والأهم من ذلك إدراجها “حركة سواعد مصر” المعروفة اختصارا بكلمة “حسم” التابعة لتنظيم الإخوان في التصنيف الذي شمل أيضا شخصيتين مرتبطتين بتنظيم “حسم” هما علاء السماحي، الذي يعتقد أنه مؤسس الحركة وقيادي آخر يدعى يحيى موسى وكلاهما يعيش في تركيا.
وذكرت الوزارة أن تصنيف الحركة وقياداتها يهدف إلى حرمانها من مصادرها اللازمة لتنفيذ هجمات إرهابية، إضافة إلى حظر تعامل الأميركيين معها. هذه الخطوة الأميركية تضاف إلى تصنيف أميركي سابق للحركة، إذ كانت الخارجية الأميركية صنفت “حسم” كيانا إرهابيا دوليا “مدرجا بشكل خاص بموجب الأمر التنفيذي رقم 13224، في يناير 2018، لأنها تشكل خطرا كبيرا لناحية ارتكاب أعمال إرهابية”.
بالطبع، لا يمكن التقليل من أهمية هذه الخطوة، أو أي خطوة مشابهة من شأنها تقليمُ أظافر الجماعات الإرهابية في المنطقة وتحجيم خطرها ومحاصرة شرها، خاصة أن هذا القرار جاء بعد أيام قليلة من خطوة مشابهة من وزارة الخارجية الأميركية بتصنيف الحوثيين في اليمن جماعة إرهابية. لكن في تقديري تكمُنُ الأهمية الأكبر لهذا القرار المتعلق بـ”حسم” في أنه قد يعيد طرح موضوع تصنيف الجماعة الأم كمنظمة إرهابية أجنبية على مائدة النقاش والتداول في أروقة الإدارة الأميركية الجديدة، وقد يفتح المجال واسعا أمام المضي قدما بمساعي إدراج تنظيم الإخوان المسلمين بقوائم الإرهاب الدولية، بالنظر إلى العلاقة العضوية المباشرة بين الجذر والفرع المنبثق منه أو بين التنظيم الأم والفصيل المتفرع عنه.
الجهود الأميركية لتصنيف جماعة الإخوان المسلمين منظمة إرهابية لم تنقطع أبدا في ظل الإدارة الأميركية الحالية، لكنها كانت دائما ما تصطدم بعراقيل تحبطها إما في مهدها وإما في لحظاتها الأخيرة، ففي مارس 2017، ومع بدايات حكم ترمب، كان هناك توجه قوي من الإدارة الأميركية نحو تسمية جماعة الإخوان المسلمين “منظمة إرهابية”، لكن الإدارة تراجعت عن مسعاها هذا بعد مذكرة لوزارة الخارجية الأميركية نصحت فيها بعدم الإقدام على هذه الخطوة بحجة أن “بنية جماعة الإخوان بنية متراصة”، وأنه “ليست هناك جماعة واحدة من الإخوان المسلمين. وحتى إن كانت بعض التيارات المنتمية لهذه الجماعة على صلة وعلاقة مع حركة حماس، فهي تمارس أنشطة سياسية تحمل طابع الشرعية، كما أن لها حضورا في الشرق الأوسط، ولها أحزاب وقوى فاعلة في المشهد السياسي بعدة دول مثل المغرب والأردن وتونس وعدد من الدول ذات الأغلبية المسلمة”.
كان هذا موقف وزارة الخارجية الأميركية من الإخوان المسلمين أثناء وجود ريكس تيلرسون على رأسها، وهو الموقف الذي يمكن وصفه بأنه امتداد لموقف هيلاري كلينتون و”رجالها” في هذه المؤسسة الأميركية العريقة، وهو موقف كان واضحا أنه يناقض رؤية الرئيس الأميركي التي أعلنها مرارا وتكرارا. لذا، وبمجرد خروج تيلرسون من الإدارة الأميركية ودخول مايك بومبيو بديلا له في أبريل 2018، بدا أن ازدواجية صنع القرار الأميركي بدأت في التلاشي، كما بدا أن الإدارة الأميركية أصبحت على قلب رجل واحد، ففي موضوع الموقف من جماعة الإخوان المسلمين كان بومبيو يحمل رؤية مميزة بدت أنها الأقربُ لرؤية ترمب، وهي رؤية كان يتبناها حتى قبل دخوله الإدارة الأميركية، فأثناء عضويته في مجلس النواب (2011- 2017) كان هو العضو الأكثر فاعلية في تحريك المجلس ضد جماعة الإخوان المسلمين، فقد تزعم -على سبيل المثال- تحركات اللجنة القضائية في المجلس في عام 2016 والتي انتهت إلى الموافقة على مشروع قانون يعتبر جماعة الإخوان “تنظيما إرهابيا” ويتضمن استبعاد أعضاء الجماعة من الولايات المتحدة بعد ثبوت كل الأدلة على تورطها في تمويل الإرهاب ومنظماته وعملياته داخل الولايات المتحدة وخارجها، وأمهلت اللجنة القضائية وقتها وزارة الخارجية الأميركية 60 يوما لتحديد موقفها بشأن وضع الجماعة على لوائح الإرهاب، لكن، وكما كان متوقعا، أجهضت الخارجية بمواقفها المعروفة آنذاك هذه المحاولة، لذا انتابت الأوساط الإخوانية داخل الولايات المتحدة وخارجها حالة من الخوف والقلق عند تولي مايك بومبيو منصبه، في ظل مواقفه المعروفة والمسجلة مسبقا من الإخوان المسلمين.
وفي يوليو 2018، وبعد أقل من ثلاثة أشهر من توليه منصبه، بدا أن مساعي بومبيو قد تسفر عن جديد في هذا الملف الشائك وذلك عندما أعادت لجنة الأمن القومي بمجلس النواب، فتح ملف جماعة الإخوان المسلمين، وبحثت من خلال جلسة استماع إمكانية وضع الجماعة على لائحة الإرهاب الأميركية. اللافت للنظر في مناقشات تلك الجلسة التي حملت عنوان “بحث التهديد الذي تشكله جماعة الإخوان المسلمين والتنظيمات التابعة لها للولايات المتحدة ومصالحها وكيف يمكن مكافحتها”، أنها اعتبرت أن تنظيم الإخوان يشكل تهديدا مباشرا للأمن القومي الأميركي، وليس فقط تهديدا لأمن حلفاء الولايات المتحدة الأميركية، واعترف رئيس لجنة الأمن القومي بمجلس النواب الأميركي أثناء المناقشات بفشل بلاده وسياستها في مواجهة ما تمثله الجماعة من سلوك راديكالي ودعمها للمجموعات المتطرفة في عدة دول في الشرق الأوسط وعلى رأسها الإمارات والسعودية ومصر. كما شدد أعضاء اللجنة وقتها على ضرورة وضع جميع تنظيمات الإخوان المسلمين على قوائم الإرهاب، وطالبوا الإدارة الأميركية، بعدم عرقلة مساعي المشرعين الأميركيين لوضع الجماعة على لوائح الإرهاب الأميركية. وكان لافتا أيضا في نقاشات اللجنة أن بعضا من أعضائها أشار إلى أن دولا مثل المغرب والأردن وتونس تدعم الولايات المتحدة الأميركية في حربها ضد الإرهاب وضد تنظيم داعش، وذلك في محاولة ذكية لدحض مزاعم المعارضين لإدراج الإخوان على لوائح الإرهاب بحجة وجودهم كمكون في التركيبة السياسية لبعض دول الشرق الأوسط ذات العلاقة الوثيقة مع واشنطن.
إضافة إلى أعضاء اللجنة، شهدت الجلسة الاستماع لآراء مجموعة كبيرة من الخبراء والباحثين الذين يمثلون أبرز مراكز التفكير الأميركية مثل معهد هادسون، ومؤسسة الدفاع عن الديمقراطية، والمنتدى الإسلامي الأميركي للديمقراطية، ومركز جون سلون ديكي للتفاهم الدولي بجامعة دراتموث. لكن التفاؤل الذي أحاط بهذه الخطوة رغم ما بدا من جديتها واختلافها سرعان ما تحول إلى إحباط معتاد يلاحق هذه الخطوة في كل مرة يتم طرحها، فلم يكن تحرك لجنة الأمن القومي بمجلس النواب الأميركي آنذاك هو الأول للكونجرس الأميركي على هذا المسار، فقد سبقته محاولات عدة باءت كلها بالفشل كان آخرها في 2016. وقبل أسابيع قليلة وتحديدا مطلع ديسمبر الماضي، أعلن السيناتور الأميركي الجمهوري تيد كروز؛ عضو لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ، عن تقديم مشروع قانون، بالتعاون مع أعضاء آخرين بالمجلس، لتصنيف جماعة الإخوان المسلمين “منظمة إرهابية”. مشروع القانون يطالب وزارة الخارجية الأميركية باستخدام سلطتها القانونية لتصنيف جماعة الإخوان المسلمين “منظمة إرهابية أجنبية” لأنها تسعى إلى بث الفوضى في جميع أنحاء الشرق الأوسط “ودأبت منذ تأسيسها هي والجماعات التابعة لها على الدعاية والتحريض على الكراهية ضد المسيحيين واليهود وغيرهم من المسلمين بينما كانت تدعم الإرهابيين الراديكاليين”.
في النهاية، يممكن القول إن الدلالة الإيجابية لخطوة وزارة الخزانة الأميركية ومن قبلها تحرك الكونجرس تتمثل في أن النقاش داخل أروقة صنع السياسة الأميركية حول وضع جماعة الإخوان المسلمين وتصنيفها منظمة إرهابية سيظل مستمرا، فالقرار ليس يسيرا، ولا يخضع لاعتبارات الأمن القومي وحدها، وإنما تتجاذبه جملة معقدة ومتشابكة من الاعتبارات، ويحتاج إلى شجاعة كبيرة أتمنى أن تكون لدى إدارة بايدن إن لم تتحرك إدارة ترمب في أيامها الأخيرة لفعل ذلك.