سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
عبير الجربوع
بعد أن صدر قرار السماح للمرأة بالقيادة، خفّت الأصوات كثيرًا، وهدأت نقاشات استمرت سنين كانت بين معارض ومؤيد لقيادة المرأة، وتحول كل هذا النقاش إلى سؤال يسأله الكل بهدوء: هل ستقودين؟ هل سجلتِ في مدرسة تعليم القيادة؟ فالأمر أصبح واقعًا الآن؛ لذلك لم يعد النقاش والجدال فيه والاعتراض عليه، مؤديًا إلى أي نتيجة مغايرة كما كان يمكن أن يكون سابقًا.
لا أعتقد أن الاعتراض على قيادة المرأة، كان خوفًا من قيادة المرأة ذاتها، بل هو رمز للخوف من حرية المرأة، أو ربَّما من تمردها واستقلالها، واعتقاد بأن هذا الأمر قد يؤثر سلبًا على المرأة، كما اعتقدوا – سابقًا – بأن التعليم ربَّما يؤثر عليها ويفسد أخلاقها. أمَّا في ظل هذا التفتح والتطور الذي وصلنا إليه، فلا أعتقد أن معارضًا لهذا الأمر سوى من كان في قلبه مرض، أو من كان يملك عقلية (ديناصورية) عفا عليها الزمن.
لكن: هل يعد قرار السماح للمرأة بالقيادة أيقونة لتمكين المرأة فعلاً؟ لا أعتقد ذلك، فالكل كان يعلم أنه أمر آتٍ لا محالة، طال الزمان أو قصر. هل يعد هذا القرار مهمًا وتاريخيًا، وكما يزعم البعض (منصفًا للمرأة)؟ الحقيقة، لا. فالمملكة العربية السعودية كانت الدولة الوحيدة في العالم التي تحظر قيادة المرأة، وبذلك تأخرت المرأة السعودية في نيل هذا الحق نحو قرنٍ من الزمان (المرأة المصرية كانت أول امرأة عربية قادت السيارة عام 1920م، والمرأة البحرينية كانت أول امرأة خليجية عام 1945م)، لكن لو لم يصدر هذا القرار الآن، لكان حجبه أمرًا معرقلاً لمنظومة الإصلاحات التي نسعى إليها؛ لذلك أتى القرار في وقته المناسب، حتى ننتهي من هذا الموضوع ونضعه وراء ظهورنا ونلتفت لغيره من الإصلاحات ماضين نحو “رؤية السعودية 2030”.
مما يستحسن ذكره هنا، أن المرأة في القرى الصغيرة والمناطق الريفية، بل وحتى في بعض المناطق السكنية أو الأحياء الخاصة، تقود السيارة في وضع طبيعي لا ينكره أحد، ولا يتعرض لها القانون رغم عدم امتلاكها رخصة، بسبب قبول هذه المجتمعات وعدم ممانعتها.
لكن، ما جعل هذا الحدث يبدو بتلك الأهمية، أن فيه كسرًا لعادات المجتمع التي ألفوها، وعودة إلى الدين الوسطي، ثم إن الأحداث والصراعات والمقدمات التي سبقت هذا القرار، هي ما جعلت منه حدثًا مهمًا.
هل المجتمع مستعد تمامًا للتغييرات الآتية بما فيها قيادة المرأة؟ بالتأكيد لا، كما لم يكن مستعدًا في السابق لتعليم المرأة، ولا لدخول القنوات الفضائية، ولا ابتعاث المرأة، ولا دخولها مجلس الشورى… الوعي المجتمعي صعب التغيير، لا سيَّما لو رُبِط بشكل أو بآخر بالدين، ولا سيَّما لو كان النسيج المجتمعي كثير التشابه في خصائصه، ولو جعلنا الوعي الجمعي مؤشرًا للتطوير، لوقفنا مكاننا ردحًا من الزمن.
لكن، مما كان له أثره في تقبّل القرار والارتياح له، هو صدور نظام مكافحة التحرش قبل بدء قيادة المرأة، فقد جاء لضبط القيادة كمساند أخير لهذا القرار، يساعد كثيرًا في تقبل التغيير.
ومما يجدر التنبه له، أن القرار ليس مقتصرًا على جلوس المرأة خلف المقود فقط، بل إن له أبعادًا أخرى تتمثل في: سهولة تنقل المرأة، والحد من استهلاك الوقود، وإمكانية استخدام الدراجات النارية، وزيادة فرص العمل للنساء. ومن أراد أن يتخيل فرص العمل الممكن طرحها للنساء، فليتصور جهازًا بحجم (إدارة المرور) قائمًا بكامله على الخدمات الخاصة بالمركبات وقائديها، ناهيك عن البعد الاقتصادي في بقاء الأموال داخل البلد، مما ينعش الاقتصاد بعيدًا عن النفط ويساهم في إلغاء مركزية الدخل.
ولا بدَّ هنا من أن أذكر أن بعض ردود الفعل، رغم تأييدها المطلق لقيادة المرأة، فإنها تحمل تشككًا ضمنيًا، فالمبالغة في تشجيع المرأة على القيادة، وحثها على اتخاذ الاحتياطات الأمنية لسلامتها، بل وإقرار البعض بعزمهم تغيير طريقة قيادتهم، هو اعتراف ضمني بعدم وجود الثقة المطلقة بعد.
نعم، ستحدث أخطاء كثيرة، لكن أن نلحظ الخطأ ونُعِد له، ثم نعدله، يعني أننا نسير في الطريق الصحيح، نحتاج وقتًا فقط.
ختامًا.. هل يُعدّ قرار قيادة المرأة للسيارة أيقونة لتمكين المرأة؟ لا أعتقد ذلك، فأنا أزعم أنه أقل من أن يكون كذلك، لكنه الخطوة الأولى من خطوات الإصلاح والتطوير، فأهمية القرار أنه بداية لقرارات أخرى ومرحلة جديدة.. ما زال الطريق طويلاً، لكننا سنقطعه بقفزات ونسبق غيرنا.
عضو هيئة تدريس في جامعة الملك سعود*
@i_beera
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر