سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
ساجرنيل سينها
سيُذكر عام 2019 بكونه عامًا تاريخيًا بالنسبة للسياسة الهندية. فقد شهد هذا العام بدايةً، انتخابات مجلس النواب بالبرلمان التي فاز فيها حزب المؤتمر الوطني، وحزب “بهاراتيا جاناتا”، الذي عاد للسلطة بأغلبية مطلقة تحت القيادة الكاريزمية لرئيس الوزراء “ناريندرا مودي”.
لقد كانت مدة الولاية الكاملة لأول مرة في تاريخ الهند لهذا السياسي المستقل. ليس هذا فقط، فقد أصبح “مودي” ثالث رئيس وزراء يعود إلى السلطة بالأغلبية، بعد “جواهر لال نهرو” و”إنديرا غاندي”. وقد أكدت هذه الانتخابات أن تفويض حزب “بهاراتيا جاناتا” لعام 2014 لم يكن حدثًا مشؤومًا، كما جاء في رسالة صارمة إلى الأحزاب المستندة على طبقات اجتماعية، مثل: راشتريا جاناتا دال (RJD)، وحزب ساماجوادي (SP)، وحزب بهوجان ساماج (BSP). وفي عام 2019، وافق الناخبون الهنود بشكل سلس على الانتقال إلى “الهند الجديدة”، حيث حلَّ حزب “بهاراتيا جاناتا” محل الكونغرس، الذي كان طوال سنوات هو الحزب المسيطر، كقطب رئيس في العملية السياسية بالبلاد. وبالفعل، وخلال الحملة الانتخابية، بدأت الصورة تزداد وضوحًا، حيث بدأت العديد من الأحزاب الإقليمية في التركيز على بناء تحالفات ضد حزب “بهاراتيا جاناتا”. وكانوا في وقتٍ سابقٍ، اعتادوا التركيز على بناء مجموعات معادية للمؤتمر تشمل أيضًا حزب “بهاراتيا جاناتا”. ومع ذلك، فإن بعض الأحزاب الإقليمية، رغم تركيزها على هزيمة حزب “بهاراتيا جاناتا”، فإنها ابتعدت عن حزب المؤتمر “لأوتار براديش” وتحالف “ماماتا بانيرجي” في إقليم ترينامول، أو الحزب الشيوعي الماركسي الهندي (CPI) الذي يتركز في ولايات البنغال الغربية، أو حزب “آدم آدمي” (AAP) في دلهي.
ومع ذلك، فبعد العودة التاريخية لحزب “بهاراتيا جاناتا” إلى السلطة، أصبحت صورة الهيمنة أكثر وضوحًا. ذلك أن النجاح في تمرير مشروع القانون بالبرلمان، ولا سيَّما في مجلس الشيوخ، حيث كان حزب “بهاراتيا جاناتا” يمثل أقلية، والذي تعامل مع إلغاء الوضع الخاص “لجامو وكشمير” من خلال تعديل المادة 370 من الدستور الهندي، من خلال تعزيز تفوق حزب “بهاراتيا جاناتا” فقط. حتى إن العديد من الزعماء في حزب المؤتمر أيد بشكل صريح تحرك حكومة “مودي”، بينما عارضه كبار قادة الأحزاب مثل “غلام نبي آزاد”، زعيم المعارضة الرئيسي في البرلمان الهندي، وهو ما يعدُّ دليلاً واضحًا على قدرة حزب “بهاراتيا جاناتا” على السيطرة على روايات الحزب. وهو ما تسبب في هزة بين أحزاب المعارضة، مع حزب المؤتمر، الذي كان يعارض بين الحين والآخر أجندة حزب “بهاراتيا جاناتا” والمعروفة بـ “هندوتفا”، بل إنه انضم إلى حكومة “شيف سينا” وتولى قيادة ولاية “ماهاراشترا”. وتجدر الإشارة إلى أن “شيف سينا” كان لسنوات سابقة يتبع الموقف الخاص بأجندة “هندوتفا”.
وقد كانت ولايتا “أوتار براديش” و”ماهاراشترا” تعدان بمثابة “قمة الجبل الجليد”، حيث يمكن للمرء أن يتوقع المزيد من هذه التحالفات في عام 2020. فلا ننسى أنه خلال أيام سيطرة حزب المؤتمر، اعتدنا أن نرى تحالفات مناهضة للمؤتمر بين حزب “يانا سانغ”، وحزب “بهاراتيا جاناتا”، والشيوعيين، والاشتراكيين. ويُذكر أن الحكومة المناهضة للمؤتمر تقف حاليًا في الجانب الذي كثيرًا ما ناهضته فيما سبق، حيث باتت مدعومة من قِبَل حزب “بهاراتيا جاناتا” والجبهة اليسارية.
كما كان العام الماضي أيضًا تنبيهًا ولفت نظر لحزب “بهاراتيا جاناتا”، الذي فقد السلطة في “ماهاراشترا” و”جهارخاند”، رغم أنه في ولاية “ماهاراشترا” قد حقق فوزًا في الاستطلاعات مع شريكه “شيف سينا”، الذي هجر الحزب فيما بعد. لكن في “جهارخاند” نجد أنه خسر المعركة الانتخابية ضد التحالف بقيادة “جهارخاند موكتي مورشا”. ويبدو واضحًا أن ذلك كان خطأ بالنسبة لـ”شيف سينا”، رغم حصوله على نصف عدد مقاعد حزب “بهاراتيا جاناتا”، حيث طلب منصب رئيس وزراء ولاية “ماهاراشترا” بعد إعلان النتائج، لكن حزب “بهاراتيا جاناتا” كان يمكن أن يتبع حليفه القديم “شيف سينا” إذا كان يريد حقًا القيام بذلك. فقد كانت رسالة حزب “بهاراتيا جاناتا”، وخاصة “ناريندرا مودي” ووزير الداخلية “أميت شاه”، ورئيس الحزب، منذ عام 2019 واضحة جدًا ومفاده أنه “يجب أن يكون الحزب متكيفًا مع حلفائه ويجب أن يبحث أيضًا عن حلفاء جدد”. فقد قد كانت غطرسة حزب “بهاراتيا جاناتا” خلال خوض الانتخابات في “جهارخاند” دون أن يكلف الحلفاء الحزب. وبالتالي فمن المتعين على الحزب الحاكم أن يوقف طموحاته بالسيطرة على جميع ولايات الهند.
وبصرف النظر عن حزب “بهاراتيا جاناتا”، فقد كانت في 2019 رسالة للمفكرين من اليمين أيضًا الذين يحاولون من حين لآخر الدفاع عن كل تصرفات حكومة “مودي”. فعلى سبيل المثال، يمكن الإشارة إلى زيارة الوفود الأجنبية إلى كشمير. كانت زيارة أعضاء البرلمان الأوروبي قد صاحبها حدوث مشكلة، حيث احتجز قادة محليون، بمن فيهم ثلاثة رؤساء وزراء سابقين، ولم يُسمح لزعماء المعارضة في البلاد بزيارة وادي كشمير، وقد كانت مثل هذه الزيارات الأجنبية لا تخدم أي مصلحة للبلاد. كما لم تكن إزالة الوضع الخاص لكشمير بالأمر الخاطئ، لكن معالجة الحكومة المركزية للمواقف التي تلت ذلك لم تكن على النحو الصحيح. فعندما يدعم هؤلاء المثقفون اليمينيون مثل هذه التصرفات الخاطئة، فإنهم يقدمون فقط المبررات لمزاعم المعارضة، بأن حكومة “مودي” ليست جادة في كسب ثقة الكشميريين المحليين. ووسط كل هذا، يجب أن يجد المؤتمر العزاء لكونه جزءًا من حكومات الولايات كما في “ماهاراشترا” و”جهارخاند”. لكن الحزب يبدو مخطئًا. فقد حصل حزب “بهاراتيا جاناتا” على أعلى نسبة تصويت في تلك الولايات وفي “تشهاتيسجارة” أيضًا، حيث خسر سابقًا بشكل كبير في عام 2018، رغم أن أداءه كان جيدًا في استطلاعات الرأي البلدية من خلال تضييق الفجوة مع حزب المؤتمر الحاكم.
لقد تغير المزاج العام في البلاد، وهو ما أكدته أحداث 2019. وفي انتخابات الولاية، يفضل الناخبون الأحزاب الإقليمية أو الزعماء الإقليميين الأقوياء، بينما في الانتخابات الوطنية، يفضلون الأحزاب الوطنية أو الزعماء الوطنيين الأقوياء، كما هو الحال في السيناريو الحالي، الذي يتجلى في حالة “ناريندرا مودي”. والحقيقة أنه مهما يكن النجاح الذي حققه حزب المؤتمر بعد الانتخابات العامة في 2019، فقد كان ذلك يرجع إلى الزعماء الإقليميين المحليين أو تحالفاته، وليس بسبب القادة الوطنيين مثل “راهول غاندي”، أو “بريانكا غاندي”، أو “سونيا غاندي”، رئيسة الحزب المؤقتة الحالية. أهم من ذلك كله أن حزب المعارضة الرئيسي لم يقم حتى الآن بتفسير العوامل الفعلية الكامنة وراء الانتكاسة الكارثية في انتخابات البرلمان عام 2019. بل إن أقل ما يقال إنه كان أفضل عن اليسار واليسار الليبرالي والنخبة المثقفة. فإذا لم تكن انتخابات البرلمان عام 2019 كافية، فإن أكبر ضربة للمعارضة إنما جاءت من حكم “أيوديا” التاريخي للمحكمة العليا، وهو ما مهد الطريق لبناء معبد “اللورد رام”، وهو ما تمنته الجماعة الهندوسية. فقد حاول هذا الحكم أيضًا استعادة تعريف العلمانية الهندية، وهو ما لا يتعلق فقط بتأمين حقوق الأقليات، ولكن أيضًا بمجتمع الأغلبية الهندوسية.
أمَّا اليساريون، فبدلاً من تنظيم أنفسهم، نجدهم يهاجمون الهندوس وينفرون الناس منهم ما يساعد على الاندماج أكثر نحو حزب “بهاراتيا جاناتا”، وذلك من خلال معارضة صارمة لتعديل قانون المواطنة وتأييد الاحتجاجات العنيفة، التي يتم تنظيمها في العديد من الحالات من قِبَل منظمة إسلامية راديكالية تدعى الجبهة الشعبية للهند (PFI).
وفي الواقع، شهد عام 2019 العديد من الرسائل المهمة بالنسبة للجميع، سواء كانوا تابعين لليسار أو اليمين أو الوسط. فقد أثير هذا العام النقاش بشكل ملحوظ من خلال محاولة تحديد المعنى الدقيق لمفهوم “العلمانية” في الهند وإعادة تشكيل مصفوفة السياسة الهندية، حيث يتحد الهندوس الآن سياسيًا لتأكيد قوتهم. ويدل ذلك على ضعف تأثير سياسة “ماندال” التي بدأت في التسعينيات، وهو ما أدى إلى ظهور أحزاب يقودها زعماء من الطبقات البسيطة، مثل: “لالو براساد ياداف” في بيهار، و”ملايام سينغ ياداف” في ولاية أوتار براديش وغيرهما، على الأقل على المستوى الوطني. وبالتالي، يتوقع رؤية المزيد من التأثير لما حدث عام 2019 على العام الجديد 2020.
إعداد: وحدة الترجمات بمركز سمت للدراسات
المصدر: آسيا تايمز
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر