سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
ربما يرى كثيرون أن التكنولوجيا الحديثة أفسدت اللغة؛ فلم يعد الأطفال يجيدون الكتابة إلا من خلال الرسائل النصية، ويتعاملون مع القواعد النحوية بمنطق “فلتذهب إلى الجحيم”، وأصبحت قدرتهم على كتابة أفكارهم الخاصة لا تتخطى مساحة تغريدة قصيرة. أما علماء اللغة فما زالوا يرفضون الاعتراف بالأمر، ويأكدون أن اللغة باقية ببقاء الإنسان، وربما يتفوه الأطفال بكلمات غريبة مثل “”LOL؛ للتعبير عن دهشتهم، لكن الأمر لا يتجاوز كونه مجرد ظاهرة هامشية.
وفي دراسة أجرتها جامعة كامبريدج، تمت الاستعانة بنماذج الاختبارات التي يجيب عنها الطلبة، والنتيجة كانت مطمئنة إلى حد ما؛ فالطلاب لم يلجؤوا إلى استخدام اللغة التي اعتادوها في الرسائل النصية للإجابة عن الاختبارات. كما قامت جريتشين مكولوتش، كاتبة الأعمدة الصحفية والمدونة الشهيرة، وهي أحد هؤلاء الشباب الذين تربوا في بيئة تستخدم الإنترنت بشكل كثيف، بإصدار كتاب تحاول من خلاله التركيز على هذه القضية تحت عنوان “ما تسبب فيه الإنترنت”.
وبدلًا من الهجوم على الإنترنت واتهامه بالتسبب في ضياع اللغة، ركَّزت مكولوتش على ما يمكن أن نتعلمه من الطريقة التي أثَّر بها الإنترنت على اللغة. وتقول مكولوتش إن هناك مثالًا جيدًا لتفهُّم هذا الأمر: حينما يقوم علماء الأحياء بتنمية سلالات البكتيريا، فإنهم يعلمون أنه في فترة زمنية قصيرة ستنمو لديهم عدة أجيال متعاقبة من البكتيريا، ونظرًا لعمر البكتيريا القصير فإنها تبدأ حياتها وتموت بعد إنتاج الجيل التالي، ولا يستغرق ذلك إلا زمنًا يسيرًا.
الأمر نفسه ينطبق على دراسة تأثير الإنترنت على اللغة؛ فالتوجهات العامة على شبكة الإنترنت تولد وتموت في فترة زمنية قصيرة، وكذلك تنشأ المنصات الإلكترونية وتختفي في زمن قصير. هذه الأمور، ولحسن الحظ، تُسَهِّل مهمة اللغويين؛ حيث يمكنهم متابعة التغيُّرات الدينامية السريعة التي تحدث في اللغة، والتي يمكن أن تستغرق زمنًا أطول بكثير في الظروف العادية.
وبالنظر إلى الفرق بين “فيسبوك” و”تويتر”، نجد الأخير يضم مجموعات متفاوتة من البشر؛ ولذلك يتسبب في إحداث تغييرات في اللغة بشكل أعمق مقارنة بـ”فيسبوك” الذي يتكون في أغلبه من مجموعات صغيرة قريبة الصلة. أما الرموز التعبيرية (الإيموجي) التي يستخدمها الناس على مواقع التواصل الاجتماعي بصفة عامة فهي تعكس أشياءً مشتركة بين البشر كافة. فجميعنا يستطيع أن يفهم ما تعنيه إشارة رفع إصبع الإبهام، غير أن هناك مَن حاول تكوين جملة كبيرة مفهومة بالاستعانة بالرموز التعبيرية فقط. لكن الأمر كان صعب الفهم.
فالرموز التعبيرية ليست إلا شكلًا من أشكال التعبير عن حركات جسدية؛ أي أنها معادل إلكتروني لهذه الحركات. وهي في الأصل شكل من أشكال الخطاب المتعارف عليه بين الناس؛ كالإيماءة واقتضاب الوجه والإشارة إلى شيء ما، وهي تعبيرات تلقائية ومتنوعة بدرجة كبيرة.
وبتأمُّل ما يحدث على شبكة الإنترنت، سوف تجد الناس يميلون إلى الجمع بين عدة رموز تعبيرية في جملة واحدة، غير أن الأمر يبدو مضحكًا حين يفشل المرء في توصيل ما يريده إلى الطرف الآخر، لذلك يتم استخدام الإيموجي كرموز منفصلة أكثر بكثير من استخدامها في جمل متصلة طويلة.
ابتكارات جديدة قديمة
هناك بعض الابتكارات الأخرى التي يستخدمها جمهور الإنترنت؛ لكنها ليست جديدة على كل حال، فالفلاسفة مثلًا كانوا قد سبقوا إلى استخدام بعض الإشارات للتعبير عن السخرية؛ كعلامة استفهام مقلوبة وعلامة تعجب تنظر إلى الأسفل، وذلك قبل أن يستخدم جمهور الإنترنت علامة “التيلدي” المشتقة من طريقة الكتابة الإسبانية للتعبير عن السخرية.
إن الإنترنت هو وسيط جديد لـ”اللغة” وليس لغة جديدة؛ فعبر الألف عام الماضية كان يتم استخدام الكلام المنطوق أكثر من الكتابة. وبالنسبة إلى معظم التاريخ الإنساني، كان البشر أُميين تمامًا، لكن ما حدث في العصر الحديث هو الاهتمام غير المسبوق بالكتابة. فمنذ عصر المطابع والتعليم النظامي أصبحت الكتابة مقياسًا أوليًّا للكلام ينبغي احترامه من الجميع، ومن ثَمَّ ينطبق ذلك على اللغة.
وربما ينظر المؤرخون في المستقبل إلى عصر تبجيل قواعد الكتابة على نحو مختلف، وقد يعتبرونه مجرد شذوذ عن القاعدة. وفي العصر الذي نحن فيه يقوم الناس بممارسة القراءة والكتابة على نحو استهلاكي، وبالتالي تكثُر الأخطاء وتتعرض الكتابات نفسها إلى الزوال. ومن المدهش أن مستخدمي الإنترنت يدركون هذه الحقيقة أيضًا، وهم بالتالي يتعمدون الأخطاء الكتابية والرموز الغريبة والتعبيرات التي تبدو بلا معنى، هذا إلى جانب منحها حس المرح والفكاهة والتعبيرات الحية.
المصدر: كيو بوست – خدمة إيكونوميست
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر