ولي العهد في القاهرة.. تزايد فرص الرخاء المشترك والتعاون الاستراتيجي | مركز سمت للدراسات

ولي العهد في القاهرة.. تزايد فرص الرخاء المشترك والتعاون الاستراتيجي

التاريخ والوقت : الأحد, 4 مارس 2018

محمد رجب سلامة

اختيار صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان، ولي العهد، مصر لتكون محطته الأولى، في جولته الخارجية الأولى، منذ توليه منصبه الحالي، يعكس حرصه على تعزيز علاقات التشاور والتنسيق مع مصر بما يحقق مصالح الأمتين العربية والإسلامية وشعوبهما، في زيارة تستغرق 3 أيام، بدءًا من الأحد 4 مارس الجاري، ويؤكد متانة ودفء العلاقات الثنائية المشتركة بين الرياض والقاهرة، اللتين تربطهما علاقات استراتيجية وتاريخية جيدة لا يمكن أن يزعزها أي كيان أو تحالف، حيث قنوات الاتصال المفتوحة والزيارات المتبادلة، وهو ما يشير بوضوح إلى أزلية وعمق وقوة العلاقات التي تربطهما، حيث تعد كل مصر والسعودية امتدادًا طبيعيًا للآخر من الناحية التاريخية والبشرية والسياسية، إذ إن زيارة صاحب السمو الملكى، تستهدف تعزيز العلاقات الثنائية في مختلف المجالات، فضلاً عن تنسيق المواقف تجاه عدد من القضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك، وذلك قبل توجه الأمير محمد بن سلمان، إلى لندن وواشنطن، وقبل انعقاد الدورة العادية لمجلس جامعة الدول العربية على مستوى القمة في 23 مارس الحالي[1].

وبالإشارة إلى الزيارات الخارجية السابقة، فإن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، قبل منصبه الحالي، كان قد زار مصر في 30 يوليو عام 2015، عندما كان وليًا لولي العهد، والتقى الرئيس عبدالفتاح السيسى، واتفق الجانبان على وضع حزمة من الآليات التنفيذية في مجالات تطوير التعاون العسكري والعمل على إنشاء القوة العربية المشتركة، وتعزيز التعاون المشترك والاستثمارات في مجالات الطاقة والربط الكهربائي والنقل، وتحقيق التكامل الاقتصادي بين البلدين والعمل على جعلهما محورًا رئيسيًا في حركة التجارة العالمية، وتكثيف الاستثمارات المتبادلة السعودية والمصرية بهدف تدشين مشروعات مشتركة، وتكثيف التعاون السياسي والثقافي والإعلامي بين البلدين لتحقيق الأهداف المرجوة في ضوء المصلحة المشتركة للبلدين والشعبين الشقيقين، ومواجهة التحديات والأخطار التي تفرضها المرحلة الراهنة، وسمي وقتها “إعلان القاهرة”[2].

مما لا شك فيه، أن زيارة الأمير الحالية للقاهرة، تحمل في طياتها العديد من الرسائل، يكمن أغلبها في استمرار رؤية البلدين المتطابقة، ناحية تحقيق مجموعة من الأهداف المرتبطة بالأوضاع الأمنية والعسكرية الحالية في المشرق العربي، وشبه الجزيرة العربية، وليبيا، وهو أمر ضروري، حيث مفهوم الربط بين أهداف المرحلة الحالية وأهداف أعمق وأبعد مدى تتعلق بشكل المنطقة مستقبلاً[3].

مخاطر إقليمية

التطرق إلى المخاطر الإقليمية هو أمر محسوم، بالطبع توجد عديد من المخاطر تحيق بالمنطقة، حيث يتحرك الحوثيون في اليمن، ومن المعلوم أن هناك تطابقًا بين التوجهات السعودية والمصرية، حيال هذا الأمر، حيث تتدخل الدولتان ضد المتمردين الحوثيين الشيعة، وتشارك مصر في عملية “عاصفة الحزم” التي تقودها السعودية ضد الحوثيين الموالين لإيران، الذين يسعون لبسط سيطرتهم على اليمن، إضافة إلى الحرب ضد تنظيمي “داعش” والقاعدة في العراق وسوريا، فضلاً عن حزب الله اللبناني المدعوم من إيران في جنوب لبنان، إلى الجانب التحركات المشبوهة والعدوانية من إيران، والخطر القادم من الحدود الطويلة مع ليبيا التي تعاني انهيارًا أمنيًا[4].

ويضاف إلى ما سبق، القضية الفلسطينية[5] التي تعد من أهم الموضوعات التي تهم الأمير محمد بن سلمان، والرئيس المصري، ويوليان لها اهتمامًا ملحوظًا، خاصة بعد اعتراف واشنطن بالقدس عاصمة لإسرائيل، وعزمها نقل سفارتها إليها، منتصف شهر مايو القادم، وتقع هذه القضية في قلب السياسات والتوجهات السعودية والمصرية. وتجدر الإشارة هنا، إلى الرسالة الأخيرة التي بعثها الأمير إلى الرئيس الفلسطيني محمود عباس، قبل أيام قليلة، مؤكدًا له فيها: “أن القضية الفلسطينية تحظى بأهمية كبيرة وأولوية خاصة لدى المملكة، وأن الخطوة الأخيرة لن تغير أو تمس بالحقوق الثابتة والمصونة للشعب الفلسطيني في القدس وغيرها من الأراضي الفلسطينية المحتلة”[6].

قطعًا، تبعات الأزمة القطرية الأخيرة، وملف مقاطعة الرباعي العربي (السعودية ومصر والإمارات والبحرين) لدولة قطر، وملف مكافحة الإرهاب وتوحيد الجهود للقضاء عليه بكل الصور، هي من القضايا المشتركة بين البلدين، حيث يواصل الجيش المصري عملية “سيناء 2018” ضد الإرهابيين في شبه جزيرة سيناء، خاصة أن الرئيس السيسي، كان قد عرض في شهر مايو الماضي، خلال مشاركته في أعمال القمة العربية الإسلامية التي شارك فيها الرئيس الأميركي ترمب، استراتيجية شاملة لمواجهة خطر الإرهاب من خلال تكثيف الجهود الدولية الساعية لوقف تمويل التنظيمات الإرهابية ومدها بالسلاح والمقاتلين وتوفير الملاذ الآمن لها.[7]

التعاون العسكري والاستراتيجي

ومن المعروف أن العلاقات المصرية السعودية بعد ثورة الثلاثين من يونيو، أصبحت أكثر تميزًا عن ذي قبل، ومن المؤكد، أن التعاون والتكامل بين البلدين، بخلاف كونه أمرًا طبيعيًا، على اعتبار أن الأمن السعودي والخليجي من أمن مصر، والعكس صحيح، زاد من قوتهما وحضورهما الإقليمي، وبالتالي ملف التحالفات العسكرية بين السعودية ومصر، تتركز أهميته في التعاون المعلوماتي الاستخباراتي بينهما أكثر من الدور العملياتي العسكري على الأرض، وفي النهاية يبقى أنه لا مفر من استمرار التعاون العسكري بين القاهرة والرياض في الوقت الراهن، خاصة مع استمرار التهديدات الإقليمية الكبيرة[8].

ولذلك، يعتبر ملف التعاون العسكري والاستراتيجي بين الدولتين من الضروريات المشتركة أيضًا، وهو الذي امتد إلى مستوى غير مسبوق من التنسيق والتنفيذ بعدما تشاركا في التحالف العربي في اليمن، وانضمت مصر للتحالف العسكري الإسلامي الذي أسسته الرياض، وكذلك التشارك في مناورات عسكرية، وأبرز هذا التعاون العسكري والاستراتيجي، قدرة الفعل لا مجرد القول للقاهرة والرياض، اللتين تحولتا فعليًا لدرع وسيف للعرب، يحمي الأمن القومي للإقليم المضطرب من أنياب القوى الإقليمية التي تحاول التدخل في مفاصله.

فرص التعاون والرخاء المشترك  

على الرغم من الأزمات سالفة الذكر، فإنها كشفت عن فرص مهمة ورابحة على كافة المستويات؛ وربَّما كان قلب الفرصة بتشكيل التحالف الرباعي العربي، في توقيت بالغ الأهمية، بقصد التصدي للدور السلبي لقطر، ومن ورائها إيران وتركيا، وضع الرغبة والإرادة لأربع دول عربية ذات أهمية كبرى، للتحرك إلى ما هو أكثر من التصدي للإرهاب القطري والإيراني والتركي، وهو إعادة الاستقرار إلى المنطقة وإقامة نظام للأمن الإقليمي يكفل الرخاء والازدهار لشعوبها. ويتزامن مع ذلك، الموافقة على اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين المملكة ومصر، التي تشمل مساحة ممتدة من رأس خليج العقبة في الشمال، وحتى خط عرض 22 جنوبًا. وبالنظر إلى الاتفاقية من الناحية الاقتصادية والأمنية على جانبي البحر الأحمر، فتوجد بها إمكانيات اقتصادية جبارة وواعدة تتيح للبلدين إقامة منطقة واسعة للأمن البحري من الناحية، والرخاء المشترك من ناحية أخرى[9].

وبالإشارة إلى “رؤية السعودية 2030” و”رؤية مصر 2030″، نجد كلتيهما تعول تعويلاً كبيرًا على الاستغلال الاقتصادي الكبير لمنطقة البحر الأحمر، بحرًا وبرًا وجزرًا، وسياحة وتعدينًا، وجسرًا واعدًا متعدد الأبعاد بين الجزيرة العربية ومصر. وفي هذا، تجسيد حي لفكرة الجسر جاءت في الرؤية السعودية التي جعلت منه دعمًا للموقع الاستراتيجي للمملكة بمده إلى منطقة شرق البحر المتوسط عبر قناة السويس. ولم تكن هناك صدفة، أن الاتفاقيات التي جرى توقيعها، أثناء زيارة خادم الحرمين الشريفين، للقاهرة في أبريل (نيسان) 2016 تتضمن تنمية سيناء بما قيمته 5.1 مليار دولار، وإقامة جامعة الملك سلمان في مدينة رأس سدر على الجانب الآخر من خليج السويس، وتتلاقى هنا الرؤية المصرية مع الرؤية السعودية في ذات الساحة السيناوية، حيث بدأت مصر مشروعًا طموحًا يقوم على ستة أنفاق أسفل قناة السويس تكفل انتقال البشر والسيارات والسكك الحديدية والبضائع بين الجانبين، ألا وهو مشروع محور قناة السويس، الذي يعد أضخم المشروعات التنموية التي عرفتها مصر في تاريخها الحديث[10].

الرؤيتان السعودية والمصرية كلتاهما تصب في الأخرى، وتعطي مساحة هائلة للتعاون المشترك والنجاح المشترك أيضًا. وربَّما كانت النقطة الطبيعية للبداية في هذا الشأن، هي تنفيذ الاتفاقيات الموقعة بين البلدين؛ لأنها سوف تضع حجر الأساس الذي ستكون لها نتائج سياسية مهمة بقدر ما هي اقتصادية. الجزء السياسي للاتفاقية، سوف يؤدي إلى إحياء عشرات الجزر الواقعة داخل المنطقة الاقتصادية البحرية السعودية والمصرية. وهما الرؤيتان السعودية والمصرية اللتان يحملان الكثير من الطموح، مما يدفع إلى ما هو أكثر، وهو إعلان المنطقة الاقتصادية للبلدين في البحر الأحمر، منطقة “التعاون والرخاء المشترك” هدفها تأمين الملاحة في البحر الأحمر ضد كل أنواع التهديدات، وتطوير برنامج طموح للتنمية المشتركة، وفتح نافذة كبرى للاستثمار بعيد المدى بالنسبة لباقي دول المنطقة الخليجية.

المجلس التنسيقي وفرص الاقتصاد

وأخيرًا، يمكن القول إن الزيارة الحالية للأمير محمد بن سلمان، سيكون لها تبعات اقتصادية واستثمارية غير مسبوقة، خاصة بعد إعلان المجلس التنسيقي المشترك، مؤخرًا، حل 78 في المئة من النزاعات العالقة بين شركات رجال الأعمال والمستثمرين في البلدين[11]، لا سيما دفع مشروع جسر الملك سلمان، الذي يربط البلدين بخط بري تجاري وسياحي، مسيرة الاستثمارات إلى آفاق جديدة. والفترة الراهنة تشهد مناخًا استثماريًا بين البلدين، محفزًا لجذب كثير من رؤوس الأموال، بعد أن قامت اللجنة الوزارية لفض منازعات الاستثمار بالنظر في 36 طلب حل نزاع تقدم بها مستثمرون سعوديون، منذ إقرار القانون الجديد وتفعيله؛ أي قبل نحو خمسة شهور، حيث تم حل المشكلات العالقة المرتبطة بـ28 شركة سعودية باستثمارات إجمالية تتجاوز 15 مليار جنيه؛ أي ما يعادل 3.2 مليار ريال، ومن المتوقع أن يصل حجم الزيادة في الاستثمارات بين البلدين لأكثر من 50 في المئة بنهاية العام الجاري 2018.

كاتب وباحث مصري*

@ragabsalama

المراجع

[1]   ولي العهد السعودي في القاهرة.. الأحد، صحيفة أخبار اليوم المصرية. 

[2]  إعلان القاهرة.. السعودية تزيد استثماراتها بمصر لـ8 مليارات دولار وتوفير احتياجات النفط لـ5 سنوات، شبكة سي إن إن. 

[3]  خطوات مصرية سعودية لتفعيل “إعلان القاهرة”، شبكة سكاي نيوز.

[4]  مصر –  السعودية: تعاون وثيق في محاربة الإرهاب، شبكة سكاي نيوز.

[5] العلاقات السعودية المصرية في عهد الملك سلمان، جريدة الشرق الأوسط اللندنية.

[6] ولي العهد السعودي يبعث رسالة للرئيس الفلسطيني، روسيا اليوم.

[7] مصر والسعودية… درع وسيف العرب، صحيفة اليوم السعودية.

[8]  ولي العهد السعودي في ضيافة مصر، موقع اليوم السابع الإخباري.

[9]  منطقة للأمن والرخاء المشترك، د.عبدالمنعم سعيد، صحيفة الشرق الأوسط. https://bit.ly/2DIoJp5

[10] نفس المصدر السابق.

[11]المجلس التنسيقي السعودي – المصري: حل 78% من النزاعات العالقة للشركات، بوابة الاقتصادية. https://bit.ly/2OKIxJq

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر