سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
فريد زكريا
وسط موجة من الأخبار المتصلة بأقرب مساعدي الرئيس الأميركي “هوب هيكس”، و”جاريد كوشنر” صهر ترمب ومساعده، وطريقة عرض برنامج ترمب حول استخدام الأسبوع، سيكون من السهل تفويت الفرصة علىمايحدث في الصين التي تقوم – حاليًا – بإجراء التغيير الأكثر أهمية في نظامها السياسي منذ 35 عامًا. لكن يبقى السؤال مثارًا حول تأثير ذلك على الصين والعالم. وهو السؤال الذي يجب طرحه على صناع السياسات والمديرين التنفيذيين وكذلك المستثمرون.
يُذكر الرئيس الصيني السابق “دنغ شياو بينغ” عمومًا، أنه الرجل الذي بدأ الإصلاحات الاقتصادية في الصين. لكن ربَّما كان الأكثر أهمية في ذلك، هو إصلاحاته السياسية. فقد ورث نظامًا سيطر عليه رجل وحيد هو “ماو تسي تونج”، ثم أضفى الطابع المؤسسي عليه.
لكن، ربَّما كان التحول الأهم في عام 1982 عندما حدد الحزب الشيوعي الصيني فترة بقاء كل من الرئيس ونائبه في السلطة دستوريًا على فترتين متتاليتين، وهو ما جعل الصين تحتل مكانة فريدة من نوعها، أي أنها ديكتاتورية لكن لمدة محدودة. ففي معظم الأنظمة الاستبدادية، يظل الحاكم في السلطة، وعلى مر السنين يصبح أكثر غطرسة ويزداد فسادًا حينما يكون غير خاضع للمساءلة. لم يكن ذلك ممكنًا في النظام الصيني الحالي مما يحد من قوة أي فرد، حيث يركز بدلاً من ذلك على الحزب الحاكم.
لقد أنتج النموذج الصيني الفريد معجزة اقتصادية، حيث كان لدى البلاد على مدى عقود ثلاثة من الاختيار والتدرج والترقي على أساس الجدارة داخل الحزب الشيوعي، وكذلك التخطيط بعيد المدى، والسياسات الاقتصادية الذكية الداعمة للنمو. فمنذ عام 1978 زاد الناتج المحلي الإجمالي للصين بمعدل سنوي مذهل يبلغ حوالي 10٪، وهو ما يسميه البنك الدولي “أسرع توسع مستدام من قِبَل اقتصاد رئيس في التاريخ.”
لعقود من الزمان، بدت الصين أكثر مؤسساتية؛ فقد كان “دنغ” يمارس السلطة الحقيقية من وراء الكواليس أكثر من أي أحد آخر. وقد خلفه “زينج زيمين”، الذي شغل جميع المناصب الرئيسة عندما كان في السلطة. وبعد فترتي رئاسته، استمر “زيمين” في قيادة اللجنة العسكرية المركزية لسنتين أُخريين، كما بقي فيما بعد أكثر تأثيرًا، لكن بشكل غير رسمي. فعندما أنهى “هو جينتاو”، خليفة “زيمين” ولايته الرئاسية الثانية ، تخلى في الوقت نفسه عن أعلى منصب عسكري بالبلاد، وقد تخلى حاليًا عن السلطة تقريبًا. إلا أن هذا الاتجاه قد تغير رأسًا على عقب، إذ تمَّ إلغاء القيود الزمنية بشكل شبه مؤكد فيما يجعل “شي جين بينغ” رئيسًا للصين وسكرتيرًا عاما للحزب الشيوعي، وكذلك رئيسًا للجنة العسكرية المركزية لبقية حياته وهو في الرابعة والستين من عمره.
لقد كان قائدًا قويًا للصين، حيث تعامل مع اثنتين من أكبر المشاكل التي واجهت بلاده، وهما الفساد داخل الحزب الشيوعي، والتلوث الناجم عن النمو السريع للصين. ورغم الجهود الكبيرة التي قام بها، فإنه لم يتمكن من التغلب على العديد من التحديات الأخرى التي تواجهها الصين؛ فالإصلاحات الاقتصادية لا تزال متوقفة منذ فترة طويلة. كما يبرز تحد آخر يتمثل في تخفيض مستويات الديون المتزايدة، إذ يقول مؤيدو “شي” إن توطيد سلطته من شأنه أن يسمح له باتخاذ هذه الخطوات الصعبة والبدء في المرحلة التالية من الإصلاحات.
لكن التحدي الأكبر الذي يواجه الصين لا يتعلق بسياسات “شي” الاقتصادية، فقد كان الرجل مترددًا في اتخاذ تدابير صارمة لم تكن تلقى قبولاً على المستوى الشعبي، ولا حتى غالبية الحكومات في كل مكان، سواء كانت ديمقراطية أو ديكتاتورية. فالخطر الحقيقي يكمن في قيام الصين بالقضاء على ضبط النفس في نظام يوفر قدرًا هائلاً من السلطة لقادة البلاد. هنا يثار التساؤل: ماذا سيفعل ذلك بمرور الوقت لمواجهة طموحات القادة؟ وفي هذا الصدد كتب اللورد “أكتون” عام 1978 أن “السلطة تميل إلى الفساد”، وكذلك فإن “السلطة المطلقة فساد مطلق”. في الواقع أن الصين كانت بصدد تجنب هذا المنحى، إلا أن الفساد في الصين واسع الانتشار تاريخيًا.
لقد أصبحت الصين في عهد “شي” أكثر طموحًا على المستوى الدولي، والآن هي ثاني أكبر اقتصاد في العالم، كما أنها تعد ثالث أكبر ممول للأمم المتحدة، ومورد لقوات حفظ السلام من بين الأعضاء دائمي العضوية في مجلس الأمن، فقد كانت البلاد تستفيد كثيرًا من قدراتها العسكرية، لكن خلال الآونة الأخيرة تمَّ تخصيص موارد كبيرة لقوتها الثقافية من خلال العديد من المؤسسات مثل معهد “كونفوشيوس”. إضافة إلى ذلك، فقد قدمت بكين مبادرة “الحزام والطريق” من خلال حزمة من القروض والإنفاق الاستثماري التي تتضمن ما يقدر بعشرة أضعاف خطة “مارشال” لإعادة إعمار أوروبا، فالصين عازمة ومصممة على قيادة العالم في مجالات، مثل: الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، والسيارات الكهربائية، والذكاء الاصطناعي.
يقول العلماء الصينيون إن بلادهم مقبلة على حقبة جديدة بنظام جديد؛ فبعد أن تولى الحزب الشيوعي السلطة عام 1949، كان لديه ما يقرب من 30 عامًا من حكم “ماو تسي تونج”. ثم أعقب ذلك ما يقرب من 30 عامًا من حكم “دنغ” ونظامه. فقد أصبح من الواضح – الآن – أننا في العصر الثالث، والذي ربَّما يقدر بثلاثين عامًا أخرى من حكم “شي”. ويبقى السؤال: هل في واشنطن من يتنبه لذلك؟
إعداد: وحدة الترجمات بمركز سمت للدراسات
المصدر: واشنطن بوست
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر