هذا التطور “السلمي” اللافت لحسم الملف التايواني المعقد، يمكن قراءته بوضوح من خلال التقارير والتصريحات الصادرة بكل من بكين وتايبيه، بالإضافة لرصد مواقف الأطراف والقوى المحلية، في تايوان، والإقليمية والدولية المعنية.
إلى جانب التقارير الرسمية والاعلامية، أعرض هنا تجربة شخصية، لمستها – بنفسي – خلال أربع زيارات ميدانية، قمت بها لـ تايوان، وفقًا لمبدأ “صين واحدة”.
وضحت في هذه الزيارات بجلاء انحياز المواطنين الصينيين، على جانبي مضيق تايوان، لإعادة التوحيد بالوسائل السلمية، وتأكد لي، الانحياز، بالذات، في الزيارات التي قمت بها، في أعوام 2011 و2013 و2014، إبان حكم حزب كومينتانج.
الزيارة الأولى لتايبيه في عام 2005، قمت بها بحكم مهمتي مراسلا لـ الأهرام في طوكيو، كانت العلاقات في غاية التوتر، على جانبي مضيق تايوان، نتيجة للنزعة الاستقلالية المتشددة، التي كان يؤمن بها، وقتها، حاكم الجزيرة، شين شوي بيان، وحزبه المتطرف، ودفع الرجل، بعدها، ثمنا غاليا عند مغادرته كرسي الحكم، وذلك، عقب إدانته، هو وزوجته، بتهمة الرشوة، وحكم عليه بالسجن لمدة 19 عاما.
في السنوات التالية، إبان حكم حزب كومينتانج، 2008-2016، شهدت الأوضاع على جانبي مضيق تايوان هدوءا، وقدرا هائلا من الاتصالات – رفيعة المستوى – تكللت بـ اجتماعين تاريخيين، بين قيادتي الحزبين الحاكمين في بكين وتايبيه.
جمع أولهما بين الرئيس الصيني السابق، هو جينتاو، ونائب رئيس حزب كومينتانج، فينسنت سيو، في عام 2008، بجنوب الصين، والثاني عقد بـ سنغافورة في عام 2015، بين الرئيس الصيني الحالي، شي جين بينج، ورئيس حزب كومينتانج، الحاكم، ما يينج-جيو.
هذه الاتصالات رفيعة المستوى عقدت بين بكين وتايبيه وفقا لـ مصطلح “توافق 1992″، الذي يرمز إلى لقاء تاريخي، عقد بين الجانبين في هونج كونج في ذلك العام، ويُنسب إليه الفضل في تشكيل أساس دبلوماسي لتبادلاتهما شبه الرسمية.
أعود إلى التصريحات والتقارير الواردة من بكين وتايبيه، وما تحتويه من دلالات لاقتراب حسم المسألة التايوانية سلميا، وربما قبل حلول عام 2025.
في كلمة ألقاها أمس الأول، السبت، في الذكرى السنوية للثورة التي أطاحت بآخر سلالة إمبراطورية صينية، في عام 1911، قال الرئيس الصيني، شي جين بينج، نصا: ” إن قضية تايوان نشأت من الضعف والفوضى اللذين أصابا الأمة الصينية، وإن حلّها سيتم مع تحول النهضة العظيمة للأمة الصينية إلى حقيقة واقعة”.
وقال شي: “إن هذا يتحدد من خلال الاتجاه العام للتاريخ الصيني، ولكن الأهم من ذلك، إنها الإرادة المشتركة لجميع الصينيين.”
وأشار شي إلى أن إعادة التوحيد الوطني بالوسائل السلمية، تخدم مصالح الأمة الصينية كلها، بما في ذلك المواطنون في تايوان.
وقال شي: “يجب على المواطنين على جانبي مضيق تايوان الوقوف على الجانب الصحيح من التاريخ، والتكاتف لتحقيق إعادة التوحيد الكامل للصين والنهضة العظيمة للأمة الصينية”.
وأشار شي إلى أن أولئك الذين ينسون تراثهم، ويخونون وطنهم الأم، ويسعون إلى تقسيم البلاد لن يصلوا إلى نهاية طيبة، مضيفا أن الشعب سيحتقرهم وسيدينهم التاريخ، مؤكدا أن قضية تايوان شأن داخلي محض بالنسبة للصين، وهي قضية لا تحتمل أي تدخل خارجي.
وشدد شي بالقول: “إن إعادة التوحيد الكامل لبلادنا ستتحقق، ويمكن تحقيقها”.
في كلمته تلك، تبنى الرئيس الصيني نبرة أهدأ، تجاه سلطات تايوان المتشددة، مما كان عليه الحال في شهر يوليو الماضي، عندما تعهد بـ “بتحطيم” أية محاولات لصدور إعلان رسمي في تايبيه بـ استقلال الجزيرة الصينية.
في عام 2019، كان الرئيس شي قد هدد – بشكل مباشر – باستخدام القوة لإخضاع الجزيرة تحت سيطرة بكين.
تحديد تاريخ عام 2025، لحسم عودة تايوان للصين، ورد على لسان مسئول عسكري كبير في تايبيه، تشيوكوتشينج، عقب قيام أفراد من الجيش الصيني بإجراء دوريات في المناطق القريبة من تايوان، على مدى أربعة أيام متتالية، تزامنا مع الاحتفال باليوم الوطني لإعلان تأسيس الجمهورية.
قال تشيوكوتشينج: “كرجل عسكري، الصين قادرة – بالفعل – على إعادة تايوان بحلول عام 2025”.
بكين رفضت طلبات متعددة تقدمت بها رئيسة الحزب الديمقراطي التقدمي التايواني، تساي إنجون، منذ تسلمها للحكم في عام 2016، لإجراء محادثات مباشرة، ما لم تعترف حكومتها، المتشددة في تايبيه، أولا وعلنا، بأنها جزء من الصين.
في المقابل، قدم الرئيس الصيني، التهنئة الحارة لـ إريك تشو زعيم المعارضة في تايوان، على انتخابه رئيسا لحزب الـ كومينتانج.
قال الرئيس شي في رسالة التهنئة إنه استنادا إلى الأساس السياسي المشترك المتمثل في التمسك بتوافقات عام 1992 ومعارضة “استقلال تايوان”، انخرط الحزبان على مر السنين في تفاعلات إيجابية، وعززا النمو السلمي للعلاقات عبر المضيق، وجلبا منافع للمواطنين لدى الجانبين، وحققا نتائج ملحوظة.
وأعرب شي عن توقعاته بأن يلتزم الحزبان بالأساس السياسي المشترك، إلى جانب الدفاع عن المصالح الوطنية، والعمل معا للسعي لتحقيق رفاهية الشعب، والحفاظ على السلام عبر مضيق تايوان، وتحقيق إعادة التوحيد الوطني وتجديد شباب الأمة.
من جانبه، وردا على رسالة التهنئة، أعرب إريك تشو عن امتنانه للرئيس الصيني.
وفي معرض إشارته إلى أن أبناء الشعب على جانبي مضيق تايوان جميعهم صينيون، أعرب تشو عن أمله العميق في أن يتمكن الطرفان من تعزيز الثقة المتبادلة والتبادلات والتعاون على أساس التمسك بتوافقات عام 1992 ومعارضة “استقلال تايوان”.
كما أعرب تشو عن أمله في دفع التنمية السلمية للعلاقات عبر المضيق، والعمل معا من أجل منفعة المواطنين على الجانبين، وتعزيز السلام والاستقرار في المضيق.
بقيت الإشارة إلى الموقف الدولي والخارجي الأهم فيما يتعلق بالمسألة التايوانية، وهو موقف إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن.
حسب التقارير الصادرة عن محادثات زيوريخ الأخيرة، بين مسئولين صينيين وأمريكيين، فقد تعهدت واشنطن بالاستمرار في اتباع “سياسة صين واحدة”، في حين طالبتها بكين بالتوقف عن دعم القوى الانفصالية للحفاظ على السلام والاستقرار عبر مضيق تايوان.