الركود الحتمي في تركيا “الجزء الثاني” | مركز سمت للدراسات

الركود الحتمي في تركيا “الجزء الثاني”

التاريخ والوقت : السبت, 4 مايو 2019

كلاوديو غراس

 

تمثل مشكلة الديون التركية، بجانب الوضع المتدهور لقيمة الليرة، أكثر التحديات التي تواجه الاقتصاد التركي. لكن ما يزيد الأوضاع سوءًا، وبعيدًا عن كون ذلك الأمر يمثل تهديدًا لتركيا نفسها، أن آثار ذلك المأزق يمكن أن تتصل بدوائر أخرى مثل اقتصادات منطقة اليورو.

وللوهلة الأولى، فإن الوضع في تركيا ربَّما يتشابه مع العديد من السيناريوهات المماثلة ببلدٍ كان مُثقَلاً بالديون، وتدهورت أوضاع عملته، واتجهت إلى حافة الهاوية، وهي اليونان التي تمَّ إنقاذها في النهاية.

ومع ذلك، فإن ثمة اختلافًا رئيسًا يجعل مشكلة ديون تركيا أكثر تعقيدًا وربَّما أكثر خطورة؛ فعلى عكس اليونان أو إيطاليا أو غيرهما من الاقتصادات المثقلة بالديون، لا يعدُّ الاقتراض الحكومي هو الخطر الرئيس في الحالة التركية، فإن ديون الشركات التي لا يمكن تحملها والتي لا يمكن تمويلها بشكلٍ متزايدٍ، هي ما يجعل تركيا أشبه بقنبلةٍ موقوتةٍ، ويجعل خيار إنقاذ صندوق النقد الدولي إحدى المشكلات التي تواجه تركيا. ذلك أن نسبة الدين على الناتج المحلي الإجمالي تبلغ 170٪، في حين أن أكثر من نصف الاقتراض مقوم بالعملات الأجنبية. وبالتالي، فإن انهيار الليرة جعل من الصعوبة بمكان على الشركات أن تسدد ديونها أو حتى الوفاء بفوائد خدمة الدين عليها، في حين ارتفعت المخاطر الافتراضية.

ووفقًا لتقديرات مؤسسة “جي بي مورجان”، فمن المقرر أن تصل الديون الخارجية حوالي 179 مليار دولار حتى تاريخ استحقاقها في يوليو 2019، أي ما يعادل ربع الناتج الاقتصادي السنوي للبلاد. وإن معظم هذا المبلغ، أي نحو 146 مليار دولار، يعدُّ مدينًا للقطاع الخاص والبنوك على وجه الخصوص.

ومع ذلك، ربَّما يبدو أن أزمة الديون الحالية على للشركات التركية، وفي ضوء التوقعات الاقتصادية، من المهم النظر في الآثار المترتبة على المدينين بها، خاصة أن البنوك الأوروبية تحتل مكان الصدارة بينها.

وفي الواقع، فإن مستوى المخاطرة في بعض الحالات يبعث المخاوف بشكلٍ مبرر، ذلك أن ما يحدث في تركيا لن يقتصر في تأثيراته على تركيا فقط. فالقطاع المصرفي في إسبانيا يُعدُّ أحد القطاعات القليلة جدًا في الجماعة الأوروبية التي كانت تعتبر حتى الآن غير ذات مشكلة؛ ولا سيَّما بالمقارنة مع البنوك الإيطالية أو اليونانية. ومع ذلك، فإن تعرض البنوك الإسبانية للديون التركية يعني أن مشاكل الديون والعملة في تركيا قد تفرض على أنقرة في هذه المرة اللجوء للاقتراض بشكل حاسم.

فبنك “بي بي في إي” BBVA، وهو ثاني أكبر البنوك الإسبانية، يسيطر على 49.9٪ من بنك “جارانتي”Garantiالتركي، الذي أعلن بالفعل عن ارتفاع في نسبة القروض المتعثرة. وقادت البنوك الإسبانية موجة الإقراض للشركات التركية خلال السنوات الماضية، مما جعلها عرضة لمخاطر التخلف عن السداد. ورغم أن البنوك الإسبانية كانت إلى حدٍّ بعيدٍ أكبر المقرضين لتركيا، فإن البنوك الفرنسية والإيطالية والألمانية لديها نسبة من الديون على تركيا. لقد أصبح هذا الأمر – بالفعل – مشكلة منذ بداية الأزمة التركية في الصيف الماضي، عندما تخلص المستثمرون من أسهم بنوك منطقة اليورو وعانت الأسعار من ضربات كبيرة. وكان من بين أشد المؤسسات تضررًا كلٌّ من بنك “بي بي في إي”BBVA، و”أن كريديت” Unicredit، و”بي إن بي باريبا” PNB Paribas.

ومع ذلك، فإن توجيه ضربة ما لسعر السهم لا يمثل شيئًا بالمقارنة مع الأضرار التي يمكن أن تلحقها أزمة العملة المستمرة وارتفاع مخاطر التخلف عن السداد بالقطاع المصرفي الأوروبي الضعيف فعلًا.

وتعيد مشاكل تركيا إلى الأذهان بعض الإشكالات الأخرى في النظام النقدي الحالي والقطاع المصرفي، وذلك فضلاً عن نقاط الضعف النظامية وعدم إمكانية تحمل تبعات الاقتصاد القائم على التخطيط المركزي والمال.

ففي المجمل، فإن قيمة الليرة، مثلها مثل أي عملة أخرى، تعتمد على الثقة التي يضعها الأشخاص في مصدرها. وبمجرد أن تفقد تلك الثقة أو حتى تهتز، لا يمكن لأي تدابير ولا قوة يطبقها المخططون المركزيون أن تستقر بها.

لقد رأينا هذه اللعبة على مدى الأشهر الأخيرة في تركيا، إذ قامت الحكومة بمجموعة متنوعة من الأساليب للسيطرة على تراجع العملة، ولكن دون جدوى. فقد أظهر ذلك بوضوح الطبيعة الواهية والمتقلبة للنظام برمَّته.

ومع انهيار العملة التركية، ارتفع الطلب على الذهب بأكثر من الضعف في البلاد، وارتفع سعر الذهب إلى أعلى مستوياته على الإطلاق، كما هو متوقع في أوقات الأزمات.

لقد تمَّ تجاهل الدعوات التي وجهها أردوغان لعامة المواطنين بغرض بيع الذهب الذي لديهم وشراء الليرة للمساعدة في الدفاع عن البلاد ضد “الهجمات الاقتصادية” من الخارج. وقد توافد المستهلكون على المعدن الثمين ردًا على تدهور العملة الورقية وارتفعت واردات الذهب إلى تركيا ثمانية أضعاف قيمتها في ديسمبر الماضي، وفي حين زاد البنك المركزي التركي نفسه بشكل كبير احتياطياته الرسمية خلال العامين الماضيين.

وبينما تنضم البلاد حاليًا إلى قائمة طويلة للدول التي تندم على التلاعب النقدي الشديد، فإنها تبعث برسالة قوية إلى هؤلاء المستثمرين الذين يتسمون بالحكمة الكافية للاستجابة لها. ومن أجل التحضير الفعال للتباطؤ الاقتصادي القادم وكل ما سيجلبه، يحتاج المرء إلى أن يحتاط ضد هذه المخاطر الكامنة التي تعدُّ جزءًا لا يتجزأ في نظامنا الحالي.

وفي حين يتوقع أن تشهد الفترة المقبلة قدرًا كبيرًا من التضخم وانخفاض قيمة العملة أو تقلب أسواق الأسهم أو ارتفاع الديون، لا يمكن لأحد أن يتأكد من حجم الضرر وما إذا كان سيتم احتواؤه قبل اتساع التهديد ليشمل النظام المصرفي كله، وبخاصة في أوروبا، إذ لا تزال التوقعات تبدو قاتمة إلى حد ما، ثم إن احتمالات الإنقاذ في الوقت المناسب لا تبدو مواتية. ونظرًا لأن البنك المركزي مرهق بالفعل، وبعد سنوات عديدة من التسهيل الكمي وأسعار الفائدة السلبية، فمن المحتمل أن يفتقر إلى الأدوات اللازمة لمواجهة الركود المقبل والحد من تأثيره.

ويمكن اعتبار تلك التجربة التركية بمثابة تحذيرٍ. ففي حين أن الحكومات والبنوك المركزية سوف ترفض ذلك، لا ينبغي للمستثمرين الأفراد اتخاذ الموقف نفسه. إذ كثيرًا ما كان فصل الإشارة عن الضوضاء أمرًا حاسمًا في تشكيل استراتيجيات قوية والتخطيط للمستقبل.

وفي هذه المرحلة، عندما يمكن – بالفعل – رؤية مؤشرات التباطؤ الاقتصادي الواسع النطاق تلوح في الأفق، فإن ضرورة وجود مركز مادي للمعادن الثمينة يعدُّ أمرًا ضروريًا لأي مستثمر مسؤول يرغب في الحفاظ على ثروته.

 

إعداد: وحدة الترجمات بمركز سمت للدراسات

المصدر: أوراسيا ريفيو

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر