سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
ممدوح المهيني
هذا السؤال الأهم هذه الأيام ولكن الإجابة الأقرب أنه لن يقوم بذلك. وهو قالها صراحة، لا يريد حرباً مع طهران ولكنه يريد أكثر من ذلك، نهاية النظام الإيراني. إدارته رغم موقفها وقياداتها المؤثرة مثل بومبيو وبولتون، يمقتون النظام الإيراني ويدركون جيداً تاريخه الدموي، ولكنهم يعرفون أن الأمر يحتاج مزيداً من الوقت. نظام شمولي أدواتي مترسخ منذ 40 عاماً يحتاج وقتاً حتى يتم تركيعه وهزيمته.
لكن لماذا ترمب لا يريد حرباً الآن؟ لعدد من الأسباب.
لو كان ترمب في مدته الرئاسية الثانية، فإن احتمال توجيهه ضربات عنيفة لطهران سيكون أعلى بكثير. لن يكون لديه ما يخسره، إضافة إلى أن الرؤساء في العادة يفكرون في عهدهم الثاني أكثر في العالم الخارجي، ويسعون لتشكيل إرثهم الدولي وصورتهم في التاريخ قبل أن يغادروا. هذا بالطبع إذا لم تدفعهم الأحداث إلى اتخاذ قرارات الحرب، مثلما فعل بوش الأب بحرب الكويت، والابن بحرب أفغانستان بعد 11 سبتمبر. ولكن في الغالب خيار الحرب والتدخل يكون بعد أن يضمن الرئيس الانتصار في المرحلة الثانية.
الوضع مع ترمب مضروب باثنين. يركز كل طاقته وتفكيره على الفوز مرة ثانية، وحتى أكثر من أسلافه. لقد بدأ فعلياً حملة الانتخابات مبكراً وقبل حتى منافسيه الذين وزع عليهم الألقاب مثل “النعسان” و”وجه الحذاء”. وهذه الحماسة المفرطة سببها شخصي، لأن خصومه أهانوه وشككوا كثيراً في انتصاره الأول، واتهموا روسيا بمساعدته. لهذا الفوز مرة أخرى بالنسبة له مسألة كرامة شخصية، حياة أو موت، ومن المستبعد أن يقدم على خطوة كبيرة مثل أن يخوض حرباً مع إيران قد تخرج عن مسارها ويستخدمها منافسوه ضده. لقد وعد بأول يوم أنه لن يدخل حروباً ولن يفعلها، والانتخابات على الأبواب وشعبيته باللون الأخضر.
ومن الواضح أن الإيرانيين ووكلاءهم يريدون استفزازه من أجل دفعه لاتخاذ قرارات متسرعة أو خاطئة يمكن أن تعجّل بخروجه من البيت الأبيض، وتأتي برئيس ديمقراطي يستعيد مرحلة أوباما. أحد الأهداف الاستراتيجية الأساسية للإيرانيين والجماعات المتطرفة هو جرحه وجعله ينزف حتى يخرج مهزوماً بعد عام ونصف. السيناريو المخيف لهم هو فوزه بعهد جديد. تخيل فقط بقاءه خمس سنوات ونصف السنة بحد ذاته كابوس للمعسكر الإيراني وحلفائه.
سبب آخر لن يدفع ترمب للحرب، هو قناعته السياسية التي تبدو واقعية أكثر مما نريد الاعتراف بها. مرتاب من فكرة التدخل بأعداد كبيرة من القوات، ويفضل عليها فكرة التعاون مع الحلفاء. سوريا مثال حيث قاوم فكرة التدخل، ولكنه اعتمد على قوات سوريا الديمقراطية. وساهم بالقضاء على تنظيم “داعش” بدون أن تنزف دماء أميركية. وعجز عن إقناع جنرالاته بالانسحاب سريعاً من أفغانستان.
لو كان ترمب رئيساً في عام 2003 فعلى الأرجح أنه لن يقوم بغزو العراق، لأنه معارض للتدخل في شؤون الدول. واضح أنه معارض للأفكار المثالية التنظيرية، ويفكر بصورة واقعية عملية، لهذا أعاد أواصر العلاقات مع الحلفاء التقليديين في المنطقة بعد مرحلة جفاف في عهد الإدارة السابقة. أضف إلى ذلك أن ترمب يفكر بعقلية رجل الأعمال الحسابية الباردة.
ولكن هناك أشياء تعلمها ترمب مع الوقت من المحيطين به، وأصبحت جزءاً من تفكيره السياسي، وهي لا تبتعد عن العقلية الواقعية، ومنها شكل موقفه من إيران. ترمب اقتنع أن لأميركا دوراً في حفظ الاستقرار العالمي الذي تزدهر فيه مصالحها، وهناك أنظمة مارقة مثل إيران وتنظيمات إرهابية مثل حزب الله و”داعش” تريد هدم هذا النظام العالمي، لذا يصبح الخيار واضحاً، إما نحن أو هي. إما أن نسحقها بشكل نهائي أو تهزمنا، ولا مجال للتعايش معها أو محاولة استرضائها كما فعلوا من قبله وفشلوا. 40 عاماً رقم كفيل ليقنعه أن تجربتهم فشلت، هذا إضافة إلى المعلومات الاستخباراتية التي أصبح يطلع عليها ويدرك فيها مدى خطورة هذه الأنظمة. ولهذا نفهم العقوبات الاقتصادية الخانقة المتعاقبة وغير المسبوقة على النظام الإيراني ووكلائه، هدفها في النهاية ربط حبل المشنقة على عنقه ومن ثم الموت البطيء.
وكل هذا يعيدنا إلى النقطة الأولى: هل يريد ترمب حرباً مع إيران؟ الجواب لا ولكنه يريد أكثر من ذلك، يخنق النظام الشرير حتى يلفظ الأنفاس الأخيرة بدون أن تتسخ يداه، وهذا إرث سياسي هائل يمكن أن يصبر عليه عامين أو ثلاثة ويكسب المجدين. مجد الانتصار على خصومه داخلياً، ومجد القضاء على واحد من أكثر الأنظمة شراً وظلامية في العالم.
صحفي سعودي*
المصدر: العربية.نت
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر