سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
محمد شتاتو
لقد مُني تنظيم “داعش” الإرهابي بهزيمةٍ نكراء من قبل التحالف الغربي – الإسلامي عبر عمليات القصف الجوي والهجوم البري. وتمت استعادة المدن التي سيطر عليها الإرهابيون، واختفت ميليشياته إما بالسجن، أو بالقتل. ومع ذلك يبقي السؤال: هل هذا يكفي للقول بأنه قد تمَّ القضاء على “الأصولية الإسلامية” التي تسعى لتبني نظام “الخلافة”، والعمل على نشر الدين الإسلامي من خلال الإرهاب داخليًا وخارجيًا؟
إذًا، ما الذي يدلل على القول بسقوط هذه الأيديولوجية الدينية؟ فالهزيمة العسكرية لا تكفي وحدها للقضاء على الإرهاب؛ إذ يوجد العديد من الأسباب التي يمكن الإشارة إليها لاحقًا.
الرغبة الأميركية الشديدة لضرب التطرف الديني العنيف
تعاملت الإدارة الأميركية برفق مع “التيارات الإسلاموية” خلال فترتي حكم “باراك أوباما” الذي ظن إنه في حالة وصول تلك القوى إلى السلطة بشكل ديمقراطي، فإن ذلك يبشر بفوز الديمقراطية والتخلي عن التطرف والعنف.
وهكذا، فقد وصل حزب العدالة والتنمية إلى السلطة في تركيا عام 2007، وكذلك نظيره المغربي حزب العدالة والتنمية عام 2012. ووفقًا لدراسة أعدتها مؤسسة “راند” الأميركية تحت عنوان (صعود الإسلام السياسي في تركيا)، فإن الحزب الحاكم في تركيا لم يتبنَ أيديولوجية متطرفة في أي وقت.
ومع ذلك، فإن هذا لم يحل دون وصول “داعش” إلى السلطة، والسيطرة على الثروة في العراق وسوريا، والقيام بأعمال إرهابية حول العالم، فيما يعيد إلى الأذهان الجانب المظلم للإنسانية تحت زعم “تأسيس الخلافة”.
وحول دولة الخلافة الإسلامية، يكتب “كود بونزل” في ورقة تحليلية بعنوان (من دولة على الورق إلى الخلافة: أيديولوجية الدولة الإسلامية) والمنشورة بمعهد بروكنجز “مشروع بروكنجز حول العلاقات الأميركية مع العالم الإسلامي”.
هنا، يجب الإشارة إلى أن “الإسلاميين المعتدلين”، إن وجدوا، ليس لهم أي تأثيرٍ على المتشددين الذين استغلوا المعتدلين بشكل سيئ لتجميل أعمالهم الإرهابية.
وخلال حملته الانتخابية في عام 2016، أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترمب، استعداده لمحاربة الحركات الإسلامية المتطرفة، بهدف جعل أميركا أكثر أمنًا مرة أخرى، إلا أن منهج ترمب، بدا أشد قسوة وتقليديًا، وهو ما جعله عرضة لانتقادات اليسار واليمين في آنٍ واحد. كما كان من بين قراراته الرئاسية الأولى، حظر دخول مواطني عدد من الدول الإسلامية الولايات المتحدة.
وهي الخطوة التي رآها اتحاد الحريات المدنية الأميركية، تمييزية ذات تأثيرٍ كبيرٍ على المسلمين. وفي هذا السياق يكتب “أمريت تشينج” المتخصص في استراتيجيات الاتصال:
“ربما يكون أهم قرارات ترمب هو الضغط على عدد من الدول لوقف دعمهم للتيارات “الإسلاموية”؛ ونتيجة لذلك واجهت قطر عزلة من جيرانها الخليجيين. وهو ما تزامن مع الثورة الاجتماعية والسياسية بالمملكة العربية السعودية، التي يقودها الأمير محمد بن سلمان ولي العهد”.
فقد تولى ولي العهد السعودي، قيادة ثورة اجتماعية تشهدها المملكة، إلا أن ثمة إشكالية ترتبط بنقطة البداية التي يمكن الانطلاق منها، فهناك قضايا الفساد، والمحسوبيات، وعدم المساواة في النوع، والتطرف الديني…إلخ، فضلاً عن القوى المناوئة التي يمكن أن تواجه أي محاولة للإصلاح.
لقد اختار الأمير الشاب، بمهارة، القضاء على المعارضة المخربة وقوى الظلام، وبدأ بتحرير المرأة من السيطرة الذكورية؛ حيث سمح لها بقيادة السيارات ومشاهدة مباريات كرة القدم بالاستادات. ثم تحول إلى محاربة الفساد بين الأمراء، والنخبة التي لطالما اعتبرت الثروات الناتجة عن الفساد حقا مكتسبا لهم فحاصر أصحاب الثراء الفاحش بالمملكة وسجنهم بفندق “ريتز كارلتون” وفرض عليهم مبالغ ضخمة ذهبت إلى الخزانة الوطنية.
تمثل الهدف النهائي لـ”الأمير محمد بن سلمان” في العودة ببلاده إلى “الإسلام المعتدل” بما يجفف منابع وتمويل الأصولية حول العالم.
وحول هذا الأمر، كتب الصحفي الشهير “توماس فريدمان” مقالاً تحت عنوان (الربيع العربي للعربية السعودية، أخيرًا: خطة ولي العهد لمجتمعه) بصحيفة الـ”نيويورك تايمز” بتاريخ 23 نوفمبر 2018.
محاصرة الإسلام السياسي الأوروبي
منذ الخمسينيات من القرن العشرين، هاجر آلاف العمال من شرق إفريقيا وجنوب الصحراء، وتركيا، في إطار عملية إعادة بناء أوروبا بأموال أميركية، فيما عرف بخطة مارشال عام 1948. وفي وقت لاحق سُمح لهم بإحضار عائلاتهم لتعزيز إنتاجيتهم وتحفيزهم على العمل.
أنجب هذا الجيل الأول من المهاجرين، أطفالهم في أوروبا، لكن نتيجة لانشغال معظم الآباء، توقف الأطفال عن الدراسة ليتحولوا إلى باعة جائلين، ولصوص، حتى التحق بعضهم بجماعات الجريمة المنظمة. ونتيجة لذلك، نظر إليهم الأوروبيون كغير متساوين اجتماعيًا. وحينما زار هؤلاء الصغار بلدانهم الأصلية، تمَّ النظر إليهم كأجانب، حيث لم يكونوا يتحدثون لغاتهم المحلية، مما تولد عنه عدم شعورهم بالانتماء لا لبلدانهم الأصلية، ولا لبلاد المهجر.
تولّد لدى هذا الجيل شعور بانعدام الهوية المؤكدة، وهو ما سهل لاحقًا مهمة تجنيدهم لدى الإسلامويين المتطرفين، وغسيل الأدمغة بإقناعهم أنه تمَّ اختيارهم من الله في مهمة لمحاربة الكفار الأوروبيين وإقامة المجد الأسمى للإسلام، وهو عمل سيُكافؤون به في الجنة والحور العين بها. تمَّ منحهم مكافآت مالية كبيرة في البداية من قبل “شركات التوظيف” لبناء الثقة وتعزيز السيطرة عليهم. وعلى مدى أشهر، عمل الأصوليون على ترسيخ قناعات بأن الموت في سبيل الله هو أفضل ما يأمل فيه المرء.
وجد تنظيم “داعش” في هؤلاء الشباب، الوقود المثالي لحربه ضد أوروبا، وتنفيذ أجندة العنف خارج العالم الإسلامي. وفي العديد من الحالات تمَّ تأسيس شبكات للتواصل عبر الإنترنت، تمَّ من خلالها تدريبهم وتوجيههم نحو الموت وإحداث الفوضي، ليظل الرعاة الحقيقيون غير معروفين.
ومن بين العمليات الإرهابية الأخيرة، تلك التي شهدتها بلدة “تريب” الفرنسية، والتي أسفرت عن مقتل أربعة أفراد. وهو الحدث الذي قام به التنظيم الإرهابي على عجالة ليبعث من خلاله برسالة مفادها أنه لا يزال موجودًا.وقد جاء ذلك الحدث بأسلوب عمل “الذئاب المنفردة” غير المنظم.
وعلى أية حال، فمنذ الحملة العالمية للحرب على تنظيم “داعش” الإرهابي، والهزيمة التي تعرض لها، ارتكب “الذئاب المنفردة” عددًا من الأعمال الإرهابية البائسة، مثل عمليات دهس المشاة بالحافلات بغرض توسيع نطاق الضحايا، أو مهاجمة المدنيين أو العسكريين بالسكين.
وبشكل عام، فإن الجهود الأوروبية للقضاء على “الإسلامويين” بمساعدة دول شمال إفريقيا بدأت تؤتي ثمارها. وبالطبع، لا يمكن القضاء على الإرهاب نهائيًا، لكن الإرهابيين سيجدون صعوبة في العمل مستقبلاً، كما كان الحال فيما سبق، وهو ما سيدفع ببطء، لكن بشكل ثابت، نحو القضاء على قوى الإسلام السياسي العنيفة، لكن على المدى الطويل.
نحو القضاء على التطرف
ينبغي للعالم الغربي أن يتبنى قوانين صارمة لمواجهة عمليات غسيل الأدمغة لدى الإسلاميين، وهو ما ينشط بدرجة كبيرة في ساحات الصلاة، حيث تستغل الدعوة سياسيًا، وكذلك يتم استغلال الشباب العاطلين والمهمشين. وكما هو في الحالة المغربية، يجب أن تخضع ساحات الصلاة للرقابة الصارمة من قِبَل الدولة، ويجب تدريب الأئمة واختبارهم جيدًا قبل تولي مهامهم. بالإضافة إلى ذلك ينبغي تدشين هيئات دينية تسيطر عليها الدولة، وألا يسمح بفتح المساجد إلا للصلاة فقط، وخلال المناسبات الدينية الخاصة.
كما يمكن للعديد من الدول، سواء كانت مسلمة، أو غير مسلمة، أن تستفيد من التجربة المغربية التي تشهد سيطرة صارمة على المجال الديني عن طريق اختبار الأئمة، وتدريب رجال الدين على توجيه وإرشاد المواطنين (مرشدين من الذكور، ومرشدات من النساء) في إطار من الاعتدال والوسطية، ومن خلال المؤسسات المملوكة للدولة التي تديرها، مثل “أكاديمية الإمام” في الرباط التي تسيطر بشكل صارم على المساجد ورجال الدعوة والمنظمات الدينية والجمعيات وتمويلها.
كما يجب على الدول الأوروبية، مراقبة الشباب عن كثب، من خلال تدريبهم للحصول على فرص عمل؛ حتى يتحولوا إلى فاعلين بشكل كامل داخل مجتمعاتهم، وتعزيز إحساسهم بالهوية والانتماء.
لقد استغل الإسلاميون مناخ الحرية الغربية، وعليهم أن يفهموا أن هذا غير مسموح به بعد الآن، فقد بات دمج الإسلام المعتدل بالنسيج الاجتماعي الأوروبي، يمثل ضرورة ملحة اليوم أكثر من أي وقت مضى، وهو ما ينطبق على بقية العالم الغربي، حيث يساعد الاعتراف بالإسلام المعتدل وتفعيله في خنق التطرف الديني العنيف.
فهل سيتعلم الغرب الدرس؟ هذا ما ستكشف عنه الأيام القادمة.
إعداد: وحدة الترجمات بمركز سمت للدراسات*
المصدر: www.Eurasiareview.com
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر