سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
بدعوة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، إلى انتخابات مبكرة، مقرر إجراؤها في الرابع والعشرين من يونيو الجاري، انتقلت الحالة السياسية في البلاد إلى مرحلة جديدة يمكن أن تفتح مجالاً للمنافسة بين خصوم السلطة الحالية وتيار الإسلام السياسي، ومن شأنها أن تطرح سيناريوهات عديدة، ربَّما يفضي أحدها إلى تغييرات جذرية في بنية النظام الحاكم وقواعد النفوذ السياسي بين الأحزاب السياسية على اختلاف توجهاتها.
شكوك في حرية المنافسة
باتت المعارضة التركية أمام اختبار تاريخي لتنحية حكم أردوغان الممتد منذ 15 عامًا كرئيس للوزراء، ثم رئيس للدولة. حين تحين الفرصة أمام صناديق الاقتراع، الشهر الجاري، في الانتخابات المبكرة، تراهن إزاءها المعارضة لإزاحة حزب العدالة والتنمية من السلطة، لكنّ ثمّة مؤشرات تشي بأن الفرصة المتاحة أمام المعارضة غير مكتملة الأركان لنجاح مستهدف الإطاحة بالتيار الإسلامي، لعدة أسباب أهمها:
أولاً: ما تردد بشأن ضغوط مارسها أردوغان على الرئيس السابق عبدالله غول، للعدول عن منافسته في الانتخابات الرئاسية، وهو ما اعتبر بمثابة تهديد مبطن وتخويف، سواء لغول، أو أيٍّ من المنافسين المحتملين، وتزامن ذلك مع حملة إعلامية ألمحت إلى وجود صلات بين الرئيس السابق وبين الداعية المقيم في أميركا فتح الله غولن، المتهم بتدبير محاولة الانقلاب الفاشلة في منتصف يوليو 2016.(1)
الأمر طفى على السطح بشكل أكثر وضوحًا، عندما اتهم زعيم المعارضة ورئيس حزب الشعب الجمهوري، كمال كيليتشدار أوغلو، السلطات بالتنصت عليه وعلى معارضين آخرين بأوامر من الرئيس.(2)
ثانيًا: أمّن أردوغان – فيما يبدو – الوصول إلى تلك المرحلة، حال نجحت المعارضة في الاستحواذ على البرلمان وتشكيل الحكومة، إذ سيتم بعد الانتخابات تطبيق النظام الرئاسي الجديد الذي أقره استفتاء جرى في أبريل 2017، والذي يعتبره البعض أنه يمنح الرئيس سلطات استبدادية.(3)
ربَّما سعى أردوغان من خلال تبكير الانتخابات لاستعجال التحول سريعًا إلى النظام الرئاسي الجديد، حين أرجع ذلك إلى التحديات الاقتصادية والحرب في سوريا، التي تجعل بدورها “رئاسة تنفيذية سارية المفعول عقب التصويت”، غير أنّها يمكن أن تكون القشة التي عجّلت بضربة سياسية قوية لتيار الإسلام السياسي.
ثالثًا: ستجرى الانتخابات في ظل حالة الطوارئ المفروضة منذ محاولة الانقلاب العسكري في يوليو 2016، وهو ما يضع عدة تخوفات لدى المعارضة من امتداد مفهوم مواجهة الإرهاب وحالة الطوارئ لمعارضي النظام.(4)
رابعًا: قانون الانتخابات الذي يمنع حصول أي حزب على مقعد برلماني، إلا إذا تخطى 10% من أصوات الناخبين، يمثل تحديًا كبيرًا للأطراف المعارضة، باعتباره يضع إطارًا للمنافسة بين الأقطاب الكبرى، ويفرض على جميع القوى المعارضة، التوحد تحت مظلة واحدة مع اختلاف توجهاتها، لمواجهة أردوغان.(5)
طوق النجاة
تُمثِّل الانتخابات المرتقبة طوق النجاة والحلقة الفارقة بالنسبة للنظام التركي الحالي والرئيس رجب طيب أردوغان، بالنظر إلى أن قرار تبكير الانتخابات يحمل بين طياته دلالات عديدة يحاول إزاءها النظام التشبث بأمل تثبيت أقدامه، إذ اضطر إلى الذهاب المبكر لصناديق الاقتراع لعدة أسباب، هي:
أولاً: الضغوط السياسية والاقتصادية الخطيرة التي واجهها النظام خلال الفترة الماضية، والتي فتحت عدة مسارات مرتبطة بملفات إقليمية ودولية تهدد استقرار الدولة التركية.
ثانيًا: انخفاض شعبية حزب العدالة والتنمية والرئيس التركي معًا، لا سيَّما بعدما تورطت تركيا في العديد من الملفات التي جلبت إليها أزمات اقتصادية هددت استقرار البلاد، فضلاً عن تمسك النظام بدعم التيار الإسلامي المتورط في العديد من أعمال العنف والإرهاب، ما هبط بأسهم النظام أمام الرأي العام التركي.
ثالثًا: استعجال الوصول إلى النظام الرئاسي الذي سيجري تطبيقه فور الاقتراع، ما يعتبره النظام الحل الوحيد أمام اتخاذ قرارات أحادية يعتبرها السبيل إلى فرض مزيد من القوة على الداخل، وتطبيق سياسات تُقلّم أظافر تحاول خدش أركان النظام، وفق رؤيته.(6)
خديعة الاقتصاد
تراجع سعر صرف الليرة لأدنى مستوى في تاريخها أمام الدولار الأميركي، مع ارتفاع الدين الخارجي، وارتفاع عجز الميزان التجاري، وتراجع التصنيف الائتماني للاقتصاد، كلها مقدمات كانت كفيلة بالإطاحة بمركب السلطة على الأقل أمام التحديات الأخرى التي تفرض على النظام التحرك إلى الأمام بشكل أسرع.
التراجع السحيق للاقتصاد التركي، يرجع في أساسه إلى الإنفاق الدفاعي الكبير والاعتبارات السياسية الخارجية، ناهيك عن أسباب سياسية وعسكرية أخرى، ما يعطي للمعارضة ورقة رابحة لإزاحة النظام. لكنّ الرئيس التركي ألقى بالحمل المرهق للاقتصاد على الدوافع الاقتصادية التي تحتاج إلى نظام الحكم الرئاسي لإنقاذها، والتغاضي عن الأسباب السياسية، باعتبار أنّ الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المُبكرة، نقطة تحول إيجابية في مسار الاقتصاد، رغم كونها هروبًا إلى الأمام من الأخطاء والتخبط الذي سببه النظام الحالي.(7)
فرص المعارضة
إزاء ما سبق،فإن المعارضة التركية باتت أمام خيار التعاون، إذ لا طريق آخر يمكن أن يكون منافسًا أمام النظام، إذا اشتدت رغبة المعارضة في إنهاء سيطرة حزب العدالة والتنمية، لا سيَّما بعدما ساهم فشل الانقلاب الذي جرى في تقوية وسيطرة النظام على مفاصل الدولة، وهو ما أضعف بشكل واقعي تأثير المعارضة في الشارع التركي، باعتبار أن عمليات التوقيف التي جرت والتضييق، تدخل في إطار حفظ الأمن القومي للدولة، وفق ما سوّق النظام آنذاك.
النقطة الإيجابية التي سجلتها المعارضة التركية حين شكّلت تحالفًا انتخابيًا يتكون من 4 أحزاب، في مواجهة “تحالف الشعب” الذي يضم حزبي العدالة والتنمية الحاكم وحزب الحركة القومية، تبدو خطوة أولية بحاجة إلى المزيد من الخطوات لتحقيق منافسة شرسة تهدد حظوظ الحلف الحاكم الذي تمنحه الاستطلاعات والتوقعات الأغلبية في الانتخابات.
غير أنّ النقطة الأكثر بروزًا في حلبة المواجهة هو أن “تحالف الشعب” (العدالة والتنمية الحاكم والحركة القومية) يبدو أكثر تجانسًا من خلال وحدة التوجهات. في المقابل يشهد تحالف المعارضة، اختلافًا في التوجهات القومية والسياسية والأيديولوجية، سوى التجمع فقط على هدف واحد هو الرغبة في إنهاء حكم أردوغان والعدالة والتنمية، ما يفرض عليه التمتع بالمزيد من العقلنة في معالجة الخلافات التي ربَّما تطرأ في المستقبل القريب عند الذهاب إلى صناديق الاقتراع.(8)
لكنّ قدرة المعارضة في استقطاب ثالث أكبر كتلة انتخابية في البلاد (أصوات الأكراد)، يمكن أن تمثل رقمًا إضافيًا في صالح تحالف المعارضة، حال الدخول في تحالف مباشر مع حزب الشعوب الديمقراطي الكردي، لكنّ تبعات الاتهامات الموجهة للحزب بشأن علاقته مع تنظيم “بي كا كا” المصنف إرهابيًا يبعد تلك الخطوة قليلاً عن حلف المعارضة.
غير أنّ المقدمات الحالية، تشير إلى تركيز المعارضة التركية على الانتخابات البرلمانية أكثر من الرئاسية، إذ تبدو التفاهماتمنحصرة في المنافسة النيابية لإنهاء أغلبية حزب العدالة والتنمية، بينما يتمسك – حتى الآن – الأحزاب المعارضة بالدفع بمرشح رئاسي عنه، وهو ما يصب في صالح احتفاظ أردوغان بفرصة رئاسية أخرى.
ثلاثة سيناريوهات
إزاء ما سبق،فإن الأجواء السياسية والاستعدادات الانتخابية تشي بأن السيناريوهات الثلاثة المتوقعة متقاربة في الحظوظ ولا يمكن حسمها عبر استنتاجات على الورق، كون التجربة الحالية جديدة على الحالة التركية، إذ إن فرص فوز الرئيس الحالي، رجب طيب أردوغان، بولاية جديدة تبدو قائمة بقوة، بجوار السيناريو الثاني الذي لا يقل حظوظه كثيرًا، وهو فوز أحد خصوم أردوغان بدعم من تحالف معارض متعدد الاتجاهات. فيما يبقى السيناريو الثالث قائمًا باعتبارات واقعية أيضًا، حين تختار صناديق الاقتراع رئيسًا وبرلمانًا من المعسكرين المتنافسين.(9)
النتائج
1- انتقلت الحالة السياسية في البلاد إلى مرحلة جديدة يمكن أن تفتح مجالاً للمنافسة بين خصوم السلطة الحالية وتيار الإسلام السياسي، حيث باتت المعارضة التركية أمام اختبار تاريخي لتنحية حكم أردوغان الممتد منذ 15 عامًا، لكنّ الفرصة المتاحة أمام المعارضة تبدو غير مكتملة الأركان لأسباب عدة، من بينها ضغوط مارسها أردوغان على المعارضة، بالإضافة إلى إجراء الانتخابات في ظل حالة الطوارئ المفروضة منذ محاولة الانقلاب العسكري في يوليو 2016.
2- تُمثِّل الانتخابات المرتقبة طوق النجاة والحلقةالفارقة بالنسبة للنظام التركي الحالي، والرئيس رجب طيب أردوغان، بالنظر إلى الضغوط السياسية والاقتصادية الخطيرة التي واجهها النظام، وانخفاض شعبية حزب العدالة والتنمية والرئيس التركي معًا.
3- النقطة الإيجابية التي سجلتها المعارضة التركية حين شكّلت تحالفًا انتخابيًا يشهد اختلافًا في التوجهات القومية والسياسية والأيديولوجية، في مواجهة “تحالف الشعب” الأكثر تجانسًا،تفرض على المعارضة ضرورة التحلي بإدارة جيدة لتحالفها.
4- الأجواء السياسية والاستعدادات الانتخابية، تشي بأن السيناريوهات الثلاثة المتوقعة (فوز العدالة والتنمية وأردوغان، فوز المعارضة، تقاسم السلطة)، تبدو متقاربة في الحظوظ ولا يمكن حسمها عبر استنتاجات على الورق.
وحدة الدراسات السياسية*
المراجع
1- أردوغان يعد بـ”فوز كاسح” والمعارضة تتحدث عن “تهديدات” طالت غول. الشرق الأوسط.
2- زعيم المعارضة التركية يتهم أردوغان بالتنصت عليه. صدى البلد.
3- المعارضة التركية تشكل تحالفًا ضد أردوغان. الحياة اللندنية
4- أردوغان يدعو لانتخابات رئاسية وبرلمانية مبكرة في 24 يونيو. رويترز
5- الغارديان: المعارضة التركية تتحد لمواجهة أردوغان. بي بي سي. https://bbc.in/2JwkYW9
6- الانتخابات التركية المبكرة – بحث عن “شرعية” جديدة. الحياة اللندنية
خبراء يكشفون سر قرار أردوغان المفاجئ للشعب. سبوتنيك
7- الانتخابات التركية المبكرة – بحث عن “شرعية” جديدة. الحياة اللندنية
8- المعارضة التركية تنجح أخيرًا في تشكيل “تحالف انتخابي”. القدس العربي
9- 3 سيناريوهات أمام الأتراك في الانتخابات الرئاسية المقبلة. دوت مصر. https://bit.ly/2JeedsJ
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر