هل تراجع الصين نفسها بعد احتجاجات “هونغ كونغ”؟ | مركز سمت للدراسات

هل تراجع الصين نفسها بعد احتجاجات “هونغ كونغ”؟

التاريخ والوقت : الأربعاء, 19 يونيو 2019

فينكاتارمان

 

إن المسيرة الضخمة في الشوارع والاحتجاجات السلمية التي قام بها مواطنو “هونغ كونغ” ضد قانون تسليم المجرمين، أدت إلى هزةٍ أصابت الحكومة الصينية، التي علقت بسرعةسن القانون. لكن يبدو أن مواطني “هونج كونج” غير واثقين بالحكومة الصينية، فأصروا على ضرورة سحب القانون بالكامل. وقد استمر الاحتجاج حتى بعد تعليق القانون من قِبَل الحكومة الصينية. وفي السنوات السبعين الماضية، لم يستسلم النظام الاستبدادي في الصين لمطالب الشعب وقمع أي حركات احتجاج بعنفٍ ودون مراعاةِ أي حكمٍ قانونيٍ معين. والآن، فإن ذلك لم يكن ممكنًا بالنسبة للحكومة الصينية في “هونغ كونغ”.

وبالتالي، يجب عدم النظر إلى احتجاجات “هونغ كونغ” بمعزل عن غيرها. كما ويجب ألا تُفَسر على أنها مجرد احتجاج على قانون تسليم المجرمين؛ فهذا القانون يعدُّ مجرد شرارةٍ أشعلت لهيب الغضب ضد الحكومة الصينية، حيث نقلت بشكلٍ واضحٍ مشاعر مواطني “هونغ كونغ” الذين لا يرغبون في أن يُحكَمُوا بشكل ديكتاتوري. كما أصبح الاستياء من الحكومة الصينية واضحًا في الوقت الراهن مقارنة بما سبق.

عندما سلمت بريطانيا “هونغ كونغ” إلى الصين بموجب اتفاق بينهما، لم تستشر الحكومة البريطانية مواطني “هونغ كونغ” بأي شكلٍ من الأشكال، وهو ما يعتبره أبناء “هونغ كونغ” بمثابة تسليم قطيع من الأغنام من مالك إلى آخر، حيث تم تسليمها إلى الصين بهذا المنطق. ومنذ أن أصبحت “هونغ كونغ” تحت سيطرة الصين، تحاول الحكومة الصينية ببطء تشديد إحكام قبضتها ودمجها مع الصين في أقرب وقت ممكن. في حين أن “هونغ كونغ” تخضع فعليًا الآن للسيطرة الصينية، فلا يوجد أي نوع من الاندماج العاطفي لمواطنيها مع الصين. ومن ثَمَّ، فإن هذه الاحتجاجات الضخمة التي قام بها الملايين من مواطني “هونغ كونغ” تثبت ذلك بوضوح.

وفي وقت سابق، انطلقت واحدةٌ من أكبر الاحتجاجات ضد الحكم الديكتاتوري في الصين بميدان “تيانانمن”.

لقد كانت مظاهرات ميدان “تيانانمن”، المعروفة باسم “حادثة الرابع من يونيو”، هي مظاهرات قادها عدد ضخم من الطلاب بمقاطعة “تيانانمن” في بكين خلال عام 1989. حيث بدأت حركة الاحتجاج الوطني الشعبية في 15 أبريل 1989 وتمَّ قمعها بالقوة في 4 يونيو 1989، عندما أعلنت الحكومة الصينية الأحكام العرفية وأرسلت الجيش لاحتلال الأجزاء الوسطى من بكين. وهو ما أصبح يعرف باسم “مذبحة ميدان تيانانمن”. وأطلقت القوات التي تحمل بنادق هجومية وتقود دبابات النيران على المتظاهرين الذين كانوا يحاولون عرقلة تقدم الجيش إلى ميدان “تيانانمن”. وتختلف تقديرات عدد القتلى من عدة مئات إلى عدة آلاف، فضلاً عن إصابة الآلاف.

وبينما نجحت الحكومة الصينية في قمع احتجاجات ميدان “تيانانمن”، لم تستطع تكرار ذلك القمع في حالة “هونغ كونغ” الأخيرة، حيث خرج ملايين من مواطني “هونغ كونغ” في الشوارع وكانت الاحتجاجات أكثر وضوحًا أمام المجتمع الدولي، مقارنة بحركة احتجاج ميدان “تيانانمن”.

ورغم أن الصين تعدُّ الآن أكثر قوة في ميادين التجارة والاقتصاد والقوة العسكرية، فإنها باتت عرضةً للآراء السلبية على المستوى العالمي بسبب اعتمادها على الدول الأخرى للحفاظ على اقتصادها وتجارتها.

وفي إطار تعاملها مع احتجاج “هونغ كونغ”، وعند مقارنة ذلك بالطريقة التي تعاملت بها مع احتجاج ميدان “تيانانمن”، لا يمكن للمرء أن يعتقد أن الحكومة الصينية أصبحت أقل أو أكثر وعيًا بحقوق الإنسان.

لقد كانت هناك تقارير واسعة الانتشار في وسائل الإعلام الدولية حول تحرك الحكومة الصينية لقمع الحركة الإسلامية في الصين. فعلى مدى عقود من الزمان، تمتع شعبُ “هوي” بحرية نسبية في ممارسة عقائدها الإسلامية. لكن القمع الذي فرضته الحكومة على الإسلام في إقليم “شينجيانغ”، وهو معقل جماعة الإيغور ذات الأغلبية المسلمة، امتد أخيرًا إلى معاقل “هوي”، بما في ذلك مقاطعة “قانسو”، المتاخمة لـ”شينجيانغ” و”نينجشيا”. وفي حين أن الحكومة الصينية تحاول قمع مثل هذه الاحتجاجات، فإنها لم تنجح بالكامل حتى اللحظة الراهنة، فالصين تعرف أن عين العالم تراقب تصرفاتها عن كثب في هذه الحالة.

وفي وقت سابق، دخلت الصين “التبت” بالقوة، وقامت بذبح المتظاهرين، وطردت الآلاف من سكانها بما في ذلك الزعيم “الدالاي لاما”. وبينما لا تزال الصين تحتل “التبت”، يغمض العالم عينيه أمام اضطهاد الصين الذي يقع على أراضي “التبت” المحتلة.

ومع ذلك، يبدو أن الاحتجاج الحالي في “هونغ كونغ” يمثل نقطة تحول، وفي جميع الاحتمالات لا يمكن للحكومة الصينية أن تسير على طريق إسكات أي حركة حرية من المواطنين المظلومين. وتتطلع الصين حاليًا إلى أن تصبح قوةً عظمى في العالم، ولكي تنجح عليها إصلاح الطرق التي تتبعها في معالجة قضايا حقوق الإنسان.

بالتأكيد، قام مواطنو “هونغ كونغ” بتقديم درس أو درسين للحكومة الصينية. لكن من المأمول أن تدفع هذه الصدمة التي يتعرض لها مواطنو “هونغ كونغ” الصين إلى إعادة التفكير وإجراء إصلاحات في البلاد. لقد كانت أكبر وصمة عار على الصين هي استمرار احتلال “التبت”، وهو ما يفسح المجال لسكان “التبت” للاستفادة من الدروس التي تنطوي عليها مظاهرات “هونغ كونغ”.

 

إعداد: وحدة الترجمات بمركز سمت للدراسات

المصدر: أوراسيا ريفيو

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر