سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
في الساعات الأولى من يوم 1 فبراير 2021، توغلت الدبابات في مدن “يانغون” و”ناي بي داو” الرئيسية في ميانمار، حيث انتشرت القوات في كل مكان لإغلاق الطرق وحركة المرور، في حين انقطعت خطوط الاتصالات والتلفزيون. وأعلن المجلس العسكري العام حالة الطوارئ بعد الانتخابات الوطنية التي أجريت في 8 نوفمبر 2020 مع وجود اتهامات بالتزوير تزعم بأن الرابطة الوطنية من أجل الديمقراطية التي تقودها “أونغ سان سو كي”، فازت بانتصار كبير على المرشح المدعوم من الجيش الذي يتبع حزب اتحاد التضامن والتنمية المعارض. وقد تم اعتقال عضو مجلس الدولة “أونغ سان سو كي” وأعضاء آخرين في الرابطة الوطنية من أجل الديمقراطية، بينما نُقل جميع السلطات إلى القادة العسكريين وتمَّ إعلان الجنرال السابق “مينت سوي” رئيسًا بالإنابة.
ونظرًا لأن ميانمار عضو في رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان)، فإن أزمتها السياسية المحلية تمتد إلى ما وراء حدودها المادية لتشمل الآسيان كمؤسسة إقليمية. ومنذ تشكيل الآسيان في عام 1967، كان عدم التدخل والتوافق هو الإطار الأساسي للتعاون الذي أطلق عليه اسم “طريقة الآسيان”. وقد تمت الإشادة به باعتباره نهجًا فعالاً يحفظ ماء الوجه على أساس العلاقات الشخصية التي لا تمارس علنًا. ويعتمد هذا على فهم شخصي بأن كل عضو لديه القدرة والقوة الكافية للتعامل مع مشاكلهم الداخلية الأخرى.
ومع ذلك، فإن “طريقة الآسيان” ينظر إليها بشكل مختلف من قبل قادة الدول الحاليين في جنوب شرق آسيا. ويذكر البعض كذلك أنه لا يمكن للمرء أن يعبر عن آرائه تجاه الشؤون المحلية لدول أخرى، في حين أن الدول الأخرى غير أعضاء بالآسيان يمكنها التعبير صراحة عن آرائها حول هذه الأمور. فعلى سبيل المثال، تمَّ انتقاد الانقلاب العسكري في ميانمار من قبل الولايات المتحدة وأستراليا واليابان ودول غربية أخرى. ومن الواضح أن 15 من أعضاء مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة أصدروا أيضًا بيانًا دعوا فيه إلى “مواصلة دعم التحول الديمقراطي في ميانمار” و”الإفراج الفوري” عن جميع السجناء. من ناحية أخرى، فإن “الآسيان” كمؤسسة إقليمية، يمتنع بعض أعضائها عن التعبير عن آرائهم فيما يتعلق بالانقلاب العسكري باستثناء ماليزيا وإندونيسيا، وهما مؤسسا “الآسيان” ولديهما أفضل ديمقراطية بين أعضاء الآسيان. كما تُبدي بروناي القلق لأنها تترأس رابطة دول جنوب شرق آسيا حاليًا.
ويمكن لرابطة دول جنوب شرق آسيا أن تدعو ميانمار إلى احترام حقوق الإنسان والديمقراطية كما فعلت في المراحل الأولى لإرساء الديمقراطية في البلاد. فعلى سبيل المثال، يمكن الإشارة إلى المشكلة التي واجهت عملية إرساء الديمقراطية في عام 2003، والهجوم على “أونغ سان سو كي” وأنصاره ضد قافلته، مما أدى إلى مقتل 70 شخصًا مرتبطين بالرابطة الوطنية من أجل الديمقراطية عندما تمَّ القبض على “سو كي”. واستجابة لذلك، شجَّع أعضاء الآسيان ميانمار على التخلي عن دورها كرئيس للاجتماع الوزاري لرابطة أمم جنوب شرق آسيا لعام 2006 للفلبين في العام التالي، وأدلى وزراء الآسيان ببيان بشأن المخاوف بشأن استخدام القوة العسكرية المسلحة.
وتحث “الآسيان” ميانمار على ضبط النفس والبحث عن حلول سياسية من خلال المصالحة الوطنية وعملية التحول الديمقراطي بدلاً من تجميد عضويتها أو طردها من “الآسيان”. ولاستعادة صورتها على المستوى الدولي، تسمح ميانمار بمزيد من حرية التعبير، كما في عام 2011 سُمح للمجتمع المدني وحرية التعبير في ميانمار عندما وصل زعيم مدني مدعوم من الجيش إلى السلطة هو “ثين سين”. وقد أتيحت له الفرصة ليصبح رئيس رابطة دول جنوب شرق آسيا في عام 2013 توافقًا مع الإصلاحات والتقدم السياسي الذي تمَّ إحرازه في ميانمار.
وفي الوضع الراهن لميانمار، قام المجلس العسكري بانقلاب ضد “سو كي”، وسلَّم السلطة إلى القادة العسكريين. وهو ما يوضح أن فشل الآسيان في الحفاظ على عملية التحول الديمقراطي يمكن أن يكون له على الأقل تأثير سلبي على “الآسيان” ككل، مثل تخلف الديمقراطية وحقوق الإنسان الذي اقترن بميثاق رابطة دول جنوب شرق آسيا لعام 2008. وقد يكون لظهور قائد عسكري من خلال انقلاب عسكري تأثير غير مباشر على أعضاء الآسيان الآخرين للمراهنة على أنه لا يوجد شيء أكثر خطورة من موجة الشتائم في الأيام والأسابيع المقبلة. ويجادل “سيباستيان سترانجيو”، بأنه يمكن أن يكون الانقلاب العسكري في ميانمار نتيجة لغياب استجابة فعالة وفي الوقت المناسب للانقلاب العسكري في تايلاند المجاورة في عام 2019. وقد يؤدي ذلك إلى انقلابات عسكرية محتملة في دول أخرى في جنوب شرق آسيا، إذ يمكن الإطاحة بالزعيم الشرعي، وبسهولة بدون دعم عسكري. ثانيًا، يبدو أن فشل عملية الديمقراطية بين أعضائها، ولا سيَّما ميانمار، يمثل بادرة تمنع “الآسيان” من تعميق تعاونها لتصبح مؤسسة إقليمية مثل الاتحاد الأوروبي. وبالتالي، يظل هذا الأمر مشروعًا نخبويًا. وبينما لا تزال عملية التحول الديمقراطي تمثل مشكلة، سيحاول القادة الاستبداديون في “الآسيان” استخدام السيادة كذريعة لمنع الآخرين من التعبير عن آرائهم بشأن القضايا المحلية. وبالتالي، فإن التحول الديمقراطي في كل عضو سيلعب دورًا مهمًا حتى يكون للمواطنين صوت في آسيان عندما تكون المؤسسات السياسية ديمقراطية. ثالثًا، وفي إطار الوضع الراهن، لعبت “الآسيان” دورًا مهمًا في الجمع بين العديد من البلدان، بما في ذلك الولايات المتحدة والصين والهند وأستراليا واليابان وغيرها من اللاعبين الرئيسيين. ومع ذلك، ورغم المنافسة الشديدة بين الصين والولايات المتحدة، فإن “الآسيان” عرضة للسياسات الخارجية لأعضائها. وستتجه بعض الدول الديمقراطية نحو الولايات المتحدة والدول الغربية، في حين ستحتضن بعض الأنظمة الاستبدادية الصين بسبب عدم تركيزها على حقوق الإنسان والديمقراطية. وعلى سبيل المثال، فرغم أن تايلاند تعدُّ حليفًا للولايات المتحدة، فقد أظهرت في السنوات الأخيرة ميلاً للتحرك نحو الصين بعد الانقلاب العسكري عام 2019. وفي عام 2019، وقَّعت تايلاند اتفاقية مع الصين لشراء أسلحة صينية، بما في ذلك الغواصات وصواريخ كروز المضادة للسفن والسفن البرمائية.
وفي هذا الصدد، ينبغي على “الآسيان” أن تولي المزيد من الاهتمام لقضايا الديمقراطية وحقوق الإنسان في المنطقة، ولا سيَّما القضية السياسية الحالية في ميانمار. وبالتالي، فلا يزال من الممكن الالتزام بمبادئ طرق رابطة أمم جنوب شرق آسيا ورابطة أمم جنوب شرق آسيا من خلال تشجيع ميانمار على إجراء مصالحة وطنية فيما يتعلق بالدستور الوطني لميانمار وميثاق رابطة أمم جنوب شرق آسيا في عام 2008. ويجب أن تتولى دار السلام، رئيسة رابطة أمم جنوب شرق آسيا، زمام المبادرة للمساعدة على تحقيق الاستقرار وحل المشاكل السياسية في ميانمار كما حدث في عام 2008، عندما وقع الخلاف الحدودي بين كمبوديا وتايلاند. وفي ذلك الوقت، كانت إندونيسيا هي التي تشغل هذا المقعد فاغتنمت الفرصة من خلال القيام بمهام المساعي الحميدة وتشجيع كمبوديا وتايلاند على حل المشاكل بالوسائل السلمية بدلاً من تبادل الرصاص.
إعداد: وحدة الترجمات بمركز سمت للدراسات
المصدر: Netral
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر