العملات الافتراضية وتمويل الإرهاب | مركز سمت للدراسات

العملات الافتراضية وتمويل الإرهاب

التاريخ والوقت : الأربعاء, 10 أبريل 2019

كريستينا كورزيدلوسكي

 

لم تعد العملات المشفرة مجرَّد مصدرٍ لتمويلِ الإرهاب، بقدر ما بات خطر هذه العملات يتنامى بشكل ملحوظ. فإذا كانت الجماعات الإرهابية تتجه بشكل متزايد نحو استخدام الأساليب الرقميةِ لتوسيعِ نفوذِها، باستخدام علاماتٍ تجاريةٍ للتواصلِ مع الشرائح المستهدفة، وهو ما لا تختلف في إطاره العملات الافتراضية؛ فسواء كان ذلك يتم بشكل اختياري أو ضروري، تظل العملات الافتراضية بمثابة قناةٍ أخرى لتمويل الجماعات الإرهابية، التي لا تزال تتمسك بها في هياكلها التنظيمية.

وتعمل العملات الافتراضية، كمصطلحٍ شاملٍ يشمل العملات المشفرة Bitcoin، إضافة إلى التقنيات الجديدة المبتكرة. وتهدف تلك العملات الافتراضية إلى تعزيز المعاملات الرقمية، وتسهيل تقديم المنتجات والخدمات المالية عبر الإنترنت. وللتبسيط، يتم إنشاء العملات الرقمية من خلال عملية “التعدين” للتحقق من كل معاملة على سلسلة مدمجة تعرف بـ”بلوكشين” blockchain. بينما يتم تسجيل المعلومات حول كل معاملة على سلسلة الـ”بلوكشين” تلك. وهناك درجة من غموض الهوية بالنسبة لمن يتعامل بها، وهو ما يسهم في زيادة جاذبيتها.

وينبغي الإشارة هنا إلى أن خدمات تحويل الأموال يتم تعريفها باعتبارها “قبول العملة أو الأموال أو أي قيمة أخرى تستبدل العملة بموقع أو شخص آخر بأي وسيلة”.

ويتم تصميم هذه العملات بطريقة تحفز المنافسة والاندماج، إذ تكون في الواقع أكثر دقة. بجانب ذلك، فإن العملات الافتراضية التي تستخدم في العمليات الإجرامية تكون موثقة بشكل جيد. ومع ذلك، فإن العلاقة بين تمويل الإرهاب والعملات الافتراضية لا تكون موثقة جيدًا؛ وهو ما يعود إلى اعتمادها على المستوى المؤسسي من قِبَل أي منظمة أو جهة إرهابية.

وبالنظر إلى الطبيعة السرية للمعاملات الإرهابية، فمن الواضح أن النقد هو الوسيلة المفضلة لدى الإرهابيين. ثم إن هذه المعاملات نفسها تتم إلى حدٍّ بعيدٍ في المناطق ذات القضايا المتعلقة بالبنية التحتية. ولا تزال معظم عمليات تمويل الإرهاب تتم عن طريق الخدمات المصرفية التقليدية وتحويل الأموال. ومع ذلك، لا يمكن التغاضي عن خطر استخدام هذه العملات الافتراضية المتزايد في أغراض تمويل الإرهاب. وفي الواقع، ونظرًا لفعالية هذه الظاهرة كمصدر للتمويل السري، ينبغي التدقيق في شأن هذه العملات عن كثب، وهو ما يعززه التداخل المحتمل فيما بين العملات الافتراضية والإرهاب الإلكتروني.

ويلاحظ أن هناك القليل من الوثائق المباشرة التي تتعلق بالعملات الافتراضية والإجرام السيبراني، والإرهاب. لكن، رغم البيانات المتفرقة، فإن المتاح ليس مجرد روايات، فقد حاول الجناح العسكري لحركة حماس، (كتائب عز الدين القسام)، استخدام التمويل الجماعي عبر عُملة الـ”بيتكوين”؛ وهو ما يُعَبِّر عنه “أرديت فيريزي”، أحد عناصر تنظيم “داعش” الإرهابي الوافدين من كوسوفو، إذ يربط بين الإرهابيين عبر الإنترنت، من خلال الجرائم الإلكترونية التي تدعم النشاط الإرهابي عمومًا.

بجانب ذلك، فهناك العديد من الطرق الأخرى التي يمكن من خلالها للعناصر الإرهابية استخدام العملات الافتراضية لتنفيذ أهدافها عبر الإنترنت. فعلى الرغم من أن عملة الـ”بيتكوين”Bitcoinتوصف بأنها مجهولة، فإنه من المفيد التعامل مع تلك العملة باعتبارها مجهولة الهوية بالنسبة للتنظيمات الإرهابية. وهو ما يعني أن المعلومات الشخصية رغم كون مسألة خاصة، فإن المعاملات الفعلية من خلال سلسلة الـ”بلوكشين” يتم تسجيلها علنًا. وفي حين أن المجموعات الإرهابية تجد الهوية الشخصية لهذه، فإن سجلها التاريخي يعني أنه سيكون بالإمكان استنتاج الأنماط من خلال سجلات المعاملات.

ومع ذلك، فهناك طرق يمكن من خلالها “تتبع” هذه المعاملات. فالـ”بيتكوين” بكافة مسمياتها تستخدم لإضفاء السرية على الأماكن التي يتم شراؤها منها، وكذلك الجهات التي تذهب إليها. حيث يتم تجميع الـ”بيتكوين” عبر مجموعة مختلفة من المستخدمين، ثم إعادة توزيعها، وهو ما يسرع من وتيرة عملياتها. ووفقًا لتقرير صادر عن البرلمان الأوروبي عام 2018، دعا تنظيم “داعش” الإرهابي لإخفاء حركة الأموال الخاصة به منذ عام 2014.

وقد شهدت السنوات الأخيرة ابتكارًا جديدًا وكبيرًا يستخدم أشكالاً بديلة ذات خصوصية أكثر من الـ”بيتكوين”، ويعرف بـP2P أي (الدفع مقابل الدفع)، وهو تطبيق يتم توزيعه، إذ يقوم بتقسيم المهام بين الأقران المختلفين الذين يستخدمونه. وتكمن جاذبية هذه الأشكال بالنسبة للجماعات الإرهابية في قدرتها على تسهيل عمليات نقل القيمة دوليًا وتجنب الوسطاء المنظمين.

وينبغي التأكيد مرة أخرى على أن العملات المشفرة فشلت حتى الآن في تقديم مدفوعات سريعة للاستخدام اليومي، وذلك بغض النظر عن وسيلة “الدفع مقابل الدفع”، P2P باعتبارها وسيلة فعالة إلى حد ما بالنسبة لعمليات النقل الدولية، التي قد تشهد المزيد من الاهتمام بين الجهات الفاعلة الإرهابية.

وبالنظر إلى طبيعة العملات الافتراضية فإن اتباع نهجٍ قائمٍ على المخاطرة في التنظيم يعدُّ أمرًا منطقيًا كنمطٍ أساسٍ. فقد أصدرت الولايات المتحدة في عام 2013 بيانًا اعتبرت فيه أن مسؤولي العملات الافتراضية والتبادلات، إنما هم ممن يقومون بإرسال الأموال نيابة عن التنظيم ويتبعونه، وهو ما يعدُّ خطوة مبكرة من جانب واشنطن، تمَّ اعتبارها بمثابة وسيلة للردع. إلا أن النهج الأميركي يتناقض مع ما قامت به سويسرا، حيث يبدو الأمر أكثر ارتياحًا فيما يخص إنشاء إطارٍ مخصصٍ لتقنية تبدو غير مريحة بالنسبة للتنظيم، وهو ما كان واضحًا عندما أطلقت البورصة السويسرية منصة عملة افتراضية بواسطة “المبادلات الست” Six Exchange من أجل تسهيل عملية التداول وتسوية الصفقات وحفظ الأصول.

وفي محاولة لتتوافق تلك العملات الافتراضية مع المصالح الوطنية، ينبغي أن تكون البنية التحتية التنظيمية على قدر من الشمولية، وأن تقدم توضيحًا حول حالة العملات الافتراضية التي تتطور بسرعة من خلال تقنيات التصميم. وبالتالي، فإن التنظيم الحالي، يستفيد بدرجة كبيرة من النهج الدقيق الذي يميز المخاطر التي تمثلها العملات الافتراضية بناء على السياق العام لها والغرض منها. وهنا يثار التساؤل: هل تتشابه عملة الـ”بيتكوين” مع الأنشطة غير القانونية من الأشكال الأخرى للعملات الافتراضية؟ وهنا يمكن القول إنه بالاقتران مع آلية التنظيم المتماسكة، سوف تتطلب القدرة على إنفاذ القانون الخاص بتطويرها. وسوف يشمل هذا التدريب المتخصص المعروف بـ”كريستال” Crystal، وهو برنامج مصمم لتتبع النشاط على “بيتكوين”، و”بيتكوين بلوكشين” Bitcoin blockchain.

وأخيرًا، نؤكد أن العملات المشفرة كمصدر لتمويل الإرهاب لم تعد محدودة بعد. لكن بافتراض أن هذا الوضع سيبقى على قدر من الثبات، فمن المحتمل أن تتعاظم مخاطره؛ ذلك أنه مع تنامي النشاط الإرهابي في قارة إفريقيا من قبل العناصر الإرهابية التي تستخدم الإسلام غطاء لها، فإن العلامة التجارية وتسويقها أصبحت فيما بعد جزءًا من استراتيجية أكبر. إذ لا يختلف ذلك عن أساليب تنظيم القاعدة في المناطق الخاضعة لسيطرتها باليمن. وإذا كانت المجموعات الإرهابية تتجه بشكل متزايد إلى استخدام الأساليب الرقمية لتوسيع نفوذها، فذلك لأنها تلجأ إلى تسويق العلامات التجارية كوسيلة للتواصل مع الشرائح السكانية في المناطق المستهدفة.

 

إعداد: وحدة الترجمات بمركز سمت للدراسات

المصدر: يورو نيوز

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر