مُنعَطَف أردوغان السلطوي | مركز سمت للدراسات

مُنعَطَف أردوغان السلطوي

التاريخ والوقت : الأحد, 19 مايو 2019

البروفيسور جان فرانسوا بايارت

 

غالبًا ما يُلاحظ في هذه الأيام أن شياطين الاستبداد القدامى في تركيا قد عادوا، في الوقت الذي تشعر فيه أوروبا بالارتياح الحذر لأنها تخلصت أخيرًا من القضية الضخمة المتمثلة في توسيع الاتحاد الأوروبي ليشمل الأناضول. هنا ينكشف لنا حجم التكلفة الدبلوماسية والاستراتيجية التي ينبغي أن يتم دفعها مقابل مغادرة تركيا إلى أجهزتها الخاصة، حيث تقوم بدور في خدمة ما تعتقد أنه مصالحها الوطنية، وكل ذلك لا يزال محل نظر في الوقت الذي تتطلع فيه بالفعل إلى “منظمة شنغهاي للتعاون”، التي تعدُّ النادي الذي يجمع بين القوى الاستبدادية في قارة آسيا تحت مظلة روسيا والصين. وتسعى لشراء منظومة صواريخ من بكين وموسكو، وهو ما يثير استياء حلف الناتو. كما أنها تقترب أكثر من طهران بشأن القضية العراقية والسورية. وقد مثَّلَ ذلك نقطة مهمة بالنسبة لأولئك الذين يعارضون انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي؛ إذ سارعوا للشكوى من التكلفة التي يفترض أن يستتبعها ذلك، لكنهم لم يتساءلوا أبدًا عن تكلفة عدم انضمام تركيا. وقد وصلنا إلى هذه النقطة، حيث ستكون الديمقراطية الأوروبية، وكذلك الأمن الأوروبي هو الخاسر الأكبر من وراء هذه الفوضى.

وبالنسبة لـ”رجب طيب أردوغان”، فقد انضمت تركيا في عهده إلى نادي “الديمقراطيات غير الليبرالية” حينما سعى للتدخل في انتخابات “نيكولا ساركوزي” للرئاسة الفرنسية عام 2007 تحت مظلة وهم الانضمام لعضوية الاتحاد الأوروبي. ولم يكن لدى “بروكسل” أي وسيلة للتعامل مع أنقرة (لا عصى ولا جزرة). وكانت النتيجة تحول أردوغان شخصيًا وبشكل متزايد نحو الاستبداد. فخلال السنوات الأخيرة، تمَّ كسر العمود الفقري للجيش التركي، وكذلك وسائل الإعلام، على خلفية صلات مزعومة مع جماعة “فتح الله غولن”، الذي دعم قادة حزب العدالة والتنمية للفوز في الانتخابات عام 2002، كما كان في حاجة لدعم الأكراد (أو القوميين)، وحزب الشعوب الديمقراطي (HDP)، والمعارضة المدنية والليبرالية التي ظهرت في جميع أنحاء البلاد خلال الأحداث التي وقعت في غازي عنتاب عام 2013.

وحتى الانتخابات البرلمانية التي أجريت في يونيو 2015، كان بإمكان رجب طيب أردوغان أن يحصل على دعم الناخبين. لكنه خسر بعد ذلك الأغلبية البرلمانية المطلقة وبدأ قفزة محفوفة بالمخاطر نحو الأمام. وقد خاض أردوغان مناورات من خلف الكواليس، للدعوة إلى انتخابات جديدة في نوفمبر والفوز بها، وذلك على حساب اندلاع حرب أهلية جديدة في الجنوب الشرقي.

فبعد محاولة الانقلاب في يوليو 2016، فقد أردوغان كل إمكانيات ضبط النفس، فاتجه لصنع دستور رئاسي وفقًا لمطالبه الخاصة. وقد كان حزب العدالة والتنمية تحت سيطرته، فتمَّ إلغاء حرية الصحافة بحكم الأمر الواقع.

وفي نوفمبر 2015 أُجرِيَت الانتخابات البرلمانية، وأجري استفتاء على الدستور التركي في أبريل 2017 في مناخ من التخويف من الشرطة والقضاء. وربَّما كانت المرة الأولى منذ عام 1950، وقد شابها شكوك التزوير. وقد اجتاحت عملية التطهير الجماعي الذي تعرضت له قطاعات الشرطة والجيش والقضاء والجامعات والخدمة المدنية وأحزاب المعارضة برمَّتها، وحُوكم عشرات الآلاف من الأشخاص وعائلاتهم، وتعرضوا للموت الجماعي والحرمان من وظائفهم، وكان من بينهم النواب المنتخبون، والصحفيون والكتاب والقضاة والمحامون والضباط والموظفون المدنيون الذين وضعوا في السجن؛ وهو ما يؤكد أن أردوغان بات وحده يسيطر على كل شيء فهو رئيس الجمهورية ورئيس الحزب.

وتعدُّ تلك الإشارة إلى التاريخ الاستبدادي أمرًا مهمًا جدًا خلال السنوات الخمس الأولى من تولي أردوغان السلطة، إذ لم يكن لدى أردوغان سجل ديمقراطي ذو أهمية تذكر؛ فلم يذهب أي زعيم تركي آخر إلى هذا الحد في رؤيته للواقع الكردي، ثقافيًا وسياسيًا، أو فتح مفاوضات مع حزب العمال الكردستاني؛ ذلك أنه لم يشكك أي زعيم آخر بوضوح في الفهم العرقي والديني للمواطنة، وهو ما تمَّ الإعلان عنه صراحة في عبارة “جمهورية تركيا” بدلاً من “الجمهورية التركية” العزيزة على الكماليين.

وأخيرًا، فقد كان وصوله إلى السلطة يرمز إلى تحولٍ لصالح “الأتراك السود” الذين تمَّ تهميشهم من قِبَل “الأتراك البيض” العلمانيين منذ عشرينيات القرن العشرين. وقد كان لذلك بُعد اجتماعي وثقافي، وتمَّ إلغاء قيود النظام الدستوري الموروث من الانقلاب العسكري عام 1980.

 

إعداد: وحدة الترجمات بمركز سمت للدراسات

المصدر: مجلة تحديات عالمية

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر