سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
فريدريك كيمبي
اجتمع قادةُ الاتحادِ الأوروبي هذا الأسبوع في “بروكسل” لحضور قمةٍ مشتركةٍ مع الصين، التي وصفها الأوروبيون سابقًا بأنها “منافس نظامي”، ويأتي ذلك في الوقت الذي تقترب فيه الولايات المتحدة من الجولة النهائية للمحادثات التجارية مع الصين التي تشير إليها وثائق الأمن القومي باعتبارها “خصمًا استراتيجيًا”.
لذلك، فمن المدهش أن القادة الأعضاء في الحلف الأطلسي لا يتعاونون في قضية مشتركة فيما بينهم، ولا يهتمون بواحدة من أكثر القضايا الجيوسياسية أهمية في العصر الراهن.
ما هو العالم الذي تسعى الصين لتشكيله؟
وبأي وسيلة ستحقق “بكين” أهدافها؟
وما الذي يجب على الولايات المتحدة وأوروبا فعله للتأثير في نتيجة ذلك؟
حتى الآن، ما زال هناك بعض الشكوك في أن يمثل صعود الصين المتواصل أهم الأحداث الجيوسياسية في القرن الحادي والعشرين. ومع ذلك، فقد فشل المسؤولون الأميركيون والأوروبيون – الذين تعثروا في قضايا تتراوح بين التقاطع مع إدارة ترمب للهجرة وخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي – في التعامل مع تلك القضية المحورية.
وبينما ينكر البعض التغييرات الأساسية المترتبة على صعود الصين بالنظام العالمي للمؤسسات والمبادئ التي وضعتها الولايات المتحدة وحلفاؤها بعد الحرب العالمية الثانية، نجد آخرين يقرون بأن الضغط الهيكلي بين الصين الصاعدة والولايات المتحدة الحالية، إنما هو الخطر المحدد في عصرنا الراهن، ومع ذلك فهؤلاء لا يقدمون استراتيجية ارتباط أو احتواء جديرة بهذا التحدي القديم. وقد أنتج هذا التراخي أسوأ ما نراه في العالم حاليًا.
ونتيجة لإصرار الولايات المتحدة على المضي قدمًا في مساعيها لتقويض الصين، تضاعف تصميم الرئيس الصيني على تعزيز قبضة الحزب الشيوعي على الصعيد المحلي مع تقدم النفوذ الصيني عالميًا.
والملاحظ أن الحلفاء الأوروبيين – الذين أذهلتهم الإجراءات التجارية ضدهم والافتقار إلى استراتيجية تحفيز أميركية تجاه الصين – يقومون حاليًا بالتغطية على رهاناتهم الخاسرة.
لقد أعلن رئيس المجلس الأوروبي “دونالد تاسك” هذا الأسبوع عن بعض الخروقات بشأن بعض الخلافات التجارية الرئيسية للاتحاد الأوروبي، خاصة فيما يتعلق بنقل التكنولوجيا ودعم الدولة الصناعية. وفي كرواتيا، تعهد رئيس مجلس الدولة الصيني “لي كه تشيانغ” بعد ذلك بيومين باحترام معايير وقوانين الاتحاد الأوروبي في قمة مشتركة مع دول وسط وشرق أوروبا التي عقدت 40 صفقة ووسعت نطاقها لتشمل اليونان حتى أصبحت مجموعة 16+1 المزعومة 17+1.
وتؤكد هذه الأخبار الإيجابية نسبيًا بالنسبة لأوروبا على المهارة التي يدير بها القادة الصينيون تطلعاتهم التاريخية.
وفي هذا الإطار يقتبس “غراهام أليسون”، أحد مراقبي الشأن الصيني، عن السنغافوري “لي كوان يو” قوله بأن “حجم نزوح الصين إلى التوازن العالمي أمر يجعل العالم بصدد توازنٍ جديدٍ. في الوقت الذي يصعب فيه أن نتخيل أننا بصدد مجرد لاعب كبير جديد. إنه أكبر لاعب في تاريخ العالم”.
هنا نشير إلى أن ما تهتم به الصين هو العمل في مجالات ثلاثة، هي:
أولًا، تريد “بكين” إخراج الولايات المتحدة من منطقتها الآسيوية، أو على الأقل الحد من نفوذها، لتحقيق هيمنة إقليمية تجعل جميع الجهات الفاعلة تعتمد عليها في نهاية المطاف. ثانيًا، وعلى المستوى العالمي، تعمل على إزاحة الولايات المتحدة، إن لم تحل محلها أينما تستطيع – بما في ذلك أجزاء رئيسية من أوروبا – وأهم من ذلك من خلال “مبادرة الحزام والطريق”.
وأخيرًا، فقد أصبح واضحًا أكثر من أي وقت مضى أن “بكين” وبحلول الذكرى السنوية المئة لجمهورية الصين الشعبية في عام 2049 تتطلع إلى أن تكون القوة الاقتصادية والسياسية وربَّما العسكرية المهيمنة على عصرٍ تتعثر فيه الديمقراطيات، ولكن الأنظمة الاستبدادية تتصاعد.
وكتبت “أوريانا سكايلر ماسترو” من جامعة “جورج تاون” للشؤون الخارجية، أن “الصين تقوض شبكة التحالفات الأميركية في آسيا بلا هوادة؛ فقد شجعت بكين الفلبين على أن تنأى بنفسها عن الولايات المتحدة، ودعمت جهود كوريا الجنوبية لاتخاذ موقف أكثر ليونة تجاه جارتها الشمالية، ودعمت موقف اليابان ضد الحمائية الأميركية. كذلك تعمل أخيرًا بشكل صارخ على عسكرة بحر الصين الجنوبي. فلم تعد بكين راضية عن لعب دور الوصيف لواشنطن، لذا فإنها تتحدى مكانتها في منطقة المحيط الهادئ الهندية”. ومع ذلك، فإنها تتوسع خارج النطاق الآسيوي بشكل أسرع.
وعلى ذلك، فليس من المبالغة التأكيد على أهمية “مبادرة الحزام والطريق”، التي ربَّما يتجاوز تأثيرها تأثير “خطة مارشال” الأميركية في وقتها، التي لم يكن تمويلها يتجاوز 13 مليار دولار، كما هو الحال بالنسبة لطموحات “مبادرة الحزام والطريق”. لقد انطلقت التقديرات المتحفظة تجاه ذلك الأمر عام 2013، إذ أنفقت الصين 400 مليار دولار على مبادرتها مع وجود مئات الملايين من الدولارات الإضافية في طور الإعداد لمشاريع مشتركة مع حوالي 86 دولة ومنظمة دولية، بما في ذلك العضو الأحدث في مجموعة السبعة الكبار، إيطاليا.
ورغم أن المبادرة الصينية تعبر عن خطة تنموية في المقام الأول، فإن فوائدها السياسية والأمنية بالنسبة للصين واضحة جدًا، سواء كان ذلك من خلال أعضاء الاتحاد الأوروبي الذين يعارضون حالة حقوق الإنسان في “بكين”.
وأخيرًا، يعتقد عدد متزايد من الخبراء أن الصين في مسارها الحالي تسعى لشغل الفراغات التي تخلفها الولايات المتحدة بصفتها من يضع جدول الأعمال العالمي وصانع قواعده.
لقد قدَّم “برادلي ثاير” و”جون إم فريند”، كتابهما المشترك (كيف تنظر الصين إلى العالم؟) الذي صدر عام 2018، والذي جاء فيه أنه “بحلول عام 2040، ستبقى المؤسسات التي يقودها الغرب، لكن مبادئها الليبرالية سوف تضعف من خلال الإصلاحات التي تتطلبها بكين. ومع زيادة القوة الاقتصادية للصين وتنامي اعتماد دول العالم المتقدم والنامي على التجارة والاستثمار الصينيين، ستستخدم بكين نفوذها الاقتصادي للضغط على الدول للتقليل من قيمها الديمقراطية وسياساتها الليبرالية أو التخلي عنها”.
وحتى ذلك الوقت، سوف توفِّر لها الموارد المتاحة قوة أكبر.
وإذا وصلت الصين إلى أهدافها التنموية المعلنة بوصول الذكرى المئوية للحزب الشيوعي في عام 2021، ومن بعدها الذكرى المئوية للجمهورية الشعبية في عام 2049، فسيكون الاقتصاد الصيني أكبر بنسبة 40٪ مقارنة بالاقتصاد الأميركي بحلول التاريخ الأول، وستكون أكبر بثلاث مرات بحلول الثاني، وذلك مقومًا بالقوة الشرائية.
ومع وجود مخاطر عالية، تبقى الأسئلة الثانوية مهمة جدًا. لكن يبقى التساؤل: هل يوجد لدى “بكين” الإمكانيات اللازمة لتحقيق هذه الأهداف السامية؟ وهل تستطيع الولايات المتحدة وأوروبا تغيير هذا المسار؟
على أن الإجابة على كلا السؤالين هي: نعم، ولكن..
إن شعور الزعماء الصينيين المتحفزين يعدُّ قوة قهرية أكثر بكثير مما يبدو بشكل عام في واشنطن.
والواقع أن الأسواق المالية والعواصم السياسية الغربية تتأثر بأولئك الذين قللوا من شأن قوة النهضة الصينية.
ومع ذلك، فإن النمو الاقتصادي المتباطئ لدى الصين، وفقدان الكثير من الوظائف، ونظامها الاستبدادي يزيد من نقاط الضعف لديها.
ثم إن هناك درجة كبيرة من التذمر بين أوساط نخبة رجال الأعمال والطبقة السياسية والمستثمرين الأجانب.
إلا أن معظم دول العالم لا تزال تفضل الانتقال إلى نظام عالمي تكون الولايات المتحدة هي الجهة المهيمنة عليه أكثر من الصين.
لكن ذلك يفرض على الولايات المتحدة وأوروبا تغيير المسار الصيني من خلال ثلاثة جوانب:
فمن ناحية يتعين عليهم مواجهة التحديات المحلية التي جعلت نموذجهم الديمقراطي والاقتصادي أقل جاذبية على المستوى العالمي. وبالتالي يتعين عليهم إعادة تنشيط، وفي بعض الحالات، ينبغي إعادة اختراع النظم المتعددة الأطراف التي أنشؤوها بعد الحرب العالمية الثانية. وأخيرًا، يجب أن يجدوا طريقة للعمل المشترك بشكلٍ أكثر كثافة وفعالية مع الصين لتشكيل المستقبل، والتعاون مع الصين كلما كان ذلك ممكنًا، والتنافس عند الضرورة.
وأخيرًا، في ضوء معرفة ما تسعى الصين إليه، فإن الاستجابة المنسقة بين الولايات المتحدة وأوروبا أصبحت أمرًا أكثر إلحاحًا في الوقت الراهن.
إعداد: وحدة الترجمات بمركز سمت للدراسات
المصدر: المجلس الأطلنطي
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر