سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
إذن لنلتمس بعض الأعذار للولايات المتحدة، لكن في مكان آخر اللغز أعمق بكثير. فعلى الرغم من تسجيل اليابان ركوداً فنياً، وعدم تحقيق الاقتصاد الأوروبي نمواً على الإطلاق خلال العامين الماضيين، شقّ مؤشرا «نيكاي 225» الياباني و«ستوكس 600» الأوروبي طريقهما أيضاً إلى أعلى المستويات المسجلة في تاريخ البورصة لكلتا المنطقتين. وكلما اقتحمت الأسهم مناطق جديدة، بدأت المقارنات مع القمم السابقة، وانتشرت التساؤلات وأحاديث الفقاعات حول مدى استمرارية الارتفاع وما إلى ذلك.
ويصبح هذا القلق أكثر حدة إذا لم تنعكس الأوقات الجيدة في «وول ستريت» على الشارع الرئيسي. فصحيح أن معدلات البطالة في الولايات المتحدة منخفضة تاريخياً، وكان النمو قوياً على نحو مدهش العام الماضي، لكنّ كثيرين يرون أن هذا الأمر لن يستمر. ولحسن الحظ، بالنسبة للمستثمرين في الأسهم، يبدو أن السوق يتمتع بزخم خاص به يتجاوز «الاقتصاد الحقيقي»، وهو ما يفسر اتجاه أرباح الشركات الجيد للغاية، حسبما أشار جوستين بورغن، مدير أبحاث الأسهم في شركة «أميربرايز فاينانشال».
وفي كثير من الأحيان في مثل هذه الأوقات، يتم استخدام مقاييس مثل «مؤشر بافيت»، الذي يستخدمه المستثمر المخضرم وارن بافيت لتسليط الضوء على مخاطر أسعار الأسهم وإمكانية هبوطها من قممها العالية، ويقيس نسبة القيمة السوقية للأسهم مقارنة بالناتج المحلي الإجمالي وما إذا كانت مقومة بأكثر أو أقل من حجمها الحقيقي.
واعتماداً على مقياس السوق الحالي، فإن القيمة الإجمالية للأسهم الأمريكية تتراوح اليوم بين مرة ونصف المرة إلى ما يقرب من ضعف الناتج المحلي الإجمالي السنوي، وهو رقم مرتفع جداً تاريخياً.
وبالطبع لا يخلو المؤشر من العيوب، فهو يحدد قيمة جميع السلع والخدمات المنتجة في الاقتصاد على مدار عام مقابل القيمة السوقية للأسهم في اليوم الواحد، وهي في الأساس مقارنة «الأسهم مقابل التدفق».
كما لا يمثل ذلك 15 عاماً وتريليونات الدولارات من السخاء النقدي للبنك المركزي، والتي أثرت في أسعار الأصول بشكل أكبر بكثير من النشاط الاقتصادي. ومع ذلك، ووفقاً لورقة بحثية تعود لعام 2022، أجراها لورنس سوينكلز، الأستاذ في جامعة «إيراسموس» في روتردام، وتوماس أوملاوفت في جامعة فيينا، فهي طريقة «خام ومباشرة» لقياس معنويات المستثمرين تجاه أسواق الأسهم عبر الاقتصاد الحقيقي.
ويشير سوينكلز وأوملاوفت، إلى نقطة بسيطة مفادها أنه مع نشر المزيد من الموارد الاقتصادية في أسواق رأس المال، ترتفع أسعار الأسهم دون زيادة متناسبة في النشاط الاقتصادي الحقيقي، مع تراجع العوائد المتوقعة للشركات. لكن مع ذلك، يرى الاثنان أن الأمر قد يستغرق سنوات قبل أن تؤدي التقييمات الممتدة إلى خسائر فادحة. وهو ما أكده زميلهما كولين غراهام، الذي قال: «بحسب مؤشر بافيت، يجب عليك القلق في هذه المرحلة من الدورة، على الرغم من أنه لا يخبرك بما سيحدث خلال الأشهر الستة إلى الاثني عشر المقبلة».
في الوقت الحالي، يبدو أن الأسهم في وضع جيد، حيث تشير توقعات نمو الأرباح الأمريكية لعام 2024 إلى 10%، ومعلومٌ أن أمريكا هي الرائدة العالمية التي لا مثيل لها في مجال التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي.
إلى ذلك، ربما تكون التقييمات الأمريكية في مجملها مرتفعة، لكنها لم تقترب بأي حال من مستويات الذروة التي بلغتها بين عامي 1999 و2000 أو حتى قبل ثلاث سنوات. ومع ذلك، فإن أفق أسعار الفائدة مواتٍ ومن المرجح أن تشهد انخفاضاً في المرحلة التالية، والميزانيات العمومية للشركات والأسر في حالة جيدة أيضاً.
وعلى الجانب الآخر من الكوكب، لا تزال التقييمات منخفضة نسبياً في أوروبا واليابان، حيث أسعار الفائدة الحقيقية سلبية للغاية، حتى بعد إنهاء بنك اليابان سياسته المفرطة في التساهل. علاوة على ذلك، تحصل الشركات اليابانية أيضاً على دفعة كبيرة من أضعف سعر صرف للين، وأوضاع مالية أكثر مرونة منذ أكثر من 30 عاماً. وليس من المستغرب أن يكون العديد من المستثمرين متفائلين للغاية بشأن اليابان على الرغم من أن الاقتصاد في حالة ركود فني.
وبهذا الصدد، قال توم بيكر، مدير المحفظة في فريق تخصيص الأصول العالمية التابع لشركة «بلاك روك»: «إن أكبر صفقة شراء لدينا في الأسهم هي اليابان. نحن نحب القصص الهيكلية وخروج اليابان من فخ الديون والانكماش، وضعف الين المفيد للأرباح. وعليه، يمكن للشركات زيادة الهوامش مرة أخرى».
في الوقت الحالي، يبدو أن المسار الجيد للأسهم مستمر في جميع أنحاء العالم المتقدم، وذلك رغم الارتفاع المستمر في أسعار الفائدة وعوائد السندات، والنمو الحاد في معدلات البطالة، والصدمات المالية التي يمكن أن تفاقم الوضع الاقتصادي سوءاً.
المصدر: الخليج