هل تستطيع واشنطن تفكيك الأونروا؟ | مركز سمت للدراسات

هل تستطيع واشنطن تفكيك الأونروا؟

التاريخ والوقت : الثلاثاء, 9 أكتوبر 2018

عمر شعبان

 

تمتلك واشنطن أجندة أكثر عمقًا وقتامة من مجرد إحياء محادثات السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين. ففي 31 أغسطس الماضي، أعلنت إدارة ترمب، أنها ستعلّق كافة الدعم المالي لوكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا). وفي عام 2016، كانت واشنطن قد قدّمت 368 مليون دولار للأونروا، ما يعني أن الوكالة قد حُرمت من ثلث ميزانيتها. ومن ثَمَّ، فإن فصلاً كارثيًا جديدًا يبدأ في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني. وهذا مثال آخر على قيام إسرائيل والولايات المتحدة بخلق “حقائق جديدة على الأرض”، بغرض وضع حد للقضية الفلسطينية، خاصة عندما يتعلق الأمر بوضع القدس واللاجئين. فتجفيف أموال الأونروا يعدُّ وسيلة جديدة تتبعها واشنطن وتل أبيب. ويعتقد بعض المراقبين أن المساعدات المالية الأميركية للأنروا، بمثابة رشوة لإبقاء الفلسطينيين معتمدين على المنظمات الدولية؛ ولهذا السبب يستعد الاتحاد الأوروبي للبحث عن مصادر بديلة لتمويل الأونروا، مشيرًا في بيان موجه إلى أن وكالة الأمم المتحدة ذات دور “حيوي لتحقيق الأمن والاستقرار” في الشرق الأوسط. وتستخدم إدارة ترمب المساعدات كسلاح لتحقيق أهدافها، فلم يخفِ المسؤولون الأميركيون أنهم راغبون في التأثير على الفلسطينيين ودفعهم بالقوة لقبول خطة السلام التي طال انتظارها والتي وعد بها الرئيس دونالد ترمب.

إن خطة ترمب أعمق من كل ذلك، بل إنها أكثر قتامة من مجرد الإحياء البسيط للمفاوضات الفاشلة بين الفلسطينيين والإسرائيليين. وعلى مدى الـ25 سنة الماضية، وفرت محادثات السلام غطاء لاستيلاء إسرائيل التدريجيعلى ما كان يفترض أن تكون دولة فلسطينية في المستقبل، وعاصمتها القدس الشرقية. غير أن إدارة ترمب قامت بتصميم “عملية سلام” تقوم على وضع واقعي خلقته إسرائيل على الأرض. وقد تمَّ ذلك من خلال استهداف قضايا الوضع النهائي، مثل: الحدود، ووضع القدس، واللاجئين الفلسطينيين لصالح الجانب الأقوى، وهو إسرائيل. فاللعبة الوحيدة تكمن في إيجاد طريقة للضغط على الفلسطينيين لقبول اتفاق سلام. لقد قامت إسرائيل – بالفعل – بنقل حدودها عبر حروب متعددة، وطرد الفلسطينيين من منازلهم، وبناء مستوطنات يهودية غير شرعية على الأراضي الفلسطينية.

منذ حروب 1948، و1967، تعمل إسرائيل على الاستيلاء على بقية الأراضي الفلسطينية، ما يترك مساحة صغيرة في الضفة الغربية بسبب المستوطنات، في حين تحولت غزة إلى “غيتو” على ساحل صغير. وفي ديسمبر 2017، أعلنت الولايات المتحدة، القدس عاصمة لإسرائيل، ثم تمَّ نقل سفارتها من تل أبيب إلى القدس في مايو 2018، رغم الضجة التي أبداها الفلسطينيون والمجتمع الدولي.

تمثل الهدف الثالث لإدارة ترمب في إنهاء حق العودة للاجئين الفلسطينيين. ففي الرابع من سبتمبر، قال السفير الأميركي لدى إسرائيل “ديفيد فريدمان”، إن وقف تمويل الأونروا يعني أن الولايات المتحدة قد “أسرت البقرة المقدسة”، وذلك في إشارة إلى المساعدات المقدمة للاجئين. وعلى مدار محادثات السلام، وافقت إسرائيل على عودة رمزية لبضعة آلاف من اللاجئين الفلسطينيين إلى ما يعدُّ – اليوم – جزءًا من إسرائيل، وعودة اللاجئين الآخرين للدولة الفلسطينية مستقبلاً في الضفة الغربية وغزة. لكن إذا رفضت إسرائيل الاعتراف بفلسطين كدولة، فإنها لن تسمح أبدًا للاجئين من لبنان وسوريا والأردن بالانتقال للضفة الغربية وغزة، وأن يصبحوا مواطنين لدولة فلسطينية.

وقد اعتبرت واشنطن وتل أبيب، أن القضاء على عمل الأونروا، يمثل حلاً بديلاً، مفضلين تفكيك الأونروا وتنحية الفلسطينيين جانبًا في المد المتزايد للاجئين الناجم عن الصراعات في العراق وسوريا وليبيا وأفغانستان. إذ تريد واشنطن وتل أبيب أن يكون اللاجئون الفلسطينيون تحت مسؤولية وكالة الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، أو وضعهم تحت مسؤولية البلدان المضيفة لهم. وفي أغسطس الماضي، أفادت مجلة فورين بوليسي، بأن “جاريد كوشنير”، صهر الرئيس الأميركي دونالد ترمب، بجانب مستشاره، يعملان على التخلص من الأونروا. ذلك أن الهدف الرئيس من وراء تعليق وكالة الأمم المتحدة، هو تجريد الملايين من الفلسطينيين من حقوقهم ووضعهم كلاجئين. وفي حال تحقيق ذلك، يتعين على هؤلاء اللاجئين البحث عن إعادة توطين دائم في بلدانهم المضيفة مقابل تعويضات كبيرة لهذه الدول. وعندما تنتهي ولاية الأونروا في غضون عامين، فمن المؤكد أن واشنطن ستحول دون تجديد عملها. لقد كانت المرة الأخيرة التي تمَّ التجديد فيها للأونروا من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 2016. وبالنسبة للولايات المتحدة وإسرائيل، فإن الأمر بسيط؛ فإذا لم تكن هناك وكالة للأونروا، فلا توجد مشكلة تتعلق بلاجئي فلسطين. وإذا لم يكن هناك لاجئون، فلن يكون هناك حق للعودة، وسيكون هناك ضغط أقل لإقامة دولة فلسطينية. وهو ما يشير إلى أن الأونروا واللاجئين تمَّ استخدامهم سياسيًا من أجل تغيير أنماط حلول القضية الفلسطينية.

لقد سادت مشاعر القلق والغضب بين أبناء الشعب الفلسطيني وقيادته في أعقاب القرار الأميركي لوقف تمويل الأونروا. ومن الواضح أن اللاجئين قلقون من تأثير ذلك على أحوالهم المعيشية في المخيمات. فقرار ترمب يرمي إلى خلق أزمة مالية وسياسية تهدف إلى القضاء على الأونروا، التي هي الجزء الرئيس من قرار الأمم المتحدة رقم 194 الذي يدعو إلى حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلى ديارهم التي فقدوها عام 1948.

وبالنظر إلى عودة جميع اللاجئين، فمن غير المرجح أن الأونروا، هي الجهة الوحيدة التي يمكن أن تضطلع بهذا الأمر. ولهذا السبب يريد الأميركيون والإسرائيليون، إلغاء الأونروا وتقويض القضية الفلسطينية. وفي ذات الوقت، أدانت الجامعة العربية، القرار الأميركي بوقف التمويل الذي تشكل بموجب قرار من الأمم المتحدة التي تمثل المجتمع الدولي، حيث اعتبرت الجامعة العربية أن هذا التحرك يتعارض مع القانون الدولي.

لقد جاء القرار الأميركي في إطار الانقسام الفلسطيني والجهود المتعثرة للمصالحة بين فتح وحماس. كما حدث عندما أعلنت حماس أنها تفضل هدنة مع الاحتلال بدلاً من المضي قدمًا في المصالحة الفلسطينية. فقد يدفع هذا بعض الفصائل الفلسطينية إلى قبول الحلول الإنسانية وفقًا لخطة ترمب. وربَّما يتطلب هذا من الفلسطينيين تقديم تنازلات لإقامة دولة، حتى أكثر مما كان مطلوبًا بعد اتفاق أوسلو عام 1993 مقابل المكاسب الاقتصادية والحكم الذاتي والمساعدات الإنسانية.

فإذا تمَّ تفكيك الأونروا، فإنها ستفتح الباب لفصل قطاع غزة والضفة الغربية. وهو ما يحتوي – فعليًا – على دولة فلسطينية في غزة وحدها، مع الحفاظ على الاحتلال في الضفة الغربية والقدس الشرقية، مع نوع من الحكم الذاتي للفلسطينيين. وهذا ما يلغي فكرة إقامة دولة فلسطينية على حدود عام 1967، ويقوّض وحدة ومصير وتمثيل الشعب الفلسطيني.

وخارجيًا، سيشكل هذا التحرك لإغلاق الأونروا، تحديًا سياسيًا واقتصاديًا واجتماعيًا، لتلك البلدان المحيطة بإسرائيل من حيث التعامل مع أولئك الذين تمَّ تجريدهم من وضع اللاجئ؛ ذلك أن الدول التي تستضيف هؤلاء اللاجئين الفلسطينيين، ومنها لبنان والأردن وسوريا، تخشى هذا العمل وتداعياته؛ إذ حذّر وزير الخارجية الأردني، أيمن الصفدي، من أن وقف المساعدات عن الأونروا “سيؤدي إلى توطيد بيئة من اليأس تخلق في نهاية المطاف بيئة خصبة لمزيد من التوتر”. وفي الواقع، يعدُّ ذلك، الفصلَ الكارثيَّ في الصراع.

 

إعداد: وحدة الترجمات بمركز سمت للدراسات

المصدر: موقع فير أوبزيرفر

 

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر