في ذروة الجدل حول “بريكست” كانت المشاعر جياشة إلى درجة أن بعضهم كان يتحدث عن “حرب أهلية جديدة في إنجلترا”. لا تزال هذه المقارنة تثير اهتمامي لسبب واحد محدد: الطرف الذي ربح الحرب الأهلية خسر في النهاية. لقد أعدم الملك تشارلز الأول عام 1649. وبعد 11 عاما، قرر الإنجليز أنهم ارتكبوا خطأ وأعادوا النظام الملكي.
هل يمكن أن يحدث تراجع مشابه مع بريكست؟ أعتقد ذلك.
بعد سبعة أعوام من استفتاء 2016، وثلاثة أعوام بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي بالفعل، تغير الرأي بشكل ملحوظ. كما كتب الأكاديمي ماثيو جودوين مؤخرا، فإن نحو 60 في المائة من البريطانيين يعتقدون الآن أن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي كان قرارا خاطئا وسيصوتون للانضمام مرة أخرى إلى الاتحاد الأوروبي في حال جرى استفتاء ثان. يظهر متوسط استطلاعات الرأي الأخيرة أن 58 في المائة من الناخبين لم يندموا على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي فحسب، بل يؤيدون بقوة الانضمام إليه مرة أخرى.
من السهل فهم السبب. تم الترويج لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي باعتباره وسيلة لضبط الهجرة وتحسين نظام خدمة الصحة الوطنية. لكن هيئة خدمة الصحة الوطنية الآن في وضع أسوأ بكثير مما كانت عليه عام 2016. ولا تزال الهجرة إلى المملكة المتحدة مرتفعة للغاية، حيث تم استبدال المهاجرين من الاتحاد الأوروبي إلى حد كبير بأشخاص من خارج الكتلة. ويتوقع صندوق النقد الدولي أن يكون أداء الاقتصاد البريطاني هو الأسوأ في العالم المتقدم هذا العام.
يشير خبراء علم السكان والاقتصاد إلى أن الرغبة في الانضمام مرة أخرى ستتعزز بمرور الوقت. فالناخبون الشباب هم الأكثر تأييدا للاتحاد الأوروبي. يرغب 79 في المائة من الشباب الذين تراوح أعمارهم بين 18 و24 عاما في الانضمام مرة أخرى. وللأسف، من المرجح أن يصبح الضرر الذي لحق باقتصاد المملكة المتحدة بسبب بريكست واضحا بشكل متزايد.
حتى الآن، لم تتغلغل هذه التغييرات في السياسة. أخيرا، ادعى دانيال هانان، أحد أبرز المدافعين عن “بريكست”، أن هناك “مؤامرة للانقلاب على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي”. يا ليت!
في الواقع، مع بقاء نحو عامين على الانتخابات، يقول حزب العمال المعارض إن التراجع عن “بريكست” أمر غير وارد –ولا يتحدث إلا عن “إصلاحات” للاتفاق الحالي. حتى المتشددين الباقين يتذمرون في كثير من الأحيان من أن الأمر سيستغرق جيلا قبل أن تتمكن بريطانيا من التفكير في الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي مرة أخرى.
لكن هذا أمر قدري ومتقبل للغاية للضرر المتزايد الذي يحدثه “بريكست”. كما يتجاهل السرعة التي تتحرك بها الأحداث والآراء.
الحقيقة هي أن “الإصلاحات” الهامشية لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي التي يفضلها حزب العمال قد لا تكون قابلة للتحقيق ولن تعوض عن الاستبعاد من السوق الداخلية للاتحاد الأوروبي. يبدو أن الجمهور أدرك هذا. في النهاية، سيتعين على السياسيين أن يتجاوبوا –وستصبح فكرة معاودة الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي سائدة. إن وجود أغلبية كبيرة لحزب العمال في الانتخابات القادمة سيجعل هذا التحول أسهل.
ستواجه أي حملة للانضمام مرة أخرى اعتراضين كبيرين آخرين. الأول والأهم، الادعاء بأن الاتحاد الأوروبي لا يريد عودة بريطانيا. الآخر، الحجة القائلة بأن البريطانيين سينقلبون على إعادة الانضمام، عندما يدركون ما ينطوي عليه ذلك.
توجد بالتأكيد معارضة أوروبية لعودة البريطانيين، لكن يمكن أن تكون مبالغا فيها. يقول ميشيل بارنييه، الذي قاد فريق الاتحاد الأوروبي المفاوض بشأن “بريكست”، إن الباب مفتوح أمام بريطانيا للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي مرة أخرى “في أي وقت”. وغرد جاي فيرهوفستادت، الذي كان رئيس لجنة “بريكست” في البرلمان الأوروبي، هذا الشهر: “لدي حلم. انضمام أوكرانيا وبريطانيا إلى الاتحاد الأوروبي في الأعوام الخمسة المقبلة”.
عندما اتصلت بفيليب لامبرتس، الرئيس المشارك للمجموعة الخضراء في البرلمان الأوروبي، وسألته عن انضمام بريطانيا مرة أخرى، أجاب: “سيكون هذا السيناريو الذي أحلم به”. يعتقد لامبرتس أن المجموعات السياسية الخمس الرئيسة في البرلمان ستؤيد جميعا عودة البريطانيين.
قد يكون لبعض الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، ولا سيما فرنسا، وجهة نظر مختلفة. يجادل الفرنسيون بأن البريطانيين كانوا مصدر ألم داخل الاتحاد الأوروبي وأن الكتلة عملت بشكل أفضل منذ خروج بريطانيا. لكن المعارضة الفرنسية للعضوية البريطانية تراجعت في السبعينيات، ويمكن أن تتراجع مرة أخرى.
مع ذلك، يحذر معظم المطلعين في الاتحاد الأوروبي من أن، هذه المرة، لن تعرض على بريطانيا أي صفقات خاصة. لن يكون هناك أي خصم في الميزانية ولا انسحاب من الفصل الاجتماعي. سيتعين على بريطانيا أن تقبل حرية تنقل الناس، وربما اليورو.
يعتقد بعض النقاد أنه بمجرد فهم هذه الحقائق، سيفقد البريطانيون حماسهم الأولي للعودة إلى الاتحاد الأوروبي. لكن هذا ليس بالضرورة هو الحال.
لقد تم دحض الفكرة القائلة إن مغادرة الاتحاد الأوروبي ستؤدي إلى الحد بشكل كبير من الهجرة. تبني المعايير الاجتماعية الأوروبية قد يرعب اليمين المحافظ، لكن من المحتمل أن يحظى بشعبية بين معظم الناخبين.
حتى اليورو قد لا يكون حجر عثرة أمام الاتفاق. لقد عارضت انضمام بريطانيا إلى العملة الموحدة قبل 20 عاما لأنه كان أمرا غير مجرب. لكن اليورو أصبح الآن عملة دولية راسخة، في حين يبدو الجنيه الاسترليني ضعيفا بشكل مزمن. يهتم الناخبون الشباب الذين يفضلون الانضمام مرة أخرى بقضايا مثل البيئة أكثر من اهتمامهم بالمفاهيم المجردة للسيادة.
كيف يمكن أن يتم ذلك؟ أؤيد عملية من استفتاءين. يمكن إجراء التصويت الأول عام 2026، بعد عقد من التصويت على المغادرة. وسيمنح ذلك ببساطة الحكومة البريطانية الإذن بفتح مفاوضات مع الاتحاد الأوروبي. وقد يؤدي التصويت القوي بالموافقة –لنقل 60 في المائة– إلى تهدئة بعض شكوك الاتحاد الأوروبي بشأن ما إذا كانت بريطانيا منقسمة إلى درجة تجعل من غير الممكن التعامل معها. ويمكن إجراء استفتاء ثان على شروط اتفاق إعادة الانضمام.
استغرقت بريطانيا 11 عاما لاستعادة النظام الملكي. لماذا لا نحاول كسر هذا الرقم –والتراجع عن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي خلال عشرة أعوام؟