هل تعيد دمشق ذكرى معركة ستالينغراد؟! | مركز سمت للدراسات

هل تعيد دمشق ذكرى معركة ستالينغراد؟!

التاريخ والوقت : الأحد, 22 أبريل 2018

من خلال رؤية استشرافية، عبر حديثه لمجلة التايم الأميركية، أوضح سمو ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، أن بشار الأسد لن يرحل عن سوريا في وقت قريب، وأن رحيله مرتبط باندلاع حرب “وأن سوريا تُمثل جزءًا من النفوذ الروسي في الشرق الأوسط لفترة طويلة جدًا، ولكنني أعتقد أن مصلحة سوريا لا تتمحور حول ترك الإيرانيين يفعلون ما يشاؤون في سوريا على المدى المتوسط والبعيد؛ وذلك لأنه إن غيرت سوريا أيديولوجيتها، فحينها (بشار) سيكون دُمية لإيران”.[1]

سوريا والنفوذ الروسي في المنطقة

 إن مصطلح الحرب الباردة، في أبسط تعريف له، هو “وصف حالة من الصراع السياسي والتوتر العسكري، بين المنتصرين في الحرب العالمية الثانية خلال الفترة بين نهاية هذه الحرب في عام 1946 حتى انهيار الاتحاد السوفيتي في عام 1991. عمليًا كان قطبا الحرب، هما الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد السوفيتي، وكان هدف كل منهما الحصول على مناطق نفوذ عسكري أو سياسي، وتوسيعها كلما كان ذلك ممكنًا. والطرفان، وإن كفّا عن استخدام السلاح، إلا أنهما لم يتوقفا عن تطوير قدراتهما العسكرية والدخول في سباق تسلح لم يشهد له العالم مثيلاً من قبل، وهذا السباق من أبرز سمات الحرب الباردة، إضافة إلى سعي كل من الطرفين للاستئثار بمناطق نفوذ على حساب الآخر وإنهاكه عن طريق إشعال حروب محدودة لاستنزاف الخصم، ولقد التزم الطرفان بالقواعد التى شكلتها هذه المرحلة ولم يتجاوزاها إلى حرب ساخنة”.[2]

الحرب الباردة، بعكس الحرب الساخنة التي تُشعل فيها النيران ويتبادل فيها الأطراف القصف والضرب، هي حرب استمرت بين الأعوام 1945 إلى 1990. وكان الاتحاد السوفيتي وحلفاؤه طرفًا من أطراف الحرب، وكان هذا الطرف يسمى بالكتلة الشرقية أو المعسكر الشرقي. ومن الجانب الآخر، الولايات المتحدة وحلفاؤها وكانوا يعرفون بالمعسكر الغربي أو الكتلة الغربية.[3]

وإذا كانت أدبيات المصطلح تشهد العديد من التحولات التاريخية، فإنها – بشكل أو بآخر – تعيد صياغة المصطلح بين معسكري الكتلة الشرقية الجدد “روسيا – إيران – تركيا”، ومعسكر الكتلة الغربية. بيد أن الصراع هذه المرة على أرض عربية، هي الشام التي عاصمتها دمشق؛ وهو ما يوضح السيناريو الاستطلاعي لسمو ولي العهد السعودي، من أن النفوذ الروسي بمنطقة العرب، هي إحدى مفردات الحرب الباردة في 2018م.

حقيقة المعركة

 الحقيقة لا تزال متأرجحة بين فئتين، ما يصدر للإعلام، وما يحاك في الغرف المغلقة، والمحادثات الدولية والبيانات الصادرة من الطرف الأول الكتلة الغربية، أوضحت أن الضربة الجوية الثلاثية هي تدخل طبيعي عقب الأدلة الرسمية والواضحة لاستخدام بشار الأسد للأسلحة الكيماوية وتضرر المدنيين، وهو ما ذكرته مبعوثة أميركا بالأمم المتحدة، نيكي هيلي، “أن تقديرات أميركا تشير إلى أن الأسد استخدم أسلحة كيماوية في الحرب 50 مرة على الأقل”.[4]

غير أن التساؤلات المنطقية إزاء ما قالته وصرحت به مبعوثة البيت الأبيض في الأمم المتحدة، تفرض علينا طرح الآتي:

  • رأت أميركا أن الأسد استخدم الكيماوي في الحرب 50 مرة، فلماذا لم تتدخل أميركا في المرة العاشرة أو العشرين من استخدام الأسد للكيماوي؟! لماذا تدخلت الآن بحسب قول مبعوثها “50 مرة “؟!
  • لماذا اتفقت الدول الثلاث في هذا الوقت تحديدًا، رغم أن خلافًا فكريًا وثقافيًا دار منذ بضع سنوات بين البيت الأبيض وقصر الإليزيه؟

الجانب الآخر

على الجانب الآخر من المعركة، أو من ضفة القتال، قال السفير الروسي، متسائلاً عن المشروعية الدولية لشن ضربات عسكرية محتملة على سورية: “لماذا تزرعون الفوضى في الشرق الأوسط؟ وحده مجلس الأمن يملك سلطة اتخاذ إجراءات ضد سورية، إذا تأكد استخدام السلاح الكيماوي”. وفي موسكو، قال وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، خلال مؤتمر صحافي: “لدينا أدلة دامغة، تؤكد أن هذه كانت مسرحية أخرى، وأن أجهزة استخبارات دولة هي حاليًا في واجهة حملة كراهية، روسيا تورطت فيها”. وتابع لافروف: “تضمن الإعداد لهذا (الهجوم) خدمات خاصة لإحدى الحكومات، التي تحاول الآن أن تكون في الخطوط الأمامية لحملة الخوف غير المبرر من روسيا”، ولم يذكر اسم البلاد.[5]

الجميع يتبنى نظرية المؤامرة

يبدو أن الحليف الروسي في بيانه، يوضح نظرية المؤامرة التي تحاك على بلاده، والهدف منها تدمير وإضعاف الدب الأبيض ومعسكر تلامذة لينين. الأمر شبه تقليدي، في مثل هذه الأمور ترتفع شعارات المؤامرة والتخوين. وفي الجبهة المقابلة، ترتفع شعارات الوطنية، والأغرب هو بيان الدبلوماسية الروسية التي ترى في ضرب دولة عربية تهديدًا لها؛ وهو ما يؤكد ما نصبو إليه وأشرنا إليه في بداية المبحث، وهو إعادة إنتاج وإخراج مشهد الحرب الباردة بين معسكري الكون في العقود الزمنية الماضية.

خريطة المعركة

ثلاث دول تجابه ثلاث دول أخرى، عودة مرة أخرى إلى تصنيف الحلفاء والمحور، “أميركا وفرنسا وبريطانيا”، تجابه “روسيا وإيران وتركيا”، اقتباس من التاريخ الدموي والإنساني بين الحلفاء القدامى الذين لم تتبدل هويتهم باستثناء طرف آخر، وهو روسيا التي كانت شريكة للحلفاء في الحرب العالمية الثانية لتنقلب إلى الضفة المقابلة وتقود دول المحور الجديد تعاونها دولتان هما: تركيا وطهران.

دمشق هل تكون ستالينغراد ثانية؟

في عام 1942، وتحديدًا في فصل الصيف، شهدت المدينة الروسية ستالينغراد حصارًا عنيفًا من قبل القوات الألمانية بقيادة أدولف هتلر، تبعها هجوم جوي مشدد أدى إلى سقوط المدينة في قبضة النازيين؛ وهو ما يعني أن المعركة في طريقها للحسم، غير أن ستالين ارتأى أن هذه المعركة في هذه المدينة تمثل نقلة مفصلية للحرب، فصمّم على مداومة القتال والاستبسال من أجل اختطاف المدينة التي تحمل اسمه، فتوالت محطات الراديو الروسية بث الأغاني الوطنية والحماسية لسكان المدينة الذين حولوا المعركة من معركة نظامية إلى معركة قتال في الأزقة والشوارع، مما مهّد للجيش الأحمر التقدم للضفة الغربية لنهر الفولغا. وفي نوفمبر من نفس العام، أي ما يقارب 6 أشهر، استطاع الجيش الأحمر كسر الحصار ودخول المدينة وتحريرها.

إن الشاهد التاريخي يعيد للأذهان، مشهد دمشق متوازيًا مع ستالينغراد المدينة، التي رأى فيها الرئيس الروسي قبلة البلاد وبوصلة المعركة الحقيقية، وكل طرف يسعى حثيثًا للسيطرة عليها.

ولكن: لِمَ تستبسل إيران في المعركة وتنافح بكل جهدها عن بشار الأسد؟

بعيدًا عن التفسيرات السياسية، هناك حقيقة خفية يعلمها فقط المتعمق في التراث الفكري لدى العقيدة الإيرانية، وهي الفكرة الراسخة بكيان المرجعية الإيرانية أن سقوط الشام علامة يقينية على أهوال ستلحق بكل من ينتمي إلى المذهب الاثني عشري، وهو ما يوضحه التاريخ الإيراني بعرض فكرة السفياني الذي سيأتي من بلاد الشام ليحارب المهدي المنتظر.

هل ستكون سوريا مسرحًا لحرب عالمية ثالثة؟

نحن أمام تهديد بتصعيد آخر تقوده أميركا وفرنسا وإنجلترا، وعلى الجبهة المقابلة أمام وعيد من روسيا وإيران، ثم تركيا، هناك أوراق لم تظهر بعد. لا يمكن إنكار أن الحليف التركي على علاقة قوية بالدولة العبرية، وأن ما نشرته الصحف العالمية من اتصالات تمت بين أردوغان و”داعش” بهدف تمرير النفط للأراضي التركية، يدفع بالعديد من التكهنات التي في الواقع هي قريبة من الحقيقة. نحن أمام حليف تركي شديد الدهاء والبرغماتية والنفعية، ومن الممكن التخلي عن رفاق خندقه إذا ألقيت إليه جزرة من فتات الحرب، والتبريرات مجهزة ومعدة سلفًا. لذا، فإن الحليف الحقيقي لدمشق بشار، هو النظام الإيراني وروسيا، باعتبار الأول يدافع عن مرجعية عقائدية، والثانية تنظر إلى المعركة على كونها ستالينغراد. لكن يبقى السؤال شديد الأهمية: “من سيدفع الفاتورة جراء ما تمَّ … كاسك يا وطن؟!

ربَّما لن يتطرق الأمر لحرب عالمية جديدة، لكن للحقيقة وجهًا آخر يراه فقط الشقيق السوري الذي يصحو كل صباح على تغير جديد في المعادلة، وحده فقط هو المشرد، وهو اللاجئ بين الدول باحثًا عن مأوى في أزمة طالت وتعقدت.

وحدة الدراسات السياسية*

المراجع

[1]ولي العهد: بشار لن يرحل دون حرب.. ولا أحد يريد رؤية صراع بين أميركا وروسيا، ياسر النجدي، نقلاً عن مجلة التايم الأميركية، سبق، الرياض، أبريل 2018م.

[2]Friedman, Norman (2007). The Fifty-Year War: Conflict and Strategy in the Cold War. Naval Institute Press. ISBN 1591142873.

[3]Friedman, Norman (2007). The Fifty-Year War.

[4]الأمم المتحدة تحذِّر من “تصعيـــد عسـكري شامل”.. وواشنطن تتهم دمشق باستخدام “الكــيماوي” 50 مرة، الإمارات اليوم.

[5]الأمم المتحدة تحذِّر من “تصعيـــد عسـكري شامل”. (مرجع سابق).

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر