سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
آدم تايلور
يجتمع الحلفاء الغربيون هذا الأسبوع في بريطانيا وفرنسا لإحياء أكبر عملية غزو بحري في التاريخ. ولكن بعيدًا عمَّا يحدث في بريطانيا، هناك تجمعٌ مهم آخر يهدف إلى تعزيز تحالف جديد لهذا القرن.
لقد التقى زعماء دول من بينها الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا، يوم الأربعاء الماضي في “بورتسموث” بإنجلترا، لإحياء الذكرى الخامسة والسبعين لقيام الحلفاء بغزو نورماندي خلال الحرب العالمية الثانية. ثم توجه هؤلاء القادة في اليوم التالي إلى موقع نورماندي للاحتفال بذكرى الهجوم على فرنسا التي احتلها النازيون في يونيو 1944. وقد كان من المقرر أن يحضر ممثلو الدول التي شكلت التحالف في الحرب العالمية الثانية، وكذلك مبعوث من ألمانيا. غير أن قادة روسيا والصين، وهما بلدان قدَّما تضحياتهما الخاصة بجهود الحلفاء في الحرب لن يكونا حاضرين، فقد اجتمعوا منفردين خارج الكتلة الشرقية لأوروبا.
لقد التقى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بالرئيس الصيني “شي جين بينغ” في موسكو يوم الأربعاء لبدء زيارته التي تستغرق ثلاثة أيام لروسيا. وقد تزامن ذلك مع مرور 70 عامًا على العلاقات الدبلوماسية بين موسكو وبكين، حيث يدعي الجانبان أن العلاقة بينهما تعتبر أفضل من أي وقتٍ مضى. وقال “شي” لوكالة أنباء “تاس” الحكومية الروسية قبل زيارته إن بوتين “هو أفضل أصدقائي”.
يقف اللقاءان الدوليان في تناقضٍ صارخٍ: القديم والجديد، والشرق والغرب، الديمقراطية والاستبداد. لكن هذه الاختلافات لم تكن واضحة دائمًا. فقد حضر الرئيس الروسي احتفالات يوم النصر لأول مرة في عام 2004. وعلى الرغم من أن موسكو لم تكن متورطة بشكل مباشر في الغزو، فإن الجنود السوفييت لعبوا الدور الأهم في هزيمة ألمانيا النازية على الجبهة الشرقية.
كما كان حضور بوتين في وقت لاحق في احتفالات يوم النصر في عام 2014 متوترًا؛ حيث جاء وسط محاولات زعماء العالم لعزل موسكو بعد ضمها لشبه جزيرة القرم. فلم تتم دعوة الزعيم الروسي هذا العام، وهو السبب الذي أرجعه إلى أن الدعوة لرؤساء الحكومات، وليس رؤساء الدول.
وفي الوقت نفسه، قلَّلت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية هذا الأسبوع من أهمية يوم النصر، ووصفت إنزال نورماندي بأنه “ليس لعبة تغيير”. لذلك نظَّم الكرملين قمته الثنائية الخاصة، وكان الضيف المتوتر في الاحتفال بنورماندي هذا العام ليس بوتين، ولكنه الرئيس ترمب.
وفي حين يتم الاحتفال بيوم نورماندي، والوقوف على أطلال الأمجاد التاريخية السابقة، فإن بوتين يعمل على تشكيل تحالف جديد. وقد قال “شي” هذا الأسبوع إن بوتين هو أقرب زملائه الأجانب.
ووفقًا للكرملين، فقد التقى الاثنان 29 مرة منذ عام 2013.
ويُعَدُّ هذا شيئًا من التغيير بالنسبة لكلتا الدولتين اللتين كانتا على خلاف لفترات طويلة من القرن العشرين، وذلك على خلفية التباين في تفسير كليهما للشيوعية؛ وهو ما أدى إلى قطع العلاقات الدبلوماسية بين الصين والاتحاد السوفييتي. لكن البلدين جيران ويتقاسمان الحدود والمصالح الإقليمية في آسيا، كما تحول كلاهما في القرن العشرين من الشيوعية إلى السلطوية المعاصرة.
وأهم من ذلك، أنهم يجدون أنفسهم على خلافٍ متزايدٍ مع الولايات المتحدة. فروسيا والصين غارقتان في وقتٍ واحدٍ في الصراعات الاقتصادية مع أميركا. كما تواجه موسكو وابلاً من العقوبات من جانب واشنطن، بينما تقع بكين في خضم حرب تجارية واقتصادية مدمرة.
لقد كتب “برونو ماسيس”، وهو محلل ومؤلف مقيم في بكين، لصحيفة “موسكو تايمز” أنه “إذا افترضت أميركا أن روسيا والصين تشكلان تهديدًا، وقررت مواجهة البلدين في الوقت نفسه، فإن التحالف المؤقت بينهما يصبح أمرًا لا مفر منه”.
فالرئيسان بوتين و”شي” يقدمان أنفسهما كبطلين للتجارة الحرة ومعارضين للحمائية، كما يعتقد كلاهما أن اقتصاداتهما القائمة على التصدير مُعَرَّضة للخطر. ففي روسيا، سيكون الرئيس الصيني ضيف الشرف في منتدى اقتصادي دولي في سان بطرسبرغ، وهو اجتماع يقاطعه السفير الأميركي بشأن احتجاز مصرفي استثماري أميركي.
كما وقَّع الجانبان اتفاقًا يتعهد بالتخلي عن التعامل بالدولار الأميركي والتحول إلى استخدام الروبل واليوان في مبادلاتهما التجارية، والانتقال للسماح لشركة “هواوي” العملاقة للاتصالات الصينية بتطوير شبكة الجيل الخامس في روسيا، وذلك على الرغم من التحذيرات الأميركية من أن منتجات الشركة تنطوي على تهديد أمني.
وكما ذكرت صحيفة “فاينانشال تايمز”، يوم الأربعاء، فمن المتوقع أن يصدر بوتين و”شي” عددًا من البيانات خلال لقائهما، بما في ذلك بيان ينطوي على إدانة “الهيمنة على النظام الدولي”.
إلا أنه ليس من الصعوبة بمكان التخمين بماهية تلك الهيمنة. فقد يكون العداء المتبادل تجاه واشنطن هو أكبر رابط بين بكين وموسكو. حيث قام بوتين بتحول واعٍ تجاه الشرق بعد أن أصبح معزولاً في الغرب عام 2014. وعلى الرغم من أن هذه الحرب الباردة الجديدة لا تزال اقتصادية في المقام الأول، فقد حذَّر البنتاجون من أن الولايات المتحدة بحاجة إلى الاستعداد لاحتمال الصراع مع الصين وروسيا.
وبينما يدرس الرئيس ترمب موقفًا مستقبليًا من تلك التطورات هذا الأسبوع، فإنه مطالب أيضًا بالنظر في الماضي من خلال نورماندي. فغالبًا ما يتم تذكر يوم النصر كمبادرة أميركية في المقام الأول، ولكن الحقيقة أنه كانت هناك جهود دولية، حيث شارك البريطانيون والكنديون والبولنديون والنيوزيلنديون وغيرهم في عملية الإنزال على نورماندي قبل 75 عامًا.
وأظهر استطلاع للرأي أُجرِي عام 1945 أن 20٪ فقط من الفرنسيين يعتقدون أن الولايات المتحدة ساهمت بأكبر قدر في الفوز بالحرب، مقارنة بـ 57٪ من روسيا.
إن هذا النوع من النهج المتعدد الأطراف لا يتناسب بشكل جيد مع خطاب ترمب القائل بـ”أميركا أولاً”، ولا عادة الرئيس الأميركي شن حربٍ كلاميةٍ واقتصاديةٍ ضد الأعداء وكذلك الحلفاء. فقد كشف المؤرخ الرئاسي “جون ميكهام جيمس ماوكولي” من صحيفة “واشنطن بوست” هذا الأسبوع أن يوم النصر يمكن النظر إليه باعتبار أن هذا النهج الأميركي ضد العالم لن ينجح. كما قال “ميكهام” إن شواطئ نورماندي “يجب أن تحمل تذكيرًا دائمًا بأنه لا يمكننا الهروب من التاريخ”.
ومع ذلك، لا يزال الرئيس الأميركي على خلاف مع نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون، ومعظم أوروبا، بشأن قضايا السياسة تجاه إيران، وكذلك الموقف من تغير المناخ.
وعلى الرغم من سياسات الإدارة الأميركية، يبدو أن ترمب لا يزال يُفَضِّل بوتين وغيره من المستبدين مثله. ففي وقتٍ لاحقٍ من هذا الشهر، سوف يجتمع مع الرئيس الروسي ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو للمشاركة في اجتماع ثلاثي غير عادي. وكما قال “دانييل شابيرو”، السفير الأميركي السابق لدى إسرائيل، فإن روسيا ربَّما تستخدم الاجتماع للضغط من أجل تخفيض العقوبات الأميركية مقابل سحب الدعم لإيران.
ومن ثَمَّ، فإنه بدلاً من حشد حلفائها، فإن إدارة ترمب تخاطر بالسير نحو الأوضاع الأسوأ، وتحويلهم إلى أعداء. وفي الوقت نفسه، يدرك الجانبان أن عدو عدوهم قد يكون صديقهم.
إعداد: وحدة الترجمات بمركز سمت للدراسات
المصدر:واشنطن بوست
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر