سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
أبهجيت موكوبادهي
يلوح في الأفق الخوف من احتمالية أن تمتد الأزمة العقارية الأخيرة في الصين إلى سوق السلع الدولية وسوق الاستهلاك المحلي.
تخلفت مجموعة “إيفرجراند” الصينية العملاقة في مجال العقارات عن سداد مدفوعات لحاملي السندات في الخارج مرتين في سبتمبر 2021، جاعلة نفسها دفينة دين ضخم يبلغ 305 مليارات دولار أميركي وهي على وشك الإفلاس، وما يزيد من إدانتها أن المجموعة لم تُعلن بعدُ عن أي خطة لسداد ديون هؤلاء المستثمرين، مما أحدث صدمة في الأسواق المالية في جميع أنحاء العالم.
لقد كانت الصين المحرك الرئيسي للانتعاش العالمي في أعقاب الوباء، إذ كانت أولى الدول في العودة إلى مستويات إنتاج ما قبل الجائحة، ولهذا السبب برزت باعتبارها العامل الوحيد الأكثر أهمية في انتعاش سوق السلع العالمية.
بدأ الازدهار العقاري الممتد في الصين في منتصف التسعينيات واستمر بلا هوادة. وعليه، فإن ما يقارب ثلاثة أرباع ثروة الأسرة المعيشية في البلاد تُستثمر الآن في الإسكان، ومع ظهور الاستثمارات الخارجية الكبيرة في السندات العقارية الصينية ذات العائد المرتفع، تتعرض الأسواق المالية في البلدان الأخرى الآن لمخاطر العدوى.
تراجع مؤشر سندات الصين ذات العائد المرتفع في أعقاب ذلك (الشكل 1)، ليس بأمر غير متوقع، فقد سحب المستثمرون الأجانب 8.1 مليار دولار من حافظة ديون الصين في سبتمبر، وهو أكبر تدفق خارجي في الأشهر الستة السابقة.
تضم إمبراطورية مجموعة “إيفرجراند” أكثر من 1300 مشروع إسكان في قرابة 300 مدينة، وفريق كرة قدم “غوانغجو إفرغراند تاوباو”، ومنتجع عطلات على جزيرة يضم 58 فندقًا و15 متنزهًا صينيًا يشبه “ديزني لاند” قيد الإنشاء. وقد بُنيت هذه الإمبراطورية في المقام الأول بأموال مقترضة من الأسواق المحلية والدولية. أمَّا حاليًا فلديها 800 مبنى سكني غير مكتمل والعديد من الموردين باستحقاقات غير مسددة، وأكثر من مليون من مشتري المنازل الذين دفعوا جزءًا من السعر لقاء ممتلكاتهم.
تقدم الشركة أيضًا منتجات إدارة الثروات التي في الأغلب تباع لموظفيها. وفي ظل الظروف الحالية لن تتمكن المجموعة من إبراء ذمتها من الضمانات على العديد من هذه المنتجات، ووفقًا للشائعات فقد بدأت عمليات البيع من الداخل لأسباب بديهية.
كما اعتادت “إيفرجراند” تقديم عطاءات على الأرض بأسعار أعلى بكثير من سعر السوق، وتبدو كممارسة شائعة بين الشركات الصينية، وبرعت “إيفرجراند” في ذلك حيث كانت تشق طريقها لتصبح إحدى عمالقة العقارات التي تبيع أحلام ملكية المنازل للطبقة الصينية المتوسطة. في السابق لم يؤثر هذا السعر شديد التضخم في مطوري العقارات، لأن المخاطر كانت تُنقل في نهاية الأمر إلى مشتري الشقق وإلى البنوك التي مولت تلك المشتريات.
لقد خدم هذا النموذج الأسر ومطوري العقارات والبنوك والحكومات المحلية حتى الآن، حيث ارتفعت أسعار المساكن بدرجة كبيرة، وأدى ارتفاع أسعار العقارات السكنية إلى تعويض التضخم الشديد المصطنع لأسعار الأراضي. وبالرغم من ذلك كان من المحتم أن يكون لهذا تأثير على إمكانية تحمل تكاليف المنازل والديون الأسرية في مرحلة ما، وهو ما حدث بالفعل هذه المرة.
كما أدت صدمة وباء “كوفيد -19” إلى زيادة الديون الأسرية، أمَّا الآن فمن المرجح أن يكون عبء الديون الأسرية يقارب أو يتجاوز حد الانهيار (الشكل 2).
بدأ هذا في عام 2020 عندما أعلن بنك الشعب الصيني ووزارة الإسكان عن قواعد تمويل عقاري جديدة تُعرف باسم “الخطوط الحمراء الثلاثة”، التي اشتملت على:
كان الهدف الأساسي لسن قيود الاقتراض هذه هو منع فقاعة الإسكان والكساد الكارثي اللاحق، فقد كانت الصين حريصة على عدم تكرار خطأ اليابان المتمثل في عدم السيطرة على الائتمان المفرط في التسعينيات والفشل في إيقاف المقترضين المعسرين بسرعة، فقد أضرت هذه الأخطاء بالنمو الياباني على المدى الطويل.
ومن ناحيةٍ أخرى، تُمول حافظة مشاريع العقارات غير السائلة لشركة “إيفرجراند” بأكثر من 300 مليار دولار من الالتزامات المحلية والدولية، نسبة 80 في المئة منها قصيرة الأجل. ولدى المجموعة عدم تطابق كبير في السيولة، كما أنه من الواضح أن التدفق النقدي أمر بالغ الأهمية لنمو هذه الشركات العقارية الصينية، التي تعمل على نحو مشابه لمخطط “هرم بونزي” القائم على الائتمان. لذلك كافحت مجموعة “إيفرجراند” مثلها مثل الشركات الأخرى في القطاع للالتزام بـ”الخطوط الحمراء الثلاثة” الجديدة، فحتى وقت قريب في سبتمبر 2020 كانت هناك تقارير عن أزمة نقدية محتملة في “إيفرجراند” مما أدى إلى حدوث ذعر حول السيولة لفترة وجيزة.
ومن ثّمَّ كان لا بدَّ من ظهور بوادر التوتر في قطاع العقارات الصيني، فقد تخلفت شركة “فانتازيا هولدينغز” عن سداد سندات بقيمة 206 ملايين دولار أميركي مستحقة في أوائل أكتوبر 2021. وانخفض تصنيف شركة تطوير أخرى وهي “سينك هولدينغز” الآن بعد أن عجزت بعض وحداتها عن سداد فوائد ترتيبات التمويل الداخلية.
وبالنظر إلى اتجاهات سوق السلع، يوجد علامات إنذار مبكرة واضحة تكمن في أن الصلب هو أبرز تلك السلع. ومع ذلك بسبب اقترانها بالعقارات، فإن الأمر لا يتعلق فقط بأسواق السلع، فالمستهلكون في الصين هم أيضًا من ذوي المديونية العالية (الشكل 2).
وعلى الرغم من عودة الإنتاج إلى مستويات ما قبل الجائحة، فمن الواضح أن المستهلكين غير قادرين على مواكبة هذه الوتيرة، فقد ظلت مبيعات التجزئة الأولية أقل جدًا من اتجاه الست السنوات لغالبية عام 2020، وعانت من انخفاض بنسبة 11% في الآونة الأخيرة (الشكل 3). ومن الواضح أن طلب المستهلك المحلي في الصين يتراجع، وحتى الآن فقد عوضت الصادرات عن ذلك.
كثيرًا ما تعرضت الأسواق المالية الصينية لانتقادات بسبب غموضها وطبيعتها المدفوعة بالقيادة، فكان سوء تخصيص رأس المال في النظام مصدرًا رئيسيًا للنقد. وبالمقارنة مع العقارات، تعاني قطاعات التكنولوجيا المتطورة في الصين نسبيًا من ضائقة القصور في رأس المال. وقد حاول بنك الشعب الصيني على الأرجح معالجة هذه المشكلة أيضًا عند إنشاء تلك “الخطوط الحمراء الثلاثة”، ونتيجة لتلك المحاولة فقد أدى إلى تضخيم ومضاعفة الأخطاء النظامية المتأصلة في قطاع العقارات.
وإذا حاول أي شخص العثور على علامات مبكرة للعدوى بالنظر إلى ضغوط التمويل في أسواق الإسكان، ومن المؤكد أن ذلك سيكون خطأً، فمن المرجح أن تحافظ الحكومة في الصين على تدفق التمويل بسلاسة في الهيكلة الصينية على الأقل في المدى القصير. وعلى الأرجح أن الصين ستفعل كل ما في وسعها لمنع أسعار المساكن من الانخفاض أكثر؛ لذلك قد تبدو هذه الأحوال جيدة إلى الآن. أمَّا في الوقت الحالي، فتعدُّ أسواق السلع الدولية وأسواق الاستهلاك المحلي، هي الأماكن التي تتطلب مراقبتها.. فإذا انتشرت العدوى، فإنها ستكون أول وأكثر العلامات وضوحًا.
إعداد: وحدة الترجمات بمركز سمت للدراسات
المصدر: orfonline
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر