سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
نيكولاس فيلاسكيز
عندما زار وزير الخارجية “مايك بومبيو” بيلاروسيا “لتطبيع” العلاقات معها، كان القليلون قادرين على التنبؤ بالتوترات التي قد تنحدر إليها علاقات بيلاروسيا مع روسيا. لقد أمضت بيلاروسيا، التي غالبًا ما توصف بأنها “آخر دكتاتورية في أوروبا”، جزءًا كبيرًا من تاريخها القصير المرتبط بروسيا من خلال ترتيبات ثنائية مختلفة. وعلى الرغم من أن بيلاروسيا تعتمد على روسيا اقتصاديًا، فإن رئيس بيلاروسيا “ألكسندر لوكاشينكو” وجد نفسه في خلاف مع روسيا قبل الانتخابات الرئاسية في 9 أغسطس في بيلاروسيا.
ومع الاتهامات الموجهة لروسيا بمحاولة تنظيم انقلاب في بيلاروسيا، فمن الواضح تمامًا أن موسكو على وشك إبعاد نفسها عن “مينسك”، الحليف الأخير لها في أوروبا.
وعندما استولت روسيا بشكل غير قانوني على شبه جزيرة القرم من أوكرانيا في عام 2014، اختار الرئيس “لوكاشينكو” توجيه بيلاروسيا على طريق الحياد؛ وهو ما أثار قلقًا شديدًا لدى موسكو، التي تعتبر أي شيء أقل من الدعم يمثل عملاً من أعمال التخلي عنها. لكن الحقيقة وراء هذه الخطوة معقدة وتتعلق بخوف “لوكاشينكو” من روسيا الحازمة بقيادة الرئيس “بوتين” الذي اقترح، في وقت مبكر من عام 2002، دمج بيلاروسيا مع روسيا. وفي الواقع، رفضت بيلاروسيا العديد من المقترحات الروسية لتعميق العلاقات بين البلدين، بما في ذلك تطبيق عملة موحدة والحوكمة الوطنية.
وعادة ما يكون رفض مثل هذه المقترحات مصحوبًا بنزاعات تجارية يتم حلها من قبل طرفي النزاع بشكل مباشر. ومع ذلك، في عام 2020، اختلفت الأمور، فأدى نزاع حول الطاقة إلى زيارة وزير الخارجية “مايك بومبيو” إلى بيلاروسيا في الأول من فبراير 2020. وقد شكلت هذه الزيارة أعلى زيارة قام بها مسؤول أميركي منذ أكثر من عقدين. فقد عمل وصول “بومبيو” على تذكير “لوكاشينكو” بأنه لا يحتاج إلى الاعتماد على روسيا في تلبية احتياجات روسيا البيضاء من الطاقة. علاوة على ذلك، تشير الزيارة إلى مصلحة الولايات المتحدة في كسر قبضة روسيا على بيلاروسيا واحتكارها لها وزيادة عزل روسيا في أوروبا.
هنا ربَّما لا تحتاج الولايات المتحدة إلى فعل الكثير من أجل رؤية روسيا معزولة عن بيلاروسيا، لأن روسيا قد تفعل ذلك بنفسها. ففي 29 يوليو، اعتقلت القوات الخاصة الروسيةKGB وOMON 32عددًا من الأشخاص خارج “مينسك” على صلة مزعومة بمجموعة “فاجنر”Wagner Group في موسكو، وهي شركة عسكرية روسية خاصة غامضة تعمل في مناطق النزاع الملتهبة. ويبدو أن القصة فاجأت موسكو عندما صرح السكرتير الصحفي للكرملين “ديمتري بيسكوف” أن روسيا لا تعرف أي شيء عن هذا الأمر. وقد ادعى الروس المحتجزون أنهم كانوا في طريقهم إلى إسطنبول لزيارة كنيسة “آيا صوفيا”.
وقدتفاقمت الأزمة أكثر عندما اتهم “لوكاشينكو” روسيا بالكذب فيما يتعلق بالحادث، وأن المرتزقة كانوا يخططون لـ”مذبحة في وسط مينسك”. ويشتبه مجلس الأمن البيلاروسي في أنه يمكن أن يكون هناك 170 مرتزقًا روسيًا آخرين في بيلاروسيا وأنهم يخططون الإطاحة بالرئيس “لوكاشينكو”. ومع استمرار تطور الوضع، يبدو من الواضح أن هذا الاتهام أكثر جوهرية من مخاوف “لوكاشينكو” في يونيو من “ميدان” في بلاده قبل إعادة انتخابه.
وتهدد هذه الأزمة العلاقة الضعيفة لروسيا مع بيلاروسيا، إذ تتجسد مخاوف “لوكاشينكو” في الاعتداء الروسي على بلاده، على الأقل من وجهة نظره. ووفقًا لـ”ألكسندر فيدوتا”، المستشار السابق للرئيس، فإن لوكاشينكو “شخصيًا يبدو خائفًا من روسيا”. كما يبدو من غير المرجح أن يترك “لوكاشينكو” هذا الموقف لأنه يقاوم مطالب روسيا بالإفراج عن المرتزقة المحتجزين. وقد حذر “دميتري ميدفيديف”، نائب رئيس مجلس الأمن الروسي، من “عواقب وخيمة” إذا لم تفرج بيلاروسيا عن الروس المحتجزين. وردًا على ذلك، قال “لوكاشينكو” إن على روسيا ألا تحاول ترهيب بيلاروسيا ذلك أنهم “على دراية بكل التداعيات”.
وسط التوترات المتزايدة، أجرى “لوكاشينكو” والرئيس الأوكراني “فولوديمير زيلينسكي” مكالمة هاتفية تمَّ خلالها مناقشة مسألة المعتقلين الروس. وناقش الاثنان احتمال تسليم 28 من المعتقلين لمشاركتهم في حرب “دونباس” الأوكرانية، وهي حرب شهدت تورط انفصاليين تدعمهم روسيا. علاوة على ذلك، يجري العمل على عقد قمة ثنائية بين “لوكاشينكو” و”زيلينسكي” في أعقاب التطورات خارج “مينسك”. وقد أدى الحوار بين “لوكاشينكو” و”زيلينسكي”، وكذلك طلبات التسليم المتزايدة، إلى دعوة كل من المدعيين العامين الروسي والأوكراني للتحقيق مع المرتزقة المحتجزين في 6 أغسطس.
بغض النظر عن نتيجة أي تحقيق من هذا القبيل، فإن مناورة استدعاء الرئيس “زيلينسكي” رسميًا إلى الرئيس “بوتين”، تشير إلى تدهور كبير في العلاقات بين بيلاروسيا وروسيا. إذ لا يمكن فصل تصرفات “لوكاشينكو” للحفاظ على الاستقلال الذاتي لبيلاروسيا عن روسيا عن تصرفات “لوكاشينكو” للحفاظ على نفسه كرئيس لبيلاروسيا. فقبيل محاولة إعادة انتخابه الصعبة وسط السخط المتزايد ضده، يسعى “لوكاشينكو” إلى الحفاظ على صورته كقومي قوي معارض للمتدخلين الأجانب.
ويقدم هذا الحادث مثالاً على أن “لوكاشينكو” ليس لديه ولاء لموسكو؛ بل إنه يعمل فقط للحفاظ على بقائه وسلطته. يبقى أن نرى هل بالإمكان أن تصبح بيلاروسيا دولة عازلة بين الغرب وروسيا بدلاً من أن تصبح حليفًا لروسيا. ومع ذلك، فإن السيناريو الأقرب حاليًا أكثر من أي وقت مضى هو أن تستمر مخاوف “لوكاشينكو” من روسيا في المدى المنظور.
إعداد: وحدة الترجمات بمركز سمت للدراسات
المصدر: جيوبوليتيكا مونيتور
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر