نزع السلاح في مناطق الصراع | مركز سمت للدراسات

نيودلهي ومساعي نزع السلاح في منطقة المحيط الهندي – الهادئ

التاريخ والوقت : الجمعة, 22 فبراير 2019

مانوج كومار ميشرا

 

تكتسب مجموعة الدول المتاخمة لمنطقة “المحيط الهندي – الهادئ”، التي تقع بين منطقة الساحل الجنوبي الشرقي لآسيا وجنوب آسيا والمنطقة الساحلية الإفريقية، وضمنها الدول الصغيرة، مثل “مورشيوس” و”سيشيل”، أهمية استراتيجية ليس فقط بين الدول النامية في آسيا، مثل: الهند والصين واليابان، بل تبرز أهمية تلك المنطقة بوضوح على الخريطة الأمنية والاعتبارات الاستراتيجية بين الولايات المتحدة والدول الأوروبية، وبخاصة فرنسا وأستراليا. وتبدو أهمية هذه الدول بشكل أكبر من الناحية الاقتصادية والعسكرية؛ ففي الوقت الذي كانت الهند تضمن تفوقًا استراتيجيًا بحكم قربها الجغرافي والترابط التاريخي والثقافي، إلا أنها أضحت تواجه تحديات جدية نتيجة لموقفها المتميز من النفوذ الصيني المتصاعد والقوي في المنطقة.

علاوة على ذلك، وعلى النقيض من الروابط الاقتصادية الهندية في قارة إفريقيا، التي يقودها القطاع الخاص، والمتجذرة في عمق العلاقات التجارية والثقافية، فقد ارتكزت مشاركة الصين إلى حدٍّ بعيدٍ على الموارد والبنية الأساسية، وركزت – أيضًا – على دعم الإقراض للحكومات الإفريقية.

أضف إلى ذلك الاختراق الاقتصادي الصيني لمنطقة “المحيط الهندي – الهادئ” من خلال مبادرة “الحزام والطريق” (BRI) ودعم البنية التحتية (التي يمكن استخدامها لأغراض مدنية وعسكرية على حد سواء)، إذ قامت بافتتاح أول قاعدة بحرية لها في الخارج بدولة جيبوتي في منتصف عام 2017 على الساحل الإفريقي، وذلك بهدف امتلاك ميناء “هامبونتوتا” في سريلانكا، ومرافق ميناء “التنمية” في إقليم “جوادر”، وقد طالبت نيودلهي باحتواء استراتيجية “سلسلة اللؤلؤ” التي تتبناها بكين فيما يعرف بـ(استراتيجية الاحتواء). وفي جزر المالديف، أولت التقارير الإخبارية اهتمامًا كبيرًا بالتكهنات حول ديناميات التنافس الهندي – الصيني بعد هزيمة حكومة “عبدالله يمين” على يد زعيم المعارضة “إبراهيم محمد صليح” في الانتخابات التي أُجرِيَت في شهر سبتمبر الماضي.

لقد قام الرئيس الصيني “شي جين بينغ”، ورئيس الوزراء الهندي “نارندرا مودي”، بعدد كبير من الزيارات إلى البلدان الساحلية خلال السنوات الأخيرة. وفي هذا السياق، اعتبر إطلاق نيودلهي لمبادرة “ممر النمو الآسيوي والإفريقي” (بالشراكة مع اليابان) عام 2017 كبديل لمبادرة “الحزام والطريق” الصينية؛ إذ أسفرت زيارة رئيس الوزراء “مودي” لجزر سيشيل عام 2015 عن توقيع اتفاق مدته 20 عامًا يتضمن بناء مهبط للطائرات ورصيف للمراكب البحرية في جزيرة “أسامبشن”. وقد وافقت نيودلهي على استثمار 550 مليون دولار في بناء القاعدة لتأمين السفن الهندية وغيرها في جنوب المحيط الهندي. ومع ذلك، فقد أبلغ رئيس سيشيل “داني فوري” برلمان بلاده، في وقت لاحق، أنه لن يناقش مشروع جزيرة “أسامبشن” مع الهند، وهو ما اعتُبِرَ هزيمة لبكين في إطار تنافسها الاستراتيجي مع الهند في المنطقة.

وفي محاولة لتعزيز وجودها على شواطئ جنوب شرق آسيا، وقَّعت الهند اتفاقية مع سنغافورة لتوسيع إمكانية وصولها إلى قاعدة “تشانجي” البحرية في نوفمبر 2017، وبذلت جهودًا كبيرة من أجل تعزيز نفوذها على السواحل الإفريقية من خلال المساهمة في تطوير ميناء “أجاليجا” Agalégaفي موريشيوس، وكذلك المرافق اللوجستية المزدوجة الاستخدام. وسعت نيودلهي – أيضًا – إلى تعزيز دورها على شواطئها الإقليمية مع التركيز على تطوير 10 مشاريع ذات أولوية، بما في ذلك مركز النقل في خليج كامبل بجزر “أندامان” و”نيكوبار”.

إمكانيات تعزيز المواجهات العسكرية

بينما كانت الدول الصغيرة في المنطقة تتطلع إلى الحفاظ على الحياد والاستقلال وسط المنافسة الاستراتيجية بين القوى الكبرى من ناحية، إذ سهَّلت المنافسة الاستراتيجية بين الهند والصين في المنطقة تدخلًا أكبر من جانب القوى الخارجية في المحيط الهندي، ما أدى إلى تشكيل تحالفات قوة متعددة الإمكانيات بهدف تعزيز إمكانية المواجهات العسكرية من ناحية أخرى. وعلى سبيل المثال، فقد شهدت كلٌّ من الهند وفرنسا توقيع اتفاقية “الدعم اللوجستي المتبادل” كجزء من دعم إمكانية وصول سفنهما الحربية إلى القواعد البحرية التابعة لهما في المحيط الهندي. وفي إطار توجهات السياسة الخارجية للولايات المتحدة الأميركية والرغبة المتبادلة لواشنطن في احتواء تراجع النفوذ الصيني بالمنطقة، فقد وقعت نيودلهي والولايات المتحدة مذكرة تفاهم حول تبادل الخدمات اللوجستية في عام 2016، بالإضافة إلى اتفاق خاص بالاتصالات والتوافق حول قضايا الأمن في 2018 بهدف تسهيل الوصول إلى مرافقهما العسكرية والتزود بالوقود واللوازم، بالإضافة إلى نقل التكنولوجيا الحساسة.

رغم ذلك، فإن هذه المجموعة التي تشمل كلاًّ من الولايات المتحدة وأستراليا والهند، تجتمع على نحوٍ منتظم  خلال الشهور الأخيرة لمناقشة إمكانية تنشيط دورها في الحفاظ على إمكانات الجيش الهندي والقواعد المرتبطة به. وفي هذا السياق، فقد تمَّ تأمين الوجود العسكري القوي لواشنطن في المحيط الهادئ بقواعد عسكرية تمتد من “غوام” في ميكرونيزيا” حتى “أوكيناوا”، وهي المنطقة التي تشتمل على سلسلة من الجزر في بحر الصين الشرقي الواقعة بالقرب من اليابان، حيث تحتفظ نيودلهي بنفوذها في هذه المنطقة. وعلى الجانب الآخر، فقد ظلت منطقة “ريونيون”، الواقعة جنوب غربي موريشيوس، مركزًا للعمليات العسكرية البحرية الفرنسية في المحيط الهندي. وسعت الهند إلى إبرام اتفاقيات مع أستراليا وفرنسا والولايات المتحدة بغرض الوصول إلى قواعد، مثل: جزر “كوكوس” بأستراليا، و”ريونيون” الفرنسية.

وهنا نشير إلى أن قرار الولايات المتحدة بالانسحاب من معاهدة الأسلحة النووية متوسطة المدى لعام 1987، التي تهدف إلى القضاء على الصواريخ التقليدية والنووية، التي تتأرجح مداها بين 500 و5500 كم من الترسانة النووية الأميركية والسوفييتية (سابقًا)، والروسية حاليًا، سيدفع “بكين” إلى اتخاذ خطوات إضافية لتعزيز قدراتها على الردع في المنطقة، ذلك أن الولايات المتحدة والقوى الكبرى الأخرى بالمنطقة تمتلك إمكانيات أخرى للتغلب عليها. ومن ثَمَّ، فإن لم يتم التوصل إلى معاهدة جديدة لاحتواء الطموحات النووية لهذه القوى، فسترتفع احتمالات المواجهة العسكرية بدرجة كبيرة؛ ذلك أن جهود نزع السلاح من منطقة المحيط الهندي والهادئ، وتشجيع “السلام”، يُعدّان أمرًا ضروريًا.

 

إعداد: وحدة الترجمات بمركز سمت للدراسات

المصدر: أوراسيا ريفيو

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر