سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
يغيال شازان
من المرجح أن تواجه هيمنة روسيا على سوق الغاز الطبيعي في أوروبا، التي يُنظر إليها على نطاق واسع على أنها تهدد أمن الطاقة الأوروبي، تحديًا متزايدًا مع قيام الموردين الجدد بإنشاء موطئ قدم في المنطقة.
وفي حين أن روسيا لا تزال أكبر مزوِّد للغاز في الاتحاد الأوروبي، فإن الغاز الطبيعي المسالمن الولايات المتحدة ومصادر أخرى، إلى جانب ظهور أذربيجان كمورد رئيسٍ للغاز، تخلق منافسة حقيقية، مما يقلل من اعتماد الدول الأعضاء على روسيا.
ولطالما سعت الولايات المتحدة إلى تشجيع الاتحاد الأوروبي على تنويع إمداداته من الغاز، خشية أن يسمح تفوق الطاقة الروسي له بممارسة نفوذ سياسي واقتصادي على الكتلة؛ إذ ترى روسيا أن هذه المخاوف تخالف رغبتها في زيادة حصتها في ثاني أكبر سوق غاز فردي في العالم بعد الولايات المتحدة. كما اتهم الكرملين واشنطن باستخدام الطاقة كسلاح سياسي. وادعى “إيغور سيتشين”، الرئيس التنفيذي لشركة “روسنفت” الروسية المنتجة للنفط التي تسيطر عليها الدولة، في يونيو الماضي، أن الولايات المتحدة تريد تقييد صادرات الغاز الروسية الرخيصة إلى أوروبا لتقويض روسيا وإبطاء الاقتصاد الأوروبي.
العقوبات الأميركية على خط “نورد ستريم 2”
لقد بلغ التوتر ذروته في أواخر العام الماضي، عندما أقرَّت أميركا خط أنابيب “نورد ستريم 2” الذي تبلغ تكلفته 11 مليار دولار، والذي يكاد يكون مكتملاً، والذي من المقرر أن ينقل الغاز الروسي إلى ألمانيا والأسواق الأوروبية الأخرى. فقد أجبر الإجراء الأميركي روسيا على استخدام إحدى سفنها الخاصة بتمديد الأنابيب، والتي من المرجح أن تعطل إطلاق خط الأنابيب حتى نهاية هذا العام، أو أوائل عام 2021، ثم إن انخفاض الطلب الناتج عن أزمة الفيروس الوبائي “كوفيد ــ19” ربَّما يزيد من التأخير.
فقبل عدة سنوات، ألغت روسيا خط أنابيب “ساوث ستريم”، الذي كان سيزود جنوب شرق ووسط أوروبا عبر البحر الأسود، بعد أن اعتبر الاتحاد الأوروبي أنه انتهك قواعد المنافسة الخاصة بالكتلة. إذ جاء هذا الإلغاء وسط توتر العلاقات مع أوروبا بعد ضم موسكو لشبه جزيرة القرم ودعم الانفصاليين في شرق البلاد.
وقد أثار خط “نورد ستريم 2″، الذي سيضاعف قدرة خط “نورد ستريم” الحالي، مخاوف عدد من دول أوروبا الشرقية من أنه سيقوض أمن طاقتها. إن أوكرانيا، وهي الممر الرئيسي لصادرات الغاز الروسية إلى أوروبا، تبدو معرضة بشكل خاص، لأن روسيا ستكون أقل اعتمادًا عليها. إذ يمكن أن يؤدي ذلك إلى الضغط على رسوم العبور الكبيرة في كييف، وربَّما يترك البلاد عرضة لانقطاعات بدوافع سياسية في السوق المحلية. وذهبت جهود موسكو لتجاوز أوكرانيا إلى مرحلة أبعد في يناير بإطلاق خط أنابيب”ترك ستريم”TurkStream الذي تبلغ تكلفته 7.8 مليار دولار، والذي يتبع نفس مسار مشروع “ساوث ستريم” الذي تمَّ التخلي عنه.
ولكن، في حين تركَّز الكثير من الاهتمام على تصميمات روسيا في سوق الغاز الأوروبية واستخدام الإمدادات لممارسة نفوذها، إلا أن هيمنتها قد تكون مهددة؛ لأن مصادر أخرى للغاز تزيد المنافسة في هذه الكتلة.
فقد حوَّل إنتاج الغاز الصخري أميركا إلى مصدر رئيسي للغاز الطبيعي المسال – ثالث أكبر شركة في العالم – مع زيادة الإمدادات إلى الاتحاد الأوروبي العام الماضي، متجاوزة الصادرات إلى آسيا. ومع ذلك، يظهر هذا التدفق علامات تراجع بسبب انخفاض الطلب الناتج عن الوباء، مع تقارير تفيد بإلغاء عدد من الشحنات الأميركية المقرر إجراؤها في يونيو.
ووصفت إدارة ترمب الشحنات المتجهة إلى أوروبا بأنها “غاز الحرية”، مما يعكس وجهة نظرها بأنها تساعد على تقويض مركز روسيا المهيمن في السوق الأوروبية. لذا، ربَّما يكون من السابق لأوانه معرفة كيف ستتأثر الإمدادات الأميركية من الوباء على المدى الطويل. لكن بشكل عام، تبدو مساهمة الغاز الطبيعي المسال في طاقة الاتحاد الأوروبي راسخة الآن. فقد حصلت الكتلة الأوروبية على شحنات قياسية العام الماضي، بارتفاع 75% عن عام 2018، وهو ما يمثل 27% من جميع واردات الغاز الطبيعي.
خط الأنابيب الأذربيجاني على وشك الانتهاء
في الوقت نفسه، تبرز أذربيجان كمصدر رئيس للغاز إلى أوروبا، إذ يتوقع أن يكون خط الأنابيب العابر للأدرياتيكي (TAP) المدعوم من الاتحاد الأوروبي، وهو الامتداد الأخير لشبكةٍ من خطوط الأنابيب التي تربط إيطاليا بحقول بحر قزوين في جمهورية القوقاز، جاهزًا في وقت لاحق من هذا العام، رغم أن الأثر الاقتصادي لأزمة الفيروس الوبائي قد يؤدي إلى تأخير خط الأدرياتيكي. فهي المحطة الأوروبية من ممر الغاز الجنوبي الذي تبلغ مساحته 40 مليار دولار، ويبلغ طوله 3500 كيلومتر، وهو الجزء الأطول، وهو أيضًا خط أنابيب الغاز الطبيعي الذي يمر عبر الأناضول، والذي تمَّ إطلاقه في عام 2018، حيث يسلم بالفعل الغاز الأذربيجاني إلى تركيا.
لقد ساعدت تدفقات الغاز الأذربيجانية وإمدادات الغاز الطبيعي المسال، المنطقة بالفعل على تقليل اعتمادها على روسيا. فخلال النصف الأول من عام 2019، انخفضت صادرات الغاز الروسي إلى تركيا وثماني دول أخرى في جنوب شرق أوروبا بأكثر من الربع.
وقد اقترح البعض أن قواعد الاتحاد الأوروبي التي تسمح للمنتجين باستخدام خطوط الأنابيب الأوروبية الأخرى الخاصة بهم، يمكن أن تسمح لروسيا باستخدامخط الأدرياتيكي؛ مما يقلل من كمية الغاز التي يمكن أن تزودها أذربيجان. لكن “فيتالي بايلاربايوف”، نائب رئيس شركة النفط الحكومية الأذربيجانية، صرح أن الاستخدام الروسي المحتمل لخط الأنابيب لن يؤثر على خطط التسليم.وأشار “بايلاربايوف” إلى أن سعةشركة النفط الأذربيجانيةيمكن توسيعها، وأنه بالإمكان استخدامها في المستقبل لنقل غاز آسيا الوسطى إلى أوروبا. علاوة على ذلك، فإن قيادة “باكو” واثقة من أن الإمدادات الأذربيجانية، التي يتم الحصول عليها حاليًا من حقل “شاه دنيز”، سيجري استكمالها باحتياطيات بحرية محلية أخرى. وفي الواقع، يمكن القول إن أوروبا تفكر في توسيع مشترياتها من أذربيجان على خلفية الاكتشافات الجديدة المحتملة في بحر قزوين.
لكن أوروبا ليست في وضع يسمح لها ببدء خفض الإمدادات الروسية حتى الآن. وقد ساعد مسؤولو الاتحاد الأوروبي في اتفاق ديسمبر الذي عُقِدَ بين روسيا وأوكرانيا، الذي بموجبه سيستمر ضخ الغاز الروسي عبر أوكرانيا إلى أوروبا للسنوات الخمس القادمة. وفي حين أن الاتفاقية تبدو كعلامةٍ ترحيب بالتعاون، إلا أنه يمكن اختبارها بمجرد تفعيل خيارات موسكو لتقليل اعتمادها، أو حتى تجاوزها، على جارتها الغربية لتعمل بكامل طاقتها.
إعداد: وحدة الترجمات بمركز سمت للدراسات
المصدر: جيوبوليتيكال مونيتور
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر