سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
سوبهاش كابيلا
تُشير المعارك الدائرة بين القوى العالمية الكبرى، إلى أن الصين تخسر أمام الولايات المتحدة في منطقة المحيط الهادئ الهندية في عام 2019، ما يكشف عنه “بيان النوايا” الصادر عن الصين ردًا على تأكيد قوتها في مواجهة دعم الولايات المتحدة لأمن المحيط الهادئ وذلك في إطار الحوار الدائر منذ 31 مايو الماضي بفندق “شانجريلا” في سنغافورة.
ويميل ميزان القوى الكلي في منطقة المحيط الهادئ الهندية Indo Pacific Asia بشدة لصالح الولايات المتحدة المدعومة من قوتين آسيويتين ناشئتين هما اليابان والهند، حيث تتنافس كلتاهما مع الصين، في سياق تاريخي من النزاعات الإقليمية التي فرضتها الصين. وبالنسبة للولايات المتحدة، فإنها تتغلب على هذه العملية السياسية ببراعة من خلال عدم التورط في نزاعات تجارية مع اليابان والهند.
وعلى الرغم من ذلك، قال وزير الدفاع الصيني الجنرال “وي فنغ هاي” في سنغافورة إنه تمَّ إصدار الأوامر للجيش الصيني، وإنه مستعد للعمل بقوة لمنع التدخل الخارجي في عملية إعادة توحيد تايوان مع الصين الشيوعية، وإن الصين مستعدةٌ للمواجهة بالقوة أية تحديات تهدد سيادتها في جزر بحر الصين الجنوبي، رغم أن الواقع على الأرض يعبر عن خلاف ذلك.
وتشهد منطقة آسيا والمحيط الهادئ التي تمتد عبر المحيط الهادئ والمحيط الهندي والدول التي تشملها هذه المساحة البحرية الواسعة، تموجات جيوسياسية كبيرة تميل نحو الولايات المتحدة بدلاً من الصين. وقد أدى الصعود العسكري غير المعتدل للصين إلى حد بعيد إلى إطلاق عملية استقطاب تميل نحو الولايات المتحدة لم تتمكن الدبلوماسية الأميركية من تحقيقه لعقود.
وفي عام 2019، كانت تعمل هذه المجموعة الجيوسياسية التي تميل نحو الولايات المتحدة في منطقة الهند والمحيط الهادئ باعتبارها “مضاعفة للقوة” بالنسبة للولايات المتحدة، فقد تصلبت مواقفها العسكرية في بحر الصين الجنوبي، وإمدادات الأسلحة إلى تايوان، مما دفع اليابان نحو الطموح لدور عسكري أكبر مثل الولايات المتحدة حليفها الدائم، واحتضان فيتنام استراتيجيًا مع خلق قوةِ دفعٍ إضافيةٍ واستعادة الفلبين من تحالفها مع الصين. كما أصبحت إندونيسيا تبدو كقوةٍ إقليميةٍ لرابطةِ أمم جنوب شرق آسيا، ولكنها مشهورة بكونها “حاضنة السياج” لسنوات، حيث بدت أقرب إلى الولايات المتحدة بعد أن بدأت الصين في المطالبة بالجزر الإندونيسية.
والأهم أن الولايات المتحدة والهند كقوة ناشئة ذات أبعاد شبه قارية تتواصل جغرافيًا على مدى آلاف الكيلومترات من الحدود المتنازع عليها مع التبت الصينية المحتلة، تتمتعان بعلاقة أمنية معززة باستمرار كما كانت واضحة في عام 2019.
والجدير بالذكر، في هذا الإطار الجيوسياسي لدول الهند والمحيط الهادئ التي تتجمع حول الولايات المتحدة، أنه يبدو خلال السنوات القليلة الماضية أن بعض الدول الأوروبية، مثل: فرنسا وبريطانيا التي تشارك أيضًا بنشاط في بحر الصين الجنوبي على أساس مبدأ “حرية أعالي البحار”، تستنكر محاولات الصين لتحويل بحر الصين الجنوبي إلى” بحر الصين الداخلي.
ويبدو أن روسيا في عام 2019، على الرغم من إعلان المحور الروسي لآسيا والمحيط الهادئ منذ بضع سنوات، كانت مشتتة استراتيجيًا من قِبَل أهدافٍ تتصل بأولوياتها في الشرق الأوسط وأوروبا الشرقية، لكن ذلك الإدراك لا يساعد الصين في مواجهتها المتصاعدة مع الولايات المتحدة.
وتتكتل المجموعة الجغرافية السياسية، وراء الولايات المتحدة، بما يعبر عن استعدادها لمواجهة الصين بقوة، إذا فرضت الصين هذا الخيار، حيث يجب إضافة الحرب التجارية الأميركية الصينية المستمرة. وقد سبق أن أشرت في كتاباتي السابقة إلى حقيقة أن الولايات المتحدة بدأت حربًا تجارية في مواجهة الصين، بهدف القضاء عليها من خلال حرب أقصر من الصراع العسكري.
وتثير الخلفية العامة السابقة للتأكيدات التي جاءت في حوار “شانجريلا” 2019 من قِبَل نائب وزير الدفاع الأميركي ووزير الدفاع الصيني الذي يؤكد نوايا الولايات المتحدة والصين، مخاوف خطيرة في الهند والمحيط الهادئ في آسيا.
ومما يبعث على القلق تأكيد وزير الدفاع الصيني خلال تصريحاته في حوار “شانجريلا” أن الصين لن تتخلى عن استخدام القوة لحماية سيادتها على تايوان وفي بحر الصين الجنوبي.
ويعزز ذلك الرؤية المثالية في الإطار الاستراتيجي والتي مفادها أن الصراع المسلح بين الولايات المتحدة والصين، حتى ولو كان صغيرًا فهو “أمرٌ لا مفر منه”. فالمواجهة المستمرة بين الولايات المتحدة والصين تمثل حالة كلاسيكية للقوة العظمى الحاكمة التي يتم تحديها من قِبَل “قوة المراجعة” الممثلة حاليًا بالصين العسكرية.
وبالاطلاع على خبرات الدروس العسكرية في القرن العشرين بالحرب العالمية الأولى والحرب العالمية الثانية، يمكن للمرء أن يتنبأ بشكل تحليلي بأن الصين تخوض حربًا خاسرة مع الولايات المتحدة.
ومرة أخرى، ما الذي يدفع الصين نحو معركة خاسرة مع الولايات المتحدة وحلفائها من الهند والمحيط الهادئ وشركائها الاستراتيجيين في حال تحولت المواجهة العسكرية الأميركية الصينية إلى صراع مسلح؟ وما الذي يدفع الصين إلى معركة خاسرة مع الولايات المتحدة في الحرب التجارية الأميركية الصينية الحالية؟
من الناحية التحليلية، لم تظهر أي إجابات مقنعة ولا يشير أي منطق استراتيجي أو اقتصادي إلى أن الصين يمكنها التغلب على نسق القوة الموجه ضدها؟
فالصين التي تعلمت الكثير فيما يتصل بالثورة في الشؤون العسكرية من حربي الخليج في الولايات المتحدة خلال العقدين الماضيين، والدروس المستفادة في تحديث القوات المسلحة الصينية، يبدو أنها لم تستفد من دروس التاريخ العسكري للحربين العالميتين في القرن العشرين.
ورغم أن كلاً من الولايات المتحدة والصين أدلت بتصريحات تصالحية لإثبات التأكيدات التي أدلى بها نائب وزير الدفاع الأميركي ووزير الدفاع الصيني، والتي أشارت إلى استعدادها للانخراط في تصادم طويل الأمد من أجل تحقيق مصالحهما الأمنية، فمن المؤكد أن ثمة زيادة ملحوظة في التوترات المواجهة لا يمكن تجاهلها.
ولا ينبغي للمرء أن ينسى أن كلاً من الرئيس الأميركي والرئيس الصيني يواجهان تحديات سياسية داخلية مثل محاولة إعادة انتخاب الرئيس ترمب، والاستجواب السياسي للسيطرة المركزية المفرطة للرئيس “شي جين بينغ” والتباطؤ الاقتصادي، حيث يمكن أن تؤدي هذه الشرارات غير المقصودة إلى انفجار الأوضاع في منطقة الهند الآسيوية والمحيط الهادئ.
وعلى الجانب الصيني، وإضافة إلى الأوضاع الملتهبة بداخلها، فإن ثمة احتمالاً مزعجًا لكون التسلسل الهرمي العسكري لجيش التحرير الشعبي حاكمًا لعملية حشد الصين غير المسبوق للقوة العسكرية المتقدمة لتحدي الولايات المتحدة التي تعتمد على مفاهيم مرتبطة باستراتيجيات الولايات المتحدة في “تجنب المخاطرة” ضد الصين.
وأخيرًا، ينبغي التأكيد على أنه في إطار المواجهة العسكرية والاقتصادية المستمرة بين الولايات المتحدة والصين، وفي حالة الانتقال نحو السيناريو العسكري، فإن الصين ستخوض حربًا خاسرة مع الولايات المتحدة.
إعداد: وحدة الترجمات بمركز سمت للدراسات
المصدر: مجموعة تحليل جنوب آسيا The South Asia Analysis Group
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر