هل أردوغان ديكتاتور؟ | مركز سمت للدراسات

تركيا الأردوغانية: البديل السلطوي للشعوبية

التاريخ والوقت : الثلاثاء, 19 فبراير 2019

برونو ماسيتيلي

 

تزايدت ظاهرة “الشعبوية” في الأنظمة الديمقراطية حول العالم خلال السنوات الأخيرة. لكن في تركيا كان الرئيس أردوغان يعمل على تجريف المؤسسات الديمقراطية في البلاد بالاستيلاء على السلطة الاستبدادية في ظل تنامي قوته.

وفي حين شهد عاما 2017 و2018 العديد من الاستحقاقات الانتخابية في كافة أنحاء العالم، وخاصة في أوروبا حيث سيطرت المشاعر الشعبوية، شهدت تركيا ميلاً نحو تعزيز السلطة من قِبَل حزب ذات صبغة إسلامية تحت قيادة الرئيس رجب طيب أردوغان. ففي انتخابات يونيو 2018، فاز أردوغان بفترة رئاسية ثانية وحصل على صلاحيات جديدة في ظل نظام جديد كان قد تمت الموافقة عليه عن طريق الاستفتاء. وقد دعمت نتائج الاستفتاء الذي أجري في أبريل 2017، التحول إلى نظام حكم رئاسي، مما زاد من سلطات أردوغان بشكل كبير، ويعتقد كثيرون أن هذه الخطوة، التي اعتُبِرَت – إلى حد بعيد – عملية لانتزاع السلطة أسهمت بدورها في الحكم الاستبدادي.

لقد تقلَّد أردوغان السلطة في البداية رئيسًا للوزراء عام 2003، وذلك على خلفية الفوز الساحق لحزب العدالة والتنمية الذي كان عضوًا مؤسسًا فيه، وأبرز نفسه في صورة إسلامي. وجاء ذلك الانتصار كردٍ على أزمة اقتصادية كبرى بعد سنوات عديدة من النمو الاقتصادي، وقد تحققت خلال فترتي الحكم الأوليان آفاقٌ متفائلةٌ للنمو الاقتصادي، بالإضافة إلى دخولها في مفاوضات مع الاتحاد الأوروبي للانضمام إليه.

وبحلول عام 2010، تمَّ الإعلان عن تركيا كبلد “نموذجي” لتعايش الديمقراطية والإسلام. وبناءً على ذلك، فقد شجعه نجاحه السياسي وشعبيته في العالم العربي إلى طموحات لقيادةِ العالمِ الإسلاميِ. وفي هذا السياق تبنى أردوغان عددًا من الاستراتيجيات الكبرى التي شملت إقامة خطوط طيران ورحلات للسفر، بالإضافة إلى إقامة شراكات اقتصادية خالية من التأشيرة مع البلدان الإسلامية، مثل: سوريا ولبنان. وقد تزامنت فترة هيمنة أردوغان مع التطورات المصاحبة لما عرف بـ”الربيع العربي” في عام 2011. ومع اندلاع الحرب الأهلية السورية، توترت الأوضاع على طول الحدود التركية السورية المشتركة، وهو ما صاحبه تدفقٌ لعدد كبير من اللاجئين إلى تركيا، ما أثار حساسية تركية تجاه المسألة الكردية، وبدلاً من أن تتبنى دور “المتابع في صمت”، انتهزت الفرصة لاستهداف الأكراد في شمالي سوريا.

وكزعيم لحزب العدالة والتنمية، قضى أردوغان 11 سنة في رئاسة وزراء تركيا قبل أن يصبح أول رئيس منتخب بشكل مباشرة للبلاد في أغسطس 2014. وكان منصب الرئيس شرفيًا فيما سبق، لكن لم يكد يمضِ وقتٌ طويلٌ إلا وتمكن أردوغان من تحويله إلى موقع قوة. وفي عام 2016، تعرَّض أردوغان لمحاولة انقلاب فاشلة، لكنه نجا منها، وسرعان ما أعقب ذلك اتباع سياسة خارجية غير منتظمة يغلب عليها الطابع السلطوي بشكل متنامٍ. وفي حين بات القلق يساور المفوضية الأوروبية إزاء تداعيات الانقلاب فيما يرتبط بسجل حكومة أردوغان في مجال حقوق الإنسان، لاحظت (المفوضية) أنه منذ فرض حالة الطوارئ، تمَّ احتجاز أكثر من 150 ألف شخص، واعتقال 78 ألف شخص، بالإضافة إلى فصل أكثر من 110 آلاف موظف من الخدمة المدنية. وفي الواقع كانت الحملات العدائية واسعة النطاق، فقد شملت أكثر من 120 صحفيًا مع توقيف أي شخص يشتبه في علاقته بحركة “الخدمة” بقيادة “فتح الله غولن” الذي يزعم أردوغان أنه قائد محاولة الانقلاب ضده. لكن “غولن” يقيم في المنفى بالولايات المتحدة، التي ترفض تسليمه إلى أنقرة، ومن ثَمَّ أصبح مصدر توتر بين أنقرة وواشنطن من وقت لآخر. وعلاوة على ذلك، يبدو أن نتائج الاستفتاء لم تدعم سلطات أردوغان فحسب، بل سمحت للقوميين بتحقيق تقدم ملحوظ.

وقد أبدت بروكسيل انتقادات حادة تجاه رد أنقرة على محاولة الانقلاب، وقد انعكست تلك الانتقادات على المساعي التركية للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي. وكما ذكر التقرير السنوي للمفوضية الأوروبية لعام 2018 حول التقدم الذي أحرزته تركيا بشأن الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، أن حملة أنقرة “الواسعة” و”الجماعية” و”غير المتناسبة” بعد محاولة الانقلاب الفاشلة، لا تزال تثير “مخاوف جدية”.

ودخلت تركيا في محادثات الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي في عام 2005، بعد 18 عامًا من تقديم أول الطلب لذلك. في حين أن هناك سلسلةً من العوامل قد أدت إلى تباطؤ المفاوضات من قبل، لا سيَّما قضية قبرص والمقاومة التي تبديها ألمانيا وفرنسا تجاه عضوية تركيا منذ 2016 حيث وصلت محادثات العضوية إلى لحظة الانهيار. ويشير تقرير المفوضية الأوروبية إلى نقطة التدهور الجديدة في العلاقات بين الاتحاد الأوروبي وتركيا، وبخاصة بعد عدم تنفيذ تركيا وعودها بالإصلاحات السياسية والاقتصادية قبل عقد من الزمان. وعلاوة على ذلك، تبدو الآمال المتعلقة بالاتفاق الحر بين الاتحاد الأوروبي وتركيا والسفر بدون تأشيرة للأتراك إلى الاتحاد الأوروبي أبعد مما سبق.

وكما يقول المفوّض الأوروبي “يوهانس هان”، الذي يشرف على طلبات الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، . فإن تركيا لا تزال تبتعد بخطوات واسعة عن الاتحاد الأوروبي، لا سيَّما في مجالات سيادة القانون والحقوق الأساسية. وتعلن تركيا أنها لم تيأس ولم تفقد رغبتها في الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي؛ ففي عام 2018 قال المتحدث باسم الحكومة التركية، “بكير بوزداغ”، إن تركيا ليست الدولة التي تبتعد عن الاتحاد الأوروبي، لكن الاتحاد الأوروبي متحيز وغير عادل.

وفي سوريا، التي يرغب أردوغان في تعزيز نفوذه بها، لا تزال هناك سلسلة من التوترات الأخرى مع الغرب بمنطقة الشرق الأوسط. وفي الآونة الأخيرة، أدانت تركيا قرار الولايات المتحدة بنقل سفارتها في إسرائيل من تل أبيب إلى القدس. ولعب أردوغان بورقة “الشعبوية” المؤيدة للقضية الفلسطينية، سواء في “منظمة التعاون الإسلامي”، ثم بأروقة الأمم المتحدة. وكذلك أبدى أردوغان مخاوفه تجاه هولندا وألمانيا خلال انتخابات عام 2018 في تركيا، حيث استفاد من جماعات أتراك المهجر بطريقة ديناميكية وقومية للمساعدة في تأمين انتصاره بالداخل التركي. وفي الوقت نفسه، لا يزال التدخل التركي في سوريا منصبًّا – بشكل كبير – على مواجهة الأكراد واحتوائهم. وفي كثير من النواحي، فإن فوز أردوغان بالانتخابات، والرد على محاولة الانقلاب، والاستيلاء على السلطة في الاستفتاء، يقدم مؤشرًا واضحًا على أن حكمه في تركيا سيكون أكثر حزمًا وأكثر استبدادًا وسيسعى لتوسيع مناطق نفوذه بطريقة أكثر حسمًا.

 

إعداد: وحدة الترجمات بمركز سمت للدراسات

المصدر/ مجلة الشؤون العالمية

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر