هل يمكن إحداث شرخ في عقيدة “داعش”؟ | مركز سمت للدراسات

هل يمكن إحداث شرخ في عقيدة “داعش”؟

التاريخ والوقت : الأحد, 26 فبراير 2017

ميرفت محمد

 

ترك الشاب العراقي “عمار حسين” من يده مصحفه الصغير داخل زنزانته بأحد سجون المخابرات الكردية، ثم خرج لإجراء لقاء صحفي مع وكالة رويترز، كان هذا “الداعشي” جريئا  جدًا في الحديث عن  اغتصابه لأكثر من 200 امرأة من الأقليات العراقية، تمكن من فعل ذلك لكونه يملك “ضوءا أخضر” من أمرائه و قادته العسكريين الذي حللوا هذه الكبائر كمفتين لـ”تنظيم الدولة”.

    لم أرَ جرمًا أقبح من جرم ارتكاب هذه الجرائم إلا جرم عدم الندم أو “الإيمان” بأن ما ارتكب هذا الشاب العراقي مباح في الشريعة الإسلامية، لقد قال حسين عن جرائم القتل التي ارتكبها “كنت أُجلسهم وأعصب أعينهم وأطلق النار على رؤوسهم. لقد كان الأمر طبيعيًا”، المصيبة في أن هذا الذي كان بالأمس كأي شاب يتوسط سكان مدينة الموصل في شؤون الحياة يرى الأمر طبيعيًا !!، فبينما يختار التنظيم مقاتليه الجدد، حسب نظام تدقيق صارم يأمن بالأساس موالاتهم له، كنا نحن لا ندقق في خبايا هؤلاء وإمكانية أن يتحولوا بسهولة لقنابل متطرفة ترى في قتل المسلمين الأمر المباح، تذكرت حينها هذا الشاب الهادئ صاحب العشرين عامًا بالأكثر الذي كان يبيع لنا الحلوى في محل تجاري يقبع داخل سوق “عمر المختار”، قال لي أنه معجب بـ”داعش” وأن هذا العالم يلزمه مثل هؤلاء حتى ينضبط، لم تنجح محاولتي العابرة في إصلاح فكره، فقد كان كغيره من الشباب الذين يعيشون ظروفا اقتصادية واجتماعية وسياسية صعبة، يرى الحل في تنظيم نجح في إقناع الجميع بأنه يملك مباشرة المال والسلطة والسلاح، وهو وجد نفسه عاملا لا يقل عدد ساعات عمله عن 14 ساعة يوميًا براتب لا يكفي لشراء مستلزماته اليومية.

    قرأت كثيرًا عن وسائل التنظيم  في “غسيل الأدمغة” لإقناع الآخرين بالانضمام إليه، وكيف سخر “تنظيم الدولة” لهذا الأمر قدراته المادية والبشرية لاستقطاب أكبر عدد ممكن من الناس إليه، فالخبراء يقولون أن التنظيم ينشر يوميًا ما يقرب من 250 ألف تغريدة على مواقع التواصل الاجتماعي تويتر و فيسبوك للاستقطاب وزيادة عدد الداعمين لأفكار التنظيم.

ثمة أخبار أكثر وجعًا تلاحقني وتتحدث عن ارتكاب هؤلاء لأبشع الجرائم في الوطن المنكوب “سوريا”، أنهم لا يقتلون “الشيعة” ولا “العلويين” و لا “كتائب نابليون” المسيحية، بالأمس ضجت وسائل الإعلام خاصتهم بصور مؤلمة للغاية ظهرت  فيها عشرات الرؤوس المقطعة للمعارضين السوريين والمدنيين في ريف درعا الغربي في معركة يخوضها الجيش الحر مع هذا التنظيم، فكيف يدفع “الحكم بما أنزل الله” تلك البنية الفكرية لجهاد التنظيم لفعل تلك الجرائم، أنه كما يقول الباحث السوري معتز الخطيب عنهم : “يتم النظر إلى كل أحكام هؤلاء الحكام الكفار على أنها ساقطة وغير معتبَرة شرعًا، فلا تعود تنطبق عليهم أحكام “الإمامة” في الفقه الإسلامي، فتسقط كل أحكام الذمة ودار الإسلام والمعاهدات والقوانين وكل المنظومة السياسية المعاصرة”.

    وأمام كل الحلول المقترحة من أدمعة خبراء الأمن لإحداث شرخ بشأن عقيدة التنظيم، كونهم ما يزالون قادرين على سلب عقول المزيد من المنضمين الجدد، أجد أن أمر الحفاظ على الشباب في مجتمعاتنا العربية يقع على كل كاهل الأسرة التي هي الأساس في بناء توجهات الأفراد من خلال التنشئة الاجتماعية، و توجيه الاهتمام بالنشء، فالانحراف الفكري الآخذ مداه نحو الغلو والتطرف يجبر الأسرة كطرف أول معني بالحفاظ على أفرادها  في التكاتف من أجل الوقاية من الوقوع في متاهات الانحراف والإرهاب، فهذا التيار المتشدد بعقيدته الصارمة والبراغماتية مصر على نهب عقول شبابنا لتحقيق أهدافه المدمرة التي تنتهج زورًا “الحكم بما أنزل الله”، وهو أمر لا يعفي مؤسسات الدولة من العمل لإنقاذ شبابنا من هذا التطرف البشع.

صحفية وباحثة فلسطينية*

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر