سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
جمال بنون
من الأسئلة التي تدور في أذهان الناس ولدى كثير من المراقبين، هو: لماذا غيرت السعودية ولي العهد؟ ولماذا اختارت هذا التوقيت؟ وما هي الرسائل التي تريد أن توجهها إلى المجتمع السعودي والمجتمع العالمي؟ وأسئلة أخرى كثيرة تظل تدور في عقول المهتمين. وهذا أمر طبيعي أن يسأل الناس ويستفسروا، وبخاصة أن المجتمع السعودي تعوَّد من قيادته في كل الحالات انتقالاً سلسًا ومريحًا وبدون أي ضوضاء، أو حتى نشر قوات في الشوارع والطرقات وفرض حالة طوارئ.. انتقال الملك وتغيير المناصب دون إراقة دماء أو معارضين، ولا حتى إطلاق تصريحات معادية، أمر في غاية الأهمية، إذ إن انتقال السلطة أو ولاية العهد في كثير من البلدان، يصاحبها الكثير من الانفلات الأمني وإطلاق الاتهامات بين فريق مؤيد وآخر معترض. هذا الأمر، ولله الحمد، لم ولن تشهده السعودية منذ قيام هذه البلاد على يد مؤسسها الراحل إلى يومنا هذا، وهذا مؤشر على التوافق التام بين أفراد الأسرة المالكة، وتعاضدها فيما بينها القائم على الاحترام والطاعة لولي الأمر.
من عادة المراقبين أن يتوقعوا أن تنعكس أي قرارات لها علاقة بمنصب من إزاحة أو إعفاء، أنه من الضروري أن تشهد اضطرابات وخللاً في الشارع، لكن من يعرف الشارع السعودي، سيكتشف أن هذا الأمر ليس في ثقافته أو منهجه. في عام 1975 حينما اغتيل الملك فيصل على يد أحد أبناء أخيه، فإن المتربصين كانوا يتوقعون أن تشهد الأسرة المالكة صراعًا أو حربًا داخلية بين الأشقاء، للانتقام من القاتل، أو تشهد الشوارع نوعًا من الانفلات الأمني، وانقسامًا داخل المجتمع؛ ولأن السعودية قامت على نهج راسخ وواضح، وتحتكم إلى شرع الله، وهو المرجع الأول تعود إليه، فكان القضاء هو الفاصل، وسارت أمور البلاد بكل طمأنينة وسكينة، دون اختلال في سلم ترتيب الملوك والقيادات التي تولت إدارة دفة البلاد.
فالأمير محمد بن نايف ولي العهد السابق، جاء إلى هذا المنصب من خلال تجربة قيادية في مجال الأمن ومكافحة الإرهاب، وخبرة طويلة مع والده الراحل الأمير نايف بن عبدالعزيز، كما أنه إحدى الشخصيات البارزة عالميًا وإقليميًا في مجال ملاحقة الإرهابيين وتجفيف منابع التمويل. وفي عرف ثقافة الأسرة المالكة السعودية أنها تحترم قرار الملك، فالمنصب تكليف وليس تشريفًا، ولديهم تماذج تام في احتواء القرارات الداخلية في شأن الأسرة المالكة. ولعل استقبال الأمير محمد بن نايف لولي العهد الجديد الأمير محمد بن سلمان ومباركته له بالموقع الجديد، بعد ساعات من إعلان الخبر، هو إشارة قوية وواضحة أن بيت الأسرة الحاكمة متماسك وقوي. والسؤال هنا: لماذا إذا تم إعفاء الأمير محمد بن نايف؟ يجب أن نعترف “لكل زمان دولة ورجال”، ولكل مرحلة لها فارس وخيال، وكل المراقبين المحليين والعالميين كانوا يرون أن الأمير محمد بن سلمان ليس شخصًا عاديًا، من حيث إعادة التوازن للمملكة العربية السعودية ووضعها في موقعها الطبيعي الذي يجب أن تكون، وعمل على هذا المنهج منذ أن تولى الملك سلمان بن عبدالعزيز إدارة البلاد. وخلال الثلاث السنوات الماضية مع فريق عمل لوضع خطة شاملة تنتشل البلاد من إدمانه على النفط كما يقول في تصريحاته الصحافية، وأن هذا الأمر عطل مشاريع التنمية في البلاد، اكتشف مواقع القوة والضعف في الاقتصاد السعودي. وربما الموقع الذي كان يوجد فيه وهو منصب ولي ولي العهد، لا يجعله يتحرك بمرونة أو يتخذ قرارات مفصلية، وهذا يتطلب منه العودة إلى صانع القرار لأخذ موافقته، بخاصة أن الأمر يتعلق بالاستغناء عن النفط كمورد رئيسي لخزينة الدولة، وفتح الأبواب أمام الشراكة بين القطاع العام والخاص وتخفيف خزينة الدولة من الأعباء المالية على موظفيها، ونقلها إلى القطاع الخاص من خلال خصخصتها أو تشغيلها. كان إعلان رؤية السعودية 2030 وبرنامج التحول الوطني، هو أحد المفاتيح المهمة التي لمحت أمام المجتمع،
فالأمير الشاب لم يقدم مشروعه كورقة عمل يجب اعتمادها، ولم يترك الأمير للخبراء أو الوزراء ليشرحوه بطريقتهم، بل إنه أخذ زمام المبادرة لمواجهة الإعلام في الرد على أي استفسار يتعلق بالرؤية، وخلال ثلاث سنوات برز ولي العهد السعودي الجديد كمتحدث يعي ما يقول ويملك رؤية وأبعادًا. كما أن تصريحاته تحمل أن الأمير، هو من يقود فريق العمل وليس كما يفعل الكثيرون، الذين يكتفون بإسناد المهمة للجان أو فريق، وينتهون بنتائج إما تتحقق أو تبقى حبيسة الأدراج.
تحرك الأمير الشاب كان لا بد أن يحدث بشكل سريع، فأسواق النفط تشهد تذبذبًا كبيرًا وحادًا، والمنافسة خارج أسواق أوبك كبيرة، وعدم الاتفاق على تقليص الإنتاج، إلا ما ندر، أحد الأمور المقلقة، ومشروعه الضخم الذي واجه انتقادات داخلية وخارجية، وهو مشروع طرح 5 في المئة من أرامكو للاكتتاب، وعوائد مالية يتوقع أن تزيد عن 2 ترليون ريال، قدم الأمير نفسه للمجتمع السعودي، كأحد الوجوه الجديدة من الأمراء الذي يملك رؤية ويؤمن بها، ويريد أن ينفذها وينقل البلاد من بلد ريعي إلى بلد منتج متعدد الدخل، وينقذ البلاد من حالة اقتصادية متردية خلال الأعوام المقبلة لو لم تسارع إلى إحداث التغييرات.
لم يظهر الأمير محمد بن سلمان، كأمير عادي، بل أثبت أنه مطلع على تفاصيل الكثير من الأحداث الاقتصادية والسياسية والأمنية والاجتماعية، وأنه لا يبحث عن منصب أو موقع، بقدر ما يهمه أن ينجز شيئًا في ظل السياق التنافسي المحموم بين الدول العربية نحو التنمية وخلق فرص العمل للشباب واستقطاب الاستثمارات الأجنبية، والاستفادة من موقع السعودية كبلد يضم الحرمين الشريفين والمواقع التاريخية والأثرية، ولها مكانة خاصة في قلوب المسلمين في أقطاب العالم.
الأمير محمد بن نايف ولي العهد السعودي السابق، لم يكن يريد أن يكون حجر عثرة أمام طموح هذا الشاب، وهو يرى أنه يسعى إلى مصلحة الوطن، وهو في عنفوان شبابه، ففضل أن يفسح له المجال ليتولى دفة إدارة مركب ولاية العهد. وحينما اختار الملك سلمان ولي العهد الأمير محمد، لم يأتِ مجاملة أو من أجل ترقية ابنه، فالاختيار يتوافق مع المرحلة المقبلة وما يتطلبه من همة ونشاط، وهي أيضًا رسالة إلى المتربصين أن البيت السعودي، ليس هشًا أو يتأثر بأي عوامل خارجية، والشعب السعودي يهمه أن يبقى وطنه آمنًا مطمئنًا رخاء، مهما حاول المتنطعون أن يزعزعوا ثقة المواطن بقيادته، ويروا الفوضى كما هي في بلدانهم، فهم يريدون أن يروها في الشوارع السعودية.
ليس لدى السعوديين خلال السنوات المقبلة وقت لإضاعته فيما لا ينفعهم، فلديهم ورشة عمل كبيرة وفرص عمل لبناء قاعدة اقتصادية قوية وسياسة خارجية تعتمد على الوضوح والشفافية والضرب بقوة على يد كل من يريد أن يقلق حياة السعوديين ليشقوا طريقهم نحو التنمية.
كاتب وصحافي اقتصادي*
لمدير التنفيذي لمركز mac للاستشارات والدراسات الاعلامية*
@jbanoon
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر