وضع الاقتصاد الأيرلندي في ظل عدم اليقين مع “بريكسيت” | مركز سمت للدراسات

وضع الاقتصاد الأيرلندي في ظل عدم اليقين مع “بريكسيت”

التاريخ والوقت : الثلاثاء, 8 يناير 2019

كليف تايلور

 

مع كل عام جديد، تتوَّلد حالة من عدم اليقين، إلا أنه مع حلول عام 2019، فإن تلك الحالة المتوقعة تفوق نطاقها الطبيعي. فجنبًا إلى جنب، اعتادت معظم الاقتصادات الغربية، وجود حالة من النمو المطَّرد لفترة طويلة جدًا، ولا سيَّما بعد انتهاء الأزمة الاقتصادية. لكن مع تزايد المخاوف المصاحبة لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وكذلك مع الحالة التي أضحت عليها أسواق المال العالمية خلال شهر ديسمبر الماضي، فقد أقبلنا على عام 2019 بإحساسٍ عامٍ بأن الأمور في طريقها إلى التغيير.

ومن المتوقع أن تُهيمن حالة من عدم اليقين خلال الأشهر الأولى من عام 2019، وهو ما يُتوقع أن يصحبه تكاليف اقتصادية باهظة في حد ذاتها؛ ويحاول المستهلكون والمستثمرون توقع الأحداث بدلاً من انتظار وقوعها. وعلى ذلك سيكون لديهم حافز على التعامل معها في وقت مبكر من السنة، بما يفرض عليهم اجتماعًا لمناقشة كيف تسير الأوضاع في ظل “بريكسيت”، وذلك على الجبهة الأيرلندية البريطانية. فإذا اقتنع المستثمرون بعدم جدوى الخروج من الاتفاق الخاص بـ”بريكسيت”، فسيكون الجنيه الاسترليني في وضع ضعيف بحلول موعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.

وخلال الأسابيع القادمة، سوف يتحول الجدل الاقتصادي نحو كيفية حماية المكاسب المتحققة خلال السنوات الأخيرة؛ إذ يبدو الحديث عن التخفيضات الضريبية المستقبلية وارتفاع الإنفاق، غريبًا مع خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي على مدار بضعة أشهر، وهو ما يصاحبه اتجاه نحو انخفاض أسواق الأسهم بسبب المخاوف بشأن الوضع العام للاقتصاد العالمي.

إن النظرة الإيجابية التي يمكن أن تستهل بها العام الجديد، تكمن في تراجع النمو الدولي، لكن الركود الاقتصادي يمكن تجنبه في الاقتصادات الكبرى. ذلك أنه الأفضل ألا نطلق على ذلك الوضع هبوطًا ناعمًا، فهذا المصطلح يبدو أنه يحمل مضامين عديدة في أيرلندا، وربَّما يكون هذا الأمر على ما يرام بالنسبة لأيرلندا.

مخاطر سياسية

إن المخاطر التي تتعرض لها هذه النظرة تبدو طيبة إلى حدٍّ ما، رغم أنها ليست سياسية على وجه الحصر. فعام 2019 يبدو أشبه بعام الحساب بالنسبة للحدثين الكبيرين اللذين وقعا خلال 2016، وهما التصويت على خروج بريطانيا، وانتخاب دونالد ترمب رئيسًا للولايات المتحدة. فكلاهما دفع نحو التوقعات بوقوع ضربة اقتصادية لا تزال في بدايتها. فقد كشفت التوقعات عن حدوث مشكلة واسعة النطاق في عام 2017، كما حوَّلت ذلك العام إلى عام غير عادي. فقد أعطت التخفيضات الضريبية الأميركية في وقت متأخر من هذا العام لأكبر اقتصاد في العالم، دفعة أخرى في عام 2018.

إن ما يثير مخاوف الأسواق هو تلك العلامات التي تدل على أن اتساع الأمر يتحول في النهاية. فالاقتصاد الأميركي يتباطأ، وكذلك الجهد الناتج عن التخفيضات الضريبية آخذ في النفاد، بل إن هناك مخاوف حالية بشأن الأوضاع المالية للحكومة؛ ذلك أن إغلاق جزء من حكومة الولايات المتحدة نتيجة وجود نزاع بين ترمب والكونجرس، إنما هو مجرد مؤشرٍ على ذلك. ففي هذه الأثناء، لا تزال التوترات التجارية بين الصين والاتحاد الأوروبي قائمة، ويمكن أن تنفجر بمزيد من التعريفات في عام 2019.

وفي أوروبا، تراجع النمو وبدأت المملكة المتحدة تظهر في النهاية مؤشرات على مرحلة ما قبل خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. أضف إلى ذلك المضاعفات التي تواجهها البنوك المركزية في العالم والتي تحاول التخلص من الحوافز الضخمة التي قدمتها أثناء الانهيار، فضلاً عن ذلك توجد وصفة تثير قلق المستثمرين بشأن سعر السهم. وبالفعل، عندما يبحث الرئيس الأميركي عن الآخرين ليلقي عليهم باللائمة بسبب التباطؤ، فإنه يشير بإصبعه نحو البنك المركزي الأميركي، والبنك الاحتياطي الفيدرالي، الذي يواصل في دفع أسعار الفائدة نحو الارتفاع.

والمفارقة هنا – بالطبع – أنه بدلاً من العمل على حماية اقتصاداتها، يعتقد السياسيون أنه يجب متابعة السياسات الأيديولوجية أو الشعبوية على الرغم من التكلفة الاقتصادية المدمرة لتلك السياسات. والسؤال المهم هنا هو: هل يمكن أن يؤدي كل ذلك في النهاية إلى الانسحاب أو تعديل مساره؟ وهل لا يزال “كل شيء عن الاقتصاد غبيًا؟” بالتأكيد يختلف الأمر عن ذلك.

ومن شأن التعريفات الحمائية التي فرضها ترمب على التجارة أن تضر بالنمو ومعدلات الوظائف، وأن تزيد الأسعار بالنسبة للمستهلكين الأميركيين الذين دفعوا – فعلاً – أسعار منتجات الإلكترونيات، واعتدوا على مزارعي فول الصويا. فإذا لم يتم التوصل إلى حل بشأن التجارة مع الصين قبل الموعد النهائي الذي فرضه ترمب في الأول من مارس، فإن حربًا تجارية شاملة بين أكبر اثنين من اقتصادات العالم سوف تواجه تهديدات كبيرة. فكما سبقت الإشارة، فإن التوترات التجارية مع الاتحاد الأوروبي من شأنها أن تستمر – أيضًا – في شكل “فقاعة اقتصادية” مستمرة.

كذلك، هناك عملية الخروج “بريكسيت” التي تعدُّ طريقة مؤكدة من أجل تحمل ثمن اقتصادي باهظ مقابل بعض السيطرة الكبيرة على الهجرة من دول الاتحاد الأوروبي الأخرى، التي تعاني من عواقب سلبية على المستوى الاجتماعي والاقتصادي، كما أن بعض الأفكار الغامضة تكافح من أجل التسلل إلى واجهة المشهد العام في أوروبا. ففي استطلاع للرأي شمل عددًا من الأشخاص الذي تجاوزوا أعياد “الكريسماس”، بشأن ما إذا كان خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، غير قابل للتفاوض، لم يتمكن كل الذين شملهم الاستطلاع من إعطاء إجابة (نعم أو لا) على الإطلاق، وهو ما يمثل خيبة أمل كبيرة لهم.

الفوضى السياسية في المملكة المتحدة

غالبًا ما تختفي التهديدات الاقتصادية أو تتضاءل وتتضارب الأمور، فالانهيار الاقتصادي يمثل استثناءً ملحوظًا. فالشيء الصعب مع “بريكسيت” Brexit، إنما يكمن في محاولة البحث عن مخرج من حالة الفوضى التي تعاني منها السياسة البريطانية. فإذا بقينا في شهر فبراير على سبيل المثال، بدون أي مخرج واضح نحو المستقبل، فإن تساؤلاً يثار هنا وهو: هل يمكن ترتيب تأجيل خروج المملكة المتحدة في آخر لحظة، أو أي طريقة ستبدو مناسبة للانتقال نحو السماح بمزيد من الكلام؟ فإذا كان هناك من يفكر في مثل هذه الخطة، فإننا لم نسمع عنها بعد، وخاصة مع رغبة الاتحاد الأوروبي في مواصلة الضغط على لندن للتصويت من خلال اتفاق الانسحاب.

ويعتبر هذا هو التهديد الكبير والمربك لأيرلندا خلال عام 2019، بل إنه يُعَرِّض الحكومة لمعضلة بشأن مدى جاهزية أيرلندا، ولا سيَّما أنها سوف تزيد من التأثير السياسي بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي؛ ذلك أنه من المستحيل عزل الاقتصاد من صدمة الخروج Brexit. وسواء كان ذلك صوابًا أو خطأ، فعندما يتعلق الأمر بالحكومة سنكون بصدد قدر كبير من اللوم حينما تسوء الأمور. لذلك فمن المتوقع – أيضًا – زيادة حدة الاستقطاب خلال الاستعدادات للخروج من الاتحاد الأوروبي. ومن المحتمل أن يتجه الاقتصاد والسياسة – بشكلٍ ما – نحو الاستقرار في أوائل عام 2019، بينما ننتظر لنرى كيف ستجري عملية الخروج Brexit. كذلك من المرجح أن نرى أدلة على ذلك في كل من الإنفاق، والتوظيف، والاستثمار، وحتى أسعار السكن.

وإذا تمَّ العثور على طريقة لتجنب عملية الخروج Brexit وعدم التعامل معها، فإن عام 2019 سوف يبدو أكثر إشراقًا على المستوى الاقتصادي، حتى مع وجود تباطؤ دولي. ولكن، سواء كنا “جاهزين لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي” أو غير جاهزين، فإن مدى تلك الجاهزية ستكون هي القضية المهيمنة على المشهد العام في أوروبا، والأوروبيون على أعتاب العام الجديد.

 

إعداد: وحدة الترجمات بمركز سمت للدراسات

المصدر: أيرلندا تايمز

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر