هل يمكن قياس مدى تخطي المجتمع للفكر المتطرف واستجابته للمسلك الإنساني؟ | مركز سمت للدراسات

هل يمكن قياس مدى تخطي المجتمع للفكر المتطرف واستجابته للمسلك الإنساني؟

التاريخ والوقت : الخميس, 3 يناير 2019

عبدالله الذبياني

 

هل تخطى السعوديون فعلاً الصحوة؟ وهل يملك المجتمع الآن فعلاً أرضية صلبة يستند إليها لضمان عدم عودة هذا الفكر الذي أوقف عجلته ثلاثة عقود و(طمس) تنوعه الثقافي وحجب بُعده الحضاري عن العالم، فضلاً عن التشوهات التي حدثت في إنسانية المجتمع.

مثل هذا التساؤل يحتاج – ربَّما – عقدًا على الأقل لنصل إلى الإجابة القاطعة فيه، وفقًا لطبيعة الدراسات الاجتماعية التي لا يمكن القطع فيها في وقت قصير، ليس هذا فحسب، بل إن العقد محل الدراسة يفترض أن يشهد متغيرات وتحديات سياسية واجتماعية واقتصادية، لنعرف ما إذا كان المجتمع سيصمد أمامها وفق آليات وأدوات جديدة مدنية، أم سيترك الساحة أمام هذه التحديات للفكر الصحوي ليجد مساحة للتحرك والظهور مجددًا ويستنبت نفسه وسط المجتمع، استنادًا إلى أن الأفكار الظلامية والفكر الصحوي (محل الحديث) ظهر في صورته الأولى نتاج تحديات سياسية واقتصادية واجهتها الدولة، ممثلة في نشوء الدولة الدينية (على المذهب الشيعي) في إيران، وحركة جهيمان في الحرم المكي.

فإذا اعتبرنا سنة الأساس لانتهاء الصحوة في السعودية، هو حديث ولي العهد محمد بن سلمان، في أكتوبر2017 حين كان في لقاء (نيوم)، فإنه من المنطق ألا نقيس فعلاً نهاية هذا الفكر قبل 2027.

وكما قلنا من ناحية فكرية راسخة لا يمكن قياس ذلك في فترة وجيزة، إلا من باب التفاؤل أو استخدام البحث عن طريق المشاهدة العامة، وهي لن تعطي نتائج قطعية، حتى وإن كانت معطيات تجاوز هذا الفكر تظهر في السلوك العام للمجتمع متمثلاً في حضور الحفلات الغنائية وتقبل غناء السيدات في الحفلات العامة مثلاً، أو التعامل مع قيادة المرأة للسيارة، أو التصالح مع تدريس الفلسفة والقانون في مدارس التعليم العام.

لكن، ماذا يمكن أن نفعله خلال هذا العقد لمعرفة استجابة المجتمع أو عدمه، للخروج من الفكر الصحوي والتطرف الديني ومدى استجابته للمسلك الإنساني الذي أصبح هدفًا للدولة في إطار تحقيق رؤية طموحة لا يمكن لها التحقق من الناحية الاقتصادية والاجتماعية مع وجود فكر انعزالي مرتاب من الانخراط في العالم؟

نقول – ربَّما – من المناسب في ذلك هو إيجاد مؤشرات قياس للمتغيرات التي يمكن ملاحظتها في المجتمع، وهذا المؤشرات بالقدر الذي ستمنحك رؤية منهجية عن حركة المجتمع، فإنها في ذات الوقت ستعطي صناع القرار أو المجتمع نفسه، فرصة لمعالجة الأمر في حين كانت بعض المؤشرات تعطي نتائج سلبية أو تظهر جمودًا في حركته.

مؤشرات القياس هذه من الأجدر أن تأخذها على عاتقها مؤسسات علمية محايدة هاجسها معرفة النتيجة من وجهة نظر علمية، قد تكون الجامعات بكلياتها المتخصصة في الدراسات والاجتماعية مناسبة لمثل هذه المهمة، وقد تكون مؤسسات المجتمع المدني، وهي نادرة لدينا. ويمكن ملاحظة هذه المؤشرات سنويًا لقياس مدى التغير الاجتماعي الملاحظ، على أن تكون مؤشرات قابلة للقياس رقميًا، وتستند إلى استطلاعات منهجية أو ملاحظات محددة الزمان والمكان. من المهم ألا نكتفي بالدراسات التي تجري من قبل مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني، وإن كانت تظل مهمة ومؤشرًا يمكن القياس عليه.

سيكون من المؤكد لكل جامعة أو مؤسسة مجتمع مدني، أو مراكز بحث تنخرط في مثل هذه الدراسات، مؤشراتها التي ترى أنها أقرب للقياس وأقرب لمعرفة التغيرات الحقيقية في المجتمع. لكن، ربَّما هناك مقترحات في هذا الصدد نسوقها لمزيد من البحث والدراسة، وهي في كل الأحوال عامة تتطلب تفكيكها من الجهات التي تنوي قياس المجتمع وتضع الأدوات التي تستخدمها في القياس. علينا ألا نركن إلى مقالات الرأي والرؤى الفردية تجاه التغيرات الاجتماعية، فهي لا شك تأخذ بمنهج الملاحظة الذي يُعدُّ منهجًا علميًا، لكن كوننا أمام دراسة اجتماعية فكرية، فإن الأمر يتطلب دراسة علمية طويلة المدى، وهي أيضًا ستكون سندًا لصناع القرار لاتخاذ ما يناسب في الوقت المناسب.

المؤشرات المقترحة للقياس سنويًا على مدى عقد كامل بشكل تكراري كل سنة أو كل ستة أشهر:

1 – ما مدى استعداد المواطن السعودي للاشتراك في جماعات خارجية للقتال في دول أخرى تحت ذريعة الجهاد؟ (يمكن أن يتم ذلك وفق استبيان يستطلع رأي طلاب الجامعة أو أي فئة تجاه قضية محددة تكون بارزة في حينها، ويتم تكرارها سنويًا لقياس مدى التغير إيجابيًا أو سلبيًا).

2 – ما مدى استناد المواطن السعودي للفتوى الدينية لاتخاذ موقف تجاه أي قضية أو حالة داخلية أو خارجية؟ (أيضًا يمكن استطلاع ذلك من خلال قضية معينة تظهر في فترة القياس).

 3 – مدى تفاعل المواطن السعودي مع القضايا الداخلية مقابل تفاعله مع القضايا الخارجية التي تصدر إليه أو تصله في صورة دينية، مثل مزاعم اضطهاد المسلمين في دولة ما. (ويمكن تتبع ذلك من خلال منهج علمي في مواقع التواصل الاجتماعي باستخدام الأدوات التقنية والعلمية في فترة محددة وتجاه قضية أو قضايا معينة في فترة محددة سلفًا لتحقيق شروط المنهج العلمي).

4- هل يعتقد المواطنالسعودي أن المذهب الديني الذي يتبعه له علاقة بفرصته في الحصول على عمل؟

5- هل يراعي السعوديون مدى الالتزام الديني لدى الشخص في مسائل الزواج، أم يتأخر هذا العامل مقابل عوامل أخرى تتعلق بالتأهيل العلمي والوظيفة؟

الخلاصة:

الخروج من نفق (أو سرداب) الصحوة وضرورة قياسه وملاحظته ومعالجة تحدياته، ليس هدفًا اجتماعيًا فحسب، بل إنه هدف اقتصادي تنموي، فلا يمكن تحقيق الرؤية الطموحة التي تستند إلى العمق الحضاري للمجتمع وتستهدف الانفتاح على العالم اجتماعيًا واقتصاديًا، لا يمكن تحقيقها مع وجود ذهنية اجتماعية انعزالية ترتاب من الآخر.

دراسة:

بقي أن نشير إلى أن مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني، نشر مطلع العام الماضي، دراسة حول واقع التعايش الاجتماعي في المملكة عن استعداد السعوديين للتعايش في ظل التنوع المذهبي، إضافة إلى قدرتهم على الانسجام في التعاملات الاقتصادية والاجتماعية.

أكدت نتائج الدراسة الاستعداد العالي لعينة البحث لبناء علاقة تعايش وتواصل مع الآخر المختلف مذهبيًا، حيث أشار 95% منهم إلى أنهم يحبون الخير للجميع بغض النظر عن دينهم أو مذهبهم، فيما أكد 95% أنهم يحترمون الوفاء بالوعود والعهود والمواثيق مع الآخر المختلف معهم مذهبيًا، في حين لفت 88% إلى أنهم يتعاملون بطريقة إيجابية مع الآخر مهما اختلف معهم في وجهات النظر، بينما قال 90% إنهم يحاولون الابتعاد عن كل ما من شأنه أن يثير الضغائن بينهم وبين المختلف معهم مذهبيًا، فيما أبدى 84% تقبلهم لأن يكون زملاؤهم في العمل على غير مذهبهم.

وفي شأن الاعتراف بالآخر المختلف مذهبيًا، أقر 82% بحرية الآخر في اعتناق المذهب الذي يختاره دون إكراه، فيما أكد61% أنهم لا يمانعون من وجود أماكن للعبادة للمختلف معهم مذهبيًا. وفيما يخص العلاقات الاجتماعية من مجاورة وتزاوج ومصاهرة مع الآخر، أكد77% عدم ممانعتهم من السكن في عمارة يكون أحد جيرانهم فيها على غير مذهبهم، فيما رفض55% مصاهرة الآخر المختلف معهم مذهبيًا. وأمَّا ما يتعلق بالمعتقدات المذهبية، فقد أكد81% أنهم ينظرون إلى معتقدات الآخرين على أنها خصوصية ثقافية، فيما قال 72% إنهم يحترمون عقيدة الآخر ولا يمانعون في ممارسة حقه في العبادة في الأماكن العامة.

 

كاتب وباحث سعودي*

@abdullah_athe

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر