سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
جوزيف يون
اجتذبت القمة المزمع عقدها بين الولايات المتحدة وكوريا الشمالية، خلال الأسابيع الأخيرة، قدرًا كبيرًا من الاهتمام والتساؤل حول: إن كان الاجتماعبين الرئيسين الأميركي دونالد ترمب، والكوري الشمالي كيم جونغ أون، سيعقد أم لا. لكن هذا الاهتمام الشديد بتلك المسألة، يصرف الأنظار عن القضية الأساسية، وهي: ماذا يجب التوصل إليه حتى يمكن وصف القمة بالناجحة بين واشنطن وبيونغ يانغ؟
إن التوصل إلى اتفاق موضوعي ومرضٍ بين الجانبين، يمثل تحديًا على درجة كبيرة من التعقيد، حيث ينطلق الطرفان من مواقف متباينة بشدة، بينما يسعيان بكافة السبل إلى تحقيق نتائج مختلفة تمامًا.
فكما أوضح ترمب، فإن نجاح الحوار مع بيونغ يانغ، يعني “إخلاءً شاملاً من الأسلحة النووية، وبدرجة يمكن التحقق منها، على ألا يتم التراجع عنه”. وهي العبارة التي يصعب فهمها؛ إذ من شأنها أن تثير حساسية لدى الجانب الكوري الشمالي كلما أتى ذكرها. أمَّا بالنسبة لـ”كيم يونغ أون”، فإنه يركز على بقاء نظامه، بداية من الشرعية الدولية، ثم تخفيف العقوبات الاقتصادية.
وقد ظل هذا التباين في الأهداف بين واشنطن وبيونغ يانغ، ثابتًا على مر السنين، حتى إنه كان يمثل عائقًا أمام كافة الاتفاقيات التي توصل إليها الطرفان، منذ الجولة الأولى من المفاوضات الثنائية لنزع السلاح النووي، في أوائل التسعينيات.
إلا أن الفترة الأخيرة، شهدت حالة من التفاؤل، وبخاصة منذ سبتمبر الماضي، حينما أجرت كوريا الشمالية اختبارًا ناجحًا لأحد مفاعلاتها الحرارية، مما أسفر عن انفجار تتجاوز قدرته خمسة عشر ضعف القنبلة التي ألقيت على مدينة هيروشيما اليابانية عام 1945، ثم أعقبت بيونغ يانغ ذلك، بإطلاق تجربة صاروخية من طرز “هاوسينج 15” Hwasong-15 ICBMالقادرة على الوصول إلى أي مكان تقريبًا في الولايات المتحدة.
وفي الوقت نفسه، أطلق دونالد ترمب، حملة واسعة مضادة للاقتصاد الكوري الشمالي، حتى فاقت فعالية تلك الحملة تأثير العقوبات السابقة، فضلاً عن ذلك، فقد حذّر ترمب من رد عسكري أميركي غير مسبوق، وهو ما هزّ كلاً من الصين وكوريا الجنوبية للتحرك في مواجهة تباطؤ الزعيم الكوري الشمالي.
وقد تبيّن أثر ذلك في إحداث درجة معقولة من التوافق بين الجانبين، وهو ما ينعكس – بالضرورة – على الرؤى التفاوضية لهما.
إذ يرى ترمب أن لديه أوراقًا تفاوضية جيدة؛ فقد عوقب “كيم” بشدة إلى درجة أنه كاد يتخلى عن أسلحته النووية.
وعلى الرغم من أن رئيس كوريا الجنوبية “مون جاي إن”، يرى أن “كيم” جادًا في رؤيته تجاه نزع السلام النووي، فإنه يتضح أنه مُقدِم على المفاوضات من قناعة بأنهكرئيس لدولة نووية، وأنه في موقع قوة. إذ يتساءل في عقله: لماذا يوافق رئيس الولايات المتحدة على لقائه وجهًا لوجه، وهو الهدف الذي لم يتمكن والده وجده من تحقيقه أبدًا؟
وفي ضوء تلك الفجوة بالمدركات بين الجانبين، ماذا يمكن أن نتوقعه من هذه القمة بشكل واقعي؟
فمهما كانت وعود ترمب، فلن توافق كوريا الشمالية على ما يدور في ذهن مستشار الأمن القومي الأميركي “جون بولتون”، أن بيونغ يانغ ستتخلى تمامًا عن ترسانتها ومعداتها النووية، وأنها ستجمعها وتقوم بشحنها إلى “أوك ريدج” (هي مدينة تقع في مقاطعة بولاية تينيسي وسط شرق الولايات المتحدة).
حتى ترمب نفسه، يعترف بأن ذلك ليس مطلبًا واقعيًا، وهو يمكن أن يمهد لنزع مرحلي للسلاح النووي، حينما قال في مؤتمر صحافي مع نظيره الكوري الجنوبي بتاريخ 22 مايو، إنه حان الوقت الذي يفضل فيه الدخول في اتفاق بشأن صفقة شاملة “all-in-one”. وفي الوقت نفسه يدرك “كيم” أنه في حاجة للتخلي عن شيء ما للحصول على المعونات الاقتصادية التي يريدها.
وعلى صعيد نزع التسلح النووي، هناك مؤشرات إيجابية من بينها إحياء ذكرى التوقف الاختياري الذي قامت به كوريا الشمالية على تجارب الصواريخ النووية والباليستية وفتح المنشآت النووية لدى بيونغ يانغ للتفتيش والرصد من جانب الوكالة الدولية للطاقة النووية.
ومن الخطوات الصعبة جدًا، لكنها مهمة وضرورية، نجد تقديم توضيح وحساب صحيح لكافة المواقع النووية لدى كوريا الشمالية ورصيدها من المواد المشعة. وكثيرًا ما عارضت بيونغ يانغ، تقديم تلك المعلومات بشدة في الماضي، وهو ما أدى إلى انهيار الإطار المتفق عليه خلال المحادثات السداسية التي شهدها عام 1994.
لكن هذا الإعلان، مصحوبًا بالاتفاق على التحقق الكامل، من شأنه أن يحدد مدى جدية دعاوى الرئيس الكوري الشمالي، وصِدق مساعيه نحو نمط جديد من العلاقات مع الولايات المتحدة، إذ يرى “مون” أن واشنطن يجب أن تصدق بيونغ يانغ هذه المرة.
وبجانب الخطوات الفورية، فإن المفاوضات يجب أن تسفر عن مسار زمني واضح، لهدف محدد، وهو تعطيل وتفكيك كافة المنشآت النووية لدى كوريا الشمالية، وكذا المنشآت المضادة للقذائف، والمواد والأجهزة النووية.
فإذا وافق “كيم” على جدول ذمني، بحلول 2020 مثلاً، فستتوقف أصوات المشككين في واشنطن وسيول وطوكيو، على الرغم من تأكيدهم الدائم على أن أهم شيء هو التنفيذ، وليس مجرد التوصل لاتفاق. وبشكل أكثر واقعية، فإن الولايات المتحدة، عليها أن تبدأ في عملية جادة للتوصل إلى ذلك.
وعلى الجانب الآخر، ما الذي سيحصل عليه “كيم” في المقابل؟ إن أكبر المكاسب تتمثل في لقائه بالرئيس الأميركي، وهو ما يحمل إشارة إلى الاعتراف بما سعى إليه الكوريون الشماليون منذ عقود.
ولقد أكد وزير خارجية كوريا الشمالية، خلال الاجتماعات، أن الحوار بين الزعيمين من شأنه أن يكسر الجمود في الملف النووي.
أمَّا على المستوى الدبلوماسي، فينبغي لكلٍ من واشنطن وبيونغ يانغ، تأكيد جديتهما في تطبيع العلاقات بينهما من خلال إعلانهما إنهاء حالة الحرب وفتح مكاتب الاتصال بواشنطن وبيونغ يانغ. ولتوفير الضمان المطلوب، فإن على واشنطن التخلي عن أي نوايا عدوانية، وأن يدخل الطرفان في مفاوضات خاصة بمعاهدة سلام فيما بينهما.
ومن الناحية الاقتصادية، سوف تتلقى كوريا الشمالية، مساعدات إنسانية، سواء من الولايات المتحدة، أو كوريا الجنوبية، والمجتمع الدولي. وهنا ينبغي أن يحدث توافق يدفع في اتجاه تخفيف العقوبات بالتوازي مع التقدم الذي حدث في الملف النووي.
أمَّا على الجانب العسكري، فينبغي للبنتاجون أن يراجع خططه المستقبلية الخاصة بالمناورات المشترك بين الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية في أغسطس المقبل، وبخاصة التدريبات المتصلة بالأصول الاستراتيجية، مثل القدرة على توصيل الأجهزة النووية. وقبل كل شيء، ينبغي للقمة أن توفر عملية دبلوماسية تفاوضية بخصوص معاهدة سلام من شأنها إنهاء الحرب الكورية رسميًا.
لا يعد ذلك عملية سهلة، إذ ربَّما تستغرق سنوات. لذا، فمن المتعين على الدبلوماسيين الأميركين، بقيادة وزير الخارجية “مايك بومبيدو”، أن يركزوا، خلال المرحلة القادمة، على صياغة رؤية واسعة لمستقبل العلاقات بين الولايات المتحدة وكوريا الشمالية، وكذا على الإجراءات الفورية اللازمة في النهاية، بغية التوصل إلى اتفاق تحصل من خلاله واشنطن على نزع السلاح النووي، مع ضمانات أمنية تحصل عليها بيونغ يانغ. عندئذٍ يمكن للجانبين سد الفجوة بين ما يأملان في تحقيقه وما هو واقع فعلاً.
إعداد: وحدة الترجمات بمركز سمت للدراسات
المصدر:.foreignaffairs.
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر