هل ستقتل الأتمتة الوظائف أم ستوجد أفضل منها؟ | مركز سمت للدراسات

هل ستقتل الأتمتة الوظائف أم ستوجد أفضل منها؟

التاريخ والوقت : الثلاثاء, 8 فبراير 2022

رنا فوروهار

 

عندما يتنافس البشر مع الآلات، تنخفض الأجور وتختفي الوظائف. لكن، في النهاية، يتم إنشاء فئات جديدة لوظائف أفضل. استعمال الآلات في الزراعة في النصف الأول من القرن الـ20، أو التطورات في الحوسبة وتكنولوجيا الاتصالات في خمسينيات وستينيات القرن الماضي، مثلا، واكب نموا اقتصاديا قويا ومشتركا على نطاق واسع في الولايات المتحدة والاقتصادات المتقدمة الأخرى.

لكن في العقود اللاحقة، شيء ما في هذه العلاقة بدأ في الانهيار. منذ ثمانينيات القرن الماضي، شهدنا ثورة الروبوتات في التصنيع، وظهور البرمجيات في كل شيء، وإنترنت المستهلك وإنترنت الأشياء، ونمو الذكاء الاصطناعي. لكن خلال هذا الوقت تباطأ نمو الناتج المحلي الإجمالي في الولايات المتحدة، وارتفع عدم المساواة وشهد كثير من العاملين – خاصة الرجال الذين ليس لديهم شهادات جامعية – انخفاضا حادا في دخولهم الحقيقية.

لعبت العولمة وانحسار النقابات دورا في ذلك، كذلك فعل تعطيل الوظائف التكنولوجي. تلك المسألة بدأت تحظى باهتمام كبير في واشنطن. السياسيون وصناع السياسات، على وجه الخصوص، يسترشدون بعمل دارون أسيموجلو، أستاذ في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، الذي يظهر بحثه أن الأتمتة الشاملة لم تعد مكسبا لكل من رأس المال والعمالة. في تشرين الثاني (نوفمبر)، شهد أسيموجلو في جلسة استماع لجنة مصغرة أمام مجلس النواب الأميركي بأن الأتمتة – أن تحل الآلات والخوارزميات محل مهام كان يؤديها العمال سابقا – مسؤولة عن 50- 70 في المائة من أوجه التفاوت الاقتصادي التي حدثت في الفترة بين 1980 و2016.

لماذا يحدث هذا؟ في الأساس، في حين أن الأتمتة في أوائل القرن الـ20 وفترة ما بعد 1945 “أدت إلى زيادة إنتاجية العمال في مجموعة متنوعة من الصناعات وأوجدت لهم فرصا لا تعد ولا تحصى، إلا أن ما شهدناه منذ منتصف الثمانينيات القرن الماضي هو تسارع في الأتمتة وتباطؤ حاد في إدخال المهام الجديدة “، كما قال أسيموجلو في شهادته. أضاف، ببساطة، “أصبحت المحفظة الاستثمارية التكنولوجية للاقتصاد الأميركي أقل توازنا بكثير، وبطريقة ضارة للغاية بالعاملين خاصة العمال ذوي التعليم المتدني”.

علاوة على ذلك، بعض الأشياء التي نقوم بتشغيلها آليا هذه الأيام ليست مفيدة اقتصاديا. انظر في صناديق المحاسبة المحوسبة المزعجة في الصيدليات ومحال البقالة التي تجبرك على القيام بالمسح الضوئي لمشترياتك ذاتيا. قد توفر على تجار التجزئة القليل من تكاليف العمالة، لكن يصعب أن تكون محسنا لإنتاجية، مثلا، آلات الحصاد ذاتية القيادة. تحدثت سيسيليا روس، رئيسة مجلس المستشارين الاقتصاديين في البيت الأبيض، نيابة عن كثيرين عندما قالت في مناسبة لمجلس العلاقات الخارجية بأنها تفضل “الوقوف في طابور في الصيدلية حتى يكون لدى شخص آخر وظيفة – قد لا تكون وظيفة رائعة، لكنها وظيفة – وأشعر فعلا بأنني أحصل على مساعدة أفضل”.

مع ذلك، التكنولوجيا ليست العائق. السؤال هو كيف نتأكد من أن مزيدا من العاملين يمكنهم الاستفادة من ميزاتها. في خطابها الذي ألقته في مؤتمر “دافوس الافتراضي” قبل أسبوعين، أشارت جانيت يلين، وزيرة الخزانة، إلى أن مكاسب الإنتاجية الحديثة المدفوعة بالتكنولوجيا قد تؤدي إلى تفاقم عدم المساواة بدلا من التخفيف من حدتها. أشارت إلى حقيقة أنه في حين أن “الارتفاع المفاجئ في العمل عن بعد الناجم عن الجائحة” سيؤدي في النهاية إلى زيادة الإنتاجية الأميركية 2.7 في المائة، فإن المكاسب ستعود في الغالب على أصحاب الدخل المرتفع، والعاملين ذوي الياقات البيضاء، تماما مثلما تم الوصول إلى التعلم عبر الإنترنت والاستفادة منه بشكل أفضل من قبل الطلاب الأثرياء ذوي البشرة البيضاء.

التعليم مربط الفرس في إصلاح عدم المساواة المدفوعة بالتكنولوجيا. كما أوضح الباحثان في جامعة هارفارد كلوديا جولدين ولورانس كاتز، عندما تنهار العلاقة بين التعليم والمكاسب الناجمة عن التكنولوجيا، لم يعد الرخاء المدفوع بالتكنولوجيا مشتركا على نطاق واسع. هذا هو السبب الذي جعل إدارة بايدن تدفع الاستثمارات في كلية المجتمع وبرامج التدريب المهني وتدريب العمال.

الفكرة منع تفريغ أسواق العمل في القطاعات والأماكن التي جارت، مثلا، تبني التجارة الحرة في عهد كلينتون دون حماية كافية للعمال. إذا لم تحصل على تدريب يمكنها من التعامل مع التغيير المدفوع بالتكنولوجيا، فإن غضب العمال المهنيين “ذوي الياقات الزرقاء” في الولايات المتقلبة في الغرب الأوسط يمكن أن يتضاءل مقارنة بغضب العاملين في قطاع الخدمات ذوي الدخل المنخفض والمتوسط الذين تتم أتمتة وظائفهم.

تتطلب القضايا الأخرى حلولا تتعلق بالسياسات العامة. تحصل الشركات على مزايا ضريبية من الاستثمار في التكنولوجيا، التي يمكن خفض قيمتها، أكثر من العمالة البشرية. التخلص من بدلات الاستهلاك الخاصة بالمعدات مثل البرامج والروبوتات يمكن أن يضيق تلك الفجوة.

سياسة المنافسة وتحسين التنظيم المؤسسي لهما دور في ذلك أيضا. كما قال أسيموجلو لمجلس النواب العام الماضي، “شركات التكنولوجيا الكبرى لديها نهج خاص للأعمال والتكنولوجيا، يتمحور حول استخدام الخوارزميات لاستبدال البشر. ليس من قبيل المصادفة أن شركات مثل جوجل توظف أقل من عشر عدد العمال الذين اعتادت شركات كبيرة مثل جنرال موتورز على توظيفهم في الماضي”.

نموذج أعمال شركات التكنولوجيا الكبرى يدور حول التخلص من العمالة البشرية وتحويل السلوك البشري إلى مادة خام. ستتعرض هذه الشركات لضغوط متزايدة العام المقبل، حينما تحاول الإدارة دفع تشريعات لكبح قوة المنصات قبل الانتخابات النصفية. السؤال الأهم حول كيفية إعادة ربط ثروات رأس المال والعمل في الحقبة المقبلة من الأتمتة الشاملة لا يزال دون إجابة.

 

المصدر: صحيفة الاقتصادية – خدمة فايننشال تايمز

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر