سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
مايكل شومان
تُعدُّ فيتنام أكثر من دولة محايدة في إطار القمة الثانية بين الرئيسين الأميركي دونالد ترمب والكوري الشمالي “كيم جونغ أون”، المقرر إجراؤها أواخر الشهر الجاري. ذلك أن هذا البلد الواقع جنوب شرق آسيا، يُعدُّ نموذجًا لما يمكن أن تصبح عليه كوريا الشمالية، التي تعاني من عزلةٍ دوليةٍ، إذا ما تبنى “كيم” إصلاحات السوق الشاملة. ومن ثَمَّ، فالمقارنة باتت واجبة بعد ما بدا عليه “كيم” خلال العام الماضي، وترجع إلى أسبابٍ ربَّما لا يتصوره البعض.
إن الخيار الذي يواجه “كيم” خلال قمة “هانوي” المقبلة، هو نفس الخيارات التي اعتادها، (إما الأسلحة أو الثروة). فكثيرًا ما عرضت الولايات المتحدة على كوريا الشمالية فرصة تطوير اقتصادها المنهار مقابل التخلي عن برنامجها النووي؛ فترمب واثقٌ جدًا بأن “كيم” سيقبل في نهاية المطاف بما عبَّر عنه في تغريدته حينما قال إن “كوريا الشمالية سوف تصبح قوة اقتصادية عظيمة”.
وكأبيه وأسلافه، فقد ترك “كيم” الاتفاق على الطاولة. وبشكل واضح كان متخوفًا من أن يفقد قبضته الحديدية على البلاد إذا انفتح على العالم الخارجي. وعلاوة على ذلك، لم يكن واضحًا بدقة أن نموذج “النمو القائم على التصدير” الذي اتبعته فيتنام وبعض القوى الآسيوية، يمكن أن يتحقق في حالة كوريا الشمالية، في ضوء الاستفادة من التجارب الراهنة.
فالخبرة الفيتنامية، وبشكل يتجاوز النموذج الصيني الإصلاحي والانفتاحي، يمكن أن تؤكد تلك المخاوف. وكما هو الحال بالنسبة للصين ومن تبعها من “نمور اقتصادية” مثل سنغافورة وماليزيا وتايوان وكوريا الجنوبية، فقد حققت فيتنام سجلاً رائعًا للنمو منذ انطلاق إصلاحات “دوي موي” في الثمانينيات، حيث ارتفع الدخل السنوي للفرد من 95 دولارًا عام 1990 إلى 2342 دولارًا عام 2017. ومثل الصين وسنغافورة، تمكنت فيتنام من تحقيق ذلك مع الحفاظ على نموذج “الحزب الواحد” الذي يسيطر على النظام السياسي وتجنب الاضطرابات السياسية والاجتماعية.
وبشكل مختلف، يمكن لفيتنام أن توضح لـ”كيم” كيف أن الانفتاح يمكن أن ينطوي على قوة نظام حكمه. وفي اللحظة التي نأت كوريا الشمالية بنفسها عن العالم، نجد أنها اعتمدت بشدة على جارتها العملاقة الصين. وقد تمكنت فيتنام من ترجمة الإصلاحات إلى استقلال استراتيجي بالموازنة بين علاقاتها الجيدة مع الولايات المتحدة والتأثير الاقتصادي الصيني الذي لا يمكنها تجنبه؛ فصادراتها للولايات المتحدة أكثر من الصين، بينما تظل اليابان وكوريا الجنوبية وألمانيا تتمتع بنفس الأهمية، وهو ما سمح لفيتنام بمواجهة الصين، على سبيل المثال، في عدوانها على بحر الصين الجنوبي.
لقد أثبتت فيتنام أن “النموذج التنموي الآسيوي التقليدي” لا يزال يعمل بكفاءة؛ فقد تمكنت من تعظيم دورِها في الاقتصاد العالمي بشكل كبير في ظل تراجع العولمة. فقد تضاعفت الصادرات بنسبة 100% خلال 2017 مقارنة بـ70% قبل ذلك بعشر سنوات. والسر في ذلك يكمن في السياسات القائمة على التجارة التي دفعت فيتنام إلى الدخول في اتفاقيات تجارة حرة، تتضمن الشراكة المتجددة عبر المحيط الهادئ. ونتيجة لعددٍ من العوامل الأخرى، مثل: البيئة الاقتصادية المتطورة والتكاليف المنخفضة، فقد أضحت فيتنام بديلاً للصين فيما يخص الصناعات كثيفة العمالة، مثل: صناعة السفن والهواتف الخلوية. وقد تمكنت كوريا الشمالية من تحقيق الشيء ذاته فعلاً، بل إنها من الممكن أن تتجاوز فيتنام في جذب مثل تلك المصانع، حيث تشترك مع الدول المجاورة لها كاليابان والصين وكوريا الجنوبية في نفس المصالح التي ترتبط بتأمين مساعي “كيم” الإصلاحية.
وعلى أية حال، فقد حددت فيتنام الدرس الصحيح لسجل آسيا في عملية التحديث، ذلك أنه بالنسبة لأي اقتصاد فقير، لا يهم تاريخه أو خلفيته الثقافية، حيث يمكنه أن يتجاوز الفقر، ويتحول نحو التصنيع مع مزيج من السياسات المناسبة.
وبالعودة إلى النمور الاقتصادية المتجانسة، نجد أنها تختلف في كثير من الأمور؛ ففيتنام كانت دولة شيوعية، وسنغافورة كانت نقطةً تجاريةً صغيرةً، وكوريا الجنوبية امتداد لملكية سابقة، أمًّا إندونيسيا فهي مزيج من جزر استوائية متفاوتة، لكن جميعها تمكنت من تحقيق معدلاتٍ رائدةٍ في معدل النمو خلال مراحل عديدة باستغلال المزايا النسبية في النظام التجاري العالمي، ودعم الشركات الخاصة.
لكن هذا لا يعني أنها تمثل نسخة واحدة لاستراتيجية معينة للتنمية؛ فقد تبنى كل واحدة منها المبادئ الأساسية التي تتناسب مع ظروفها الخاصة، فقد كان على فيتنام أن تتحول من “الاقتصاد المخطط” إلى “اقتصاديات السوق”، وكوريا الجنوبية اعتمدت على نموذج “الدولة الموجهة”، أمَّا النظام الحاكم لـ”هونغ كونغ” فقد قام بالقليل حتى يخرج عن ذلك المسار.
وعلى ذلك، فعلى كوريا الشمالية أن تبحث عن الطريق الخاص بها، وفي ضوء ظروفها التاريخية. فعلى سبيل المثال، كانت كوريا الشمالية أكثر انعزالاً مقارنة بفيتنام قبل مرحلة الإصلاحات التي تبنَّاها “دوي موي” التي جعلت انخراطه بالاقتصاد العالمي أكثر صعوبةً. ثم إن “كيم” كان عليه أن يتجاوز واقع علاقة بلده بالشركات الأجنبية، وبخاصة بعد تجميد أصول أولئك الذين كانوا يعملون في منظومة مجموعة “كايسونج الصناعية” في 2016.
لكن التحدي الأهم يكمن في العقوبات المفروضة عليه، إذ بدون رفعها يُعدُّ أي أمل في اتباع التجربة الفيتنامية ضربًا من الخيال. لذا، فإن “كيم” يبدو في حاجة لأن يأخذ في اعتباره أن التنمية أكثر أهميةً من الاحتفاظ بالردع النووي. وفي هذا يأمل البروفيسور “جون ديلوري”، أن يرى “كيم” مثل “دينغ زيو بينغ” الرجل القوي الذي تمكَّن من تحقيقِ معجزةٍ اقتصاديةٍ، بينما يقدم آخرون أدلةً على أن “كيم” قد حقق – بالفعل – تحولاً ملموسًا نحو اقتصاد أكثر اعتمادًا على نموذج “السوق الحر” (وإن بدا ذلك بشكل غير رسمي)، لكن لا يزال أمام “كيم” أن “يفضل الزُبد على البنادق”، ومن ثَمَّ، سنرى أكانت فيتنام قد غيَّرت من تفكيره، أم لا؟
إعداد: وحدة الترجمات بمركز سمت للدراسات
المصدر/ أخبار الخليج Gulf News
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر