سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
ماثيو ج ل إيرت
بمراقبة سياسات كندا تجاه الصين خلال الأشهر القليلة الماضية، فإنها تبدو وكأننا بصدد ما يشبه تصادمًا بطيئًا لقطار ما، لكن لا يمكن إلقاء اللوم على أحدٍ، حيث يشير الأمر إلى نتيجةٍ مفادها أن هذا الوضع من عدم وضعف الكفاءةِ الدبلوماسيةِ المتسقةِ من جانب صانعي السياسة الكنديين، كان أمرًا مقصودًا.
نصدق أو لا نصدق، فقد تمَّ بذل جهدٍ وفيرٍ من قِبَل الحكومةِ الكنديةِ للعمل مع الصين منذ وقت ليس ببعيد. فقد استغرق الأمر التخطيط من أجل صياغة “اتفاقيةٍ للتجارةِ الحرةِ” بين كندا والصين، كما وقعَّت كندا على اتفاقية تأسيس “البنك الآسيوي” للاستثمار في البنية التحتية في مارس 2017، وعلى ذلك فما الخطأ الذي حدث؟ وكيف حدث ذلك بسرعة؟
نقول إنه في العامين الأولين لها في السلطة، لم تستطع الحكومة الليبرالية الحالية لكندا أن تتحدث إلى الصين بشأن جهودها من أجل الضغط على هذه القوة العالمية العظمى حتى تصبح أكثر نشاطًا، وذلك بالعمل على إصلاح نظام الحكم و “التصرف بشكلٍ أفضلٍ” بشأن الفساد وحقوق الإنسان. لكن كندا لم تدرك أبدًا أنها تعامل سكانها الأصليين بشكلٍ عادلٍ، أو أنها تخلو من الممارسات الفاسدة على أعلى المستويات. كما أن استراتيجية مكافحة الفساد التي اتبعتها حكومة رئيس الوزراء “جوستين ترودو” قد فشلت منذ أن عاد من بكين في ديسمبر 2017، وبخاصة بعد أن تلقى رسالة واضحةً مفادها أن صفقة التجارة الحرة، وطموحات إقامة علاقة خاصة مع بكين قد وصلت إلى نهايتها.
وحينما بدا من الواضح أن “العلاقة الصينية الكندية الخاصة” لن تحدث بالطريقة التي تمنى بها بعض التكنوقراطيين الذين كانوا يديرون كندا من قبل، ظهرت في الأفق سياسةٌ جديدةٌ من العداء تجاه الصينيين، وقد باتت بمثابة عقيدة جديدة تمَّ تبنيها، وهو ما أدى إلى تدخل الحكومة في محاولة لشراء شركة “الصين للاتصالات” CCCI لشركة البناء العملاقة Aecon Inc في مايو 2018 بسبب مزاعم بأن الصين قد صُنّفت فجأة على أنها تمثل “تهديدًا للأمن القومي”. وقد استمرت هذه العلاقات في التدهور مع اعتقال رئيس شركة هواوي، “منغ وانز هو” في ديسمبر الماضي، وإعطاء الضوء الأخضر خلال شهر مارس الماضي لاحتمالات تسليمه للولايات المتحدة.
لكن حقيقة الأمر أن الحزب الليبرالي الكندي، الذي ترأسه وزيرة الخارجية “كريستيا فريلاند” قد بدا وكأنه يجعل من مشاركة كندا في مبادرة “الحزام والطريق” الصينية أولوية بالنسبة له. وبدلاً من الانتقال إلى النموذج الجديد القائم على منطق “التعاون المربح للجانبين” الذي قدمته الصين، فإنها ألقت بأوراقها على النظام الذي يعاني من الإفلاس تحت مظلة “منظمة التجارة العالمية” WTO وحلف الناتو.
وفي 22 مايو الماضي، تحدثت “فريلاند” مهاجمة الصين لاحتجازها شخصين كنديين متهمين بالتجسس، حيث قالت إن “الصين ينبغي أن تتخذ خطوات أقوى مما كانت عليه من قبل لمحاولة الحصول على وضع أفضل على المسرح العالمي. فالدول الغربية والديمقراطيات حول العالم تجمع على أننا لسنا بحاجة إلى السماح بذلك”.
وبعد تصريحات “ترودو”، قال السفير الصيني لدى كندا “لو شاي”، خلال إحدى الفعاليات يوم 24 مايو، إن “العلاقات الحالية بين بكين وأوتاوا تواجه صعوبات خطيرة، وقد وصلت إلى مستوى متدنٍ جدًا، منذ أن أقامت الدولتان علاقات دبلوماسية. وأنه لشيء محزن أن تصل العلاقات الحالية بين البلدين إلى (نقطة تجمد)، وتواجه صعوبات كبيرة “.
وكان السفير “لو” قد تصدَّر عناوين الصحف في وقت سابق، حينما أشار إلى أن الهجوم على شركة هواوي واعتقال “منغ” كان بسبب دوافع سياسية، كما أنه يعكس أجندة عنصرية يديرها جهاز المخابرات البريطانية. وفي مقال افتتاحي بشهر يناير 2019، كتب “لو” أن “هؤلاء الأشخاص أنفسهم تجاهلوا بسهولة برامج التجسس PRISM، وغيرها من شبكات التجسس العالمية التي تديرها بعض البلدان التي انخرطت في السطو عبر الإنترنت على نطاقٍ واسعٍ ومنَظَّمٍ، وكذلك التجسس وأنشطة الرقابة على الحكومات الأجنبية والشركات والأفراد. وقد اتخذ هؤلاء الأشخاص أيضًا موقفًا غير رسمي تجاه دولة تنتهك حقوق خصوصية مواطنيها من خلال قانون (باتريوت). وقد نادوا بحظر استخدامات الأجهزة التي تنتجها هواوي من قِبَل المخابرات البريطانية في هذه البلدان.”
غياب صوت العقل
بالطبع كانت هناك فرصة لتغيير هذه السياسة. فقد حاول سفير كندا لدى الصين، “جون ماكالوم”، القيام بدورٍ لتهدئة العاصفة من خلال التقدم بوجهة نظر واضحة عرضها أمام الصحفيين في “تورنتو” مفادها أن فرص تفادي التسليم كانت جيدة، ذلك أن الرئيس الأميركي دونالد ترمب أشار منذ البداية إلى أنه مستعد للتدخل في قضيتها إذا ساعدت الولايات المتحدة والصين في دعم التجارة، كما أن كندا لم تُوَقِّع أبدًا على العقوبات المفروضة على إيران.
كما قال “ماكالوم”، في إشارة إلى تصريحات سابقة لترمب إنه “إذا كان من المعتقد أن الأمر يتصل بما يعدُّ أكبر صفقة تجارية يتم إجراؤها على الإطلاق، وهذا أمر مهم جدًا، فإنني بالتأكيد سأتدخل متى رأيت أنه ضروري”.
ومن بين النواحي الإيجابية الأخرى التي تدعو إلى التعافي غير المباشر للعلاقات بين كندا والصين، تلك الدعوة التي أطلقها بعضٌ من أقطاب الحزبين الجمهوري والديمقراطي، لتبني عقيدة جديدة تتوافق أكثر مع الممارسات الخاصة بطريق الحرير الصيني الروسي. ومع ذلك، لا يمكن رصد الكثير من المؤشرات على هذا الموضوع من جانب أيٍ من الأحزاب الثلاثة الرئيسية في كندا، حيث يقول “أندرو شير” من جانب حزب المحافظين الأكثر معاداة للصين إنه “لسنوات قد تجاهل ترودو الخطر الأمني الذي تشكله الحكومة الصينية على كندا، وأنه قد حان الوقت لإظهار بعض الإيجابية ومواجهة الصين في النهاية”. كما طالب “شير” كندا بمعاقبة الصين من خلال تقديم شكاوى رسمية إلى منظمة التجارة العالمية.
الشعب الكندي هو الضحية
إن الطرف الوحيد الذين يعاني في هذا الصراع المُصطنع هو الشعب الكندي؛ فقد وجد المزارعون إيراداتهم تتهاوى بسبب مقاطعة الصين واردات فول الصويا الكندي التي كانت تصل إلى 2.7 مليار دولارٍ كندي سنويًا. فكندا دولة رائدة عالميًا في إنتاج فول الصويا والصين تعدُّ أحد المستوردين الرئيسيين.
كما أن شركات التكنولوجيا الكندية سوف تتضرر إذا تمَّ تطبيق الحظر الذي فرضته “أوتاوا” على منتجات شركة هواوي، وتهدد الكنديين على مستوى البلاد، حيث تستمر البنية التحتية طويلة الأجل في التدهور، في ظل غياب أية نوايا لتمويل عملية التطوير، وهو ما أثبتت الصين من خلاله أنها قادرة على القيام بها بشكل فريد. ذلك أن شراء الصين لشركة البناء العملاقة Aecon Incمن كندا لم يساعد فقط في دفع سياسات الإصلاح والتحديث للبنية التحتية الحيوية لكندا، بل إنه كان من شأنه أن يجعل كندا تشارك بنشاط في مشاريع مبادرة “الحزام والطريق” الدولية. وبالتالي ستمضي الأصوات العاقلة في دعوتها إلى مشاركة كندا في مبادرة “الحزام والطريق”، وذلك إلى الحد الذي يُسمح فيه للنخبة التكنوقراطية بالتعويل على السياسة الخارجية الكندية.
لقد تمَّ تقديم حل بسيط لهذه الكارثة إلى كندا على طبق من ذهب من جانب السفير “لو” في يونيو 2017 عندما قال إنه “بالإمكان أن تكون كندا مشاركًا مهمًا ومساهمًا ومستفيدًا في بناء مبادرة الحزام والطريق”. فقد انضمت كندا إلى هذه المبادرة، وهو ما يوفر شروطًا جيدة لقيام كندا بالمشاركة في إنشاء وتحديث البنية التحتية. ذلك أنه من المأمول أن تتمكن كندا من تعزيز تنسيق السياسات مع دول المبادرة، وكذلك البحث عن مجالات ومشاريع محددة يمكن أن تُشارك فيها بأقرب وقتٍ ممكن حتى تحقق إنجازات مبكرة من خلال المشاركة المبكرة. لقد “وقَّعت حكومة كولومبيا على وثائق التعاون مع مبادرة “الحزام والطريق”، مع حكومة مقاطعة “جوانغ دونغ” الصينية في العام الماضي، ومن المأمول أن تتخذ الحكومتان المحليتان إجراءات سريعة والسعي نحو المشاركة الفعالة في إطار المبادرة. فالصين مستعدة للتعاون مع كندا لاستكشاف أسواق الطرف الثالث بشكل مشترك في إطار المبادرة التي تستجيب لاتجاه العصر الحديث وتتوافق مع قانون التنمية وتلبي مصالح الناس. فالصين بالتأكيد لديها آفاق واسعة، كما أنها تأمل ألا تفَوِّتَ كندا أي فرص مهمة للتعاون معها. ولا يزال عرض الانضمام إلى النظام الجديد مطروحًا بشكل مباشر، وبالتالي فإذا كانت كندا مستعدة للتخلي عن أوهامها في الوقت المناسب للمشاركة في هذا التغيير التاريخي في الاقتصاد العالمي، فحينئذٍ يكون هناك المزيد من الحاجة للبحث في أبعاد ذلك الأمر.
إعداد: وحدة الترجمات بمركز سمت للدراسات
المصدر: آسيا اليوم
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر