السلطة القضائية، وكان ذلك واضحاً وفاضحاً في قرار اللجنة العليا للانتخابات بإعادة انتخابات رئاسة بلدية إسطنبول، من دون وجه حق، في 31 مارس/آذار الماضي.
وكان الدستور الجديد قد فُصّل بالكامل ليلبي الطموحات الفردية لشخص واحد في بلد يعدّ 80 مليون نسمة بتنوع عرقي ومذهبي وسياسي كبير.
فكانت النتيجة ارتكاب مجزرة بحق الديمقراطية والعدالة وتكافؤ الفرص.
لكن السحر انقلب على الساحر. فالنظام البرلماني كان يعطي الأولوية للحزب الفائز الأول، ولو كانت نسبة الفوز 20 في المئة، لتشكيل حكومة، ولو بالائتلاف مع أحزاب أخرى، حيث الصلاحيات الأكبر والقرار التنفيذي بيد رئيس الحكومة والحكومة.
وفي ظل مثل هذا النظام البرلماني تمكن حزب العدالة والتنمية، وقبله الكثير من الأحزاب، من الاستمرار في السلطة لسنوات طويلة.
أما اليوم فإن البرلمان مهمش لا صلاحيات مهمة له، ولم تعد الانتخابات النيابية مهمة لا لتحديد من سيتولى السلطة السياسية، ولا لمراقبة عمل الحكومة التي يرأسها رئيس الجمهورية، وربما توفيراً للنفقات من الأفضل إلغاء الانتخابات النيابية والبرلمان.
من هنا، فإن انتخابات رئاسة الجمهورية عام 2018، ومن ثم الانتخابات البلدية مؤخراً، باتت تحتاج إلى النصف زائد واحد، وهو الأمر الذي عقّد من مهمة أردوغان. فقد فاز في انتخابات 2018، فيما لم تكن المعارضة قد جهزّت نفسها جيداً، وبعدما تغيرت الظروف خسر أردوغان في الانتخابات البلدية ولا سيما في انتخابات الإعادة في إسطنبول. وإذا كان انشقاق حزب الحركة القومية لعب دوراً مهماً في فشل أردوغان، فإن أي انشقاق أو تمرد داخل حزب العدالة والتنمية، سيضعف أكثر أردوغان وحزبه، ويجعل هدف الحصول على خمسين بالمئة في الانتخابات الرئاسية المقبلة دونه صعوبات.
بمعنى أنه في حال توحدت المعارضة وتمرد جزء، ولو كان صغيراً، من قواعد حزب العدالة والتنمية، فإن أردوغان يكون قد جاء بنفسه إلى نهايته، بخلاف ما ظن أنه بتصفيته لمعارضيه بعد محاولة الانقلاب الفاشلة سيضمن تأبيد سلطته.
المصدر: صحيفة الخليج
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر