هل تؤدي مفاوضات التنمية المشتركة بين الصين والفلبين لقطع العلاقات الصينية بجنوب شرق آسيا؟ | مركز سمت للدراسات

هل تؤدي مفاوضات التنمية المشتركة بين الصين والفلبين لقطع العلاقات الصينية بجنوب شرق آسيا؟

التاريخ والوقت : الإثنين, 21 أكتوبر 2019

مارك ج. فالنسيا

 

تعتبر القوة الناعمة هي القدرة على استخدام التأثير الاقتصادي أو الثقافي للتأثير على تفضيلات الآخرين. وعلى مدار العقد الماضي، اكتسبت الصين قوة ناعمة كبيرة في جنوب شرق آسيا مقارنة بالقوة الأميركية في الفلبين.

ومن خلال اغتنام فرصة خطيرة تتعلق بانتخاب “رودريغو دوتيرتي” المناهض للولايات المتحدة رئيسًا، قامت الصين بجزْر الفلبين وإخراجها من مدار الولايات المتحدة في موقف أكثر حيادية بين الاثنين. لكن علاقاتها المحسّنة إلى حد بعيد مع الفلبين، التي أثارت بالفعل زخمًا واضحًا تجاه جزء كبير من جنوب شرق آسيا، تتوقف على ما إذا كانت قد توصلت إلى اتفاق مشترك بشأن تطوير مشاريع النفط مع الفلبين أم لا.

وحاليًا تطالب الصين بنسبة كبيرة من المنطقة الاقتصادية الخالصة التي تبلغ مساحتها 200 ميل بحري في الفلبين، بما في ذلك منطقة “ضفة ريد” المعروفة بأنها تحتوي على موارد بترولية؛ إذ تجري محادثات بين الصين والفلبين بشأن مشروعات التنمية المشتركة للنفط والغاز. وعلى ذلك، فإذا توصل الطرفان إلى اتفاق، وتمَّ تنفيذه بنجاح على المستويين السياسي والاقتصادي، فقد يشكل ذلك سابقة للمفاوضات مع منافسين آخرين للصين، مثل: بروناي، وإندونيسيا، وماليزيا، وفيتنام.

ووفقًا لرئيس شركة “دوتيرتي”، فإن الرئيس الصيني “شي جين بينغ” أخبره بأن يترك قرار التحكيم ومطالبته بذلك، معتبرًا أن الصين ستكون في وضعٍ يتسم بقدر من السخاء معه حيث ستمنحه نسبة 60٪ من المشروع، بينما النسبة المتبقية ستكون من نصيب الشركات الصينية.

وإذا كان الرئيس الصيني يرى أن بلاده ستقبل بحصة 40٪ في إطار اتفاق تجاري مع عملاء تابعين للحكومة الفلبينية، فإن هذا سوف يفي بالشرط الدستوري للفلبين الذي يقضي بتقسيم 40%/60% على الأقل لصالح الفلبين. كما أنه ينطوي على سيادة الفلبين على المورد.

لكن، ومن منطق أن “الشيطان يكمن في التفاصيل”، فإن الفلبين تصر على أن المزاعم الصينية التاريخية بشأن امتلاكها لنصيب الأسد في بحر الصين الجنوبي، إنما هي ادعاءات غير قانونية. وهو ما حكمت به لجنة تحكيم دولية نظرت في الطعن القانوني للفلبين بشأن المزاعم الصينية. لكن بكين لطالما غزَّت سكانها بفكرة أن هذه المنطقة كانت تاريخيًا جزءًا من “الوطن الأم” منذ الأزمنة البعيدة. كما تؤكد أنه، تمامًا كما هو الوضع بالنسبة لتايوان، وماكاو وهونج كونج، فقد تمَّ الاستيلاء على هذه المنطقة من قبل القوى الإمبريالية وحلفائها. وبالتالي، فإنها تنتمي إلى الصين، بل وينبغي المطالبة بها. وتأكيدًا على هذا الموقف الانتقامي، فقد تعهد الرئيس “شي جين بينغ”، في خطابه الذي ألقاه أثناء الاحتفال بالذكرى التسعين لجيش التحرير الشعبي، بأن الصين “لن تسمح أبدًا لأي شعب أو منظمة أو حزب سياسي بتقسيم أي جزء من الأراضي الصينية خارج البلاد في أي وقت، وبأي شكل كان”.

ومن الواضح أن الاعتراف المتبادل من جانب أي من الطرفين بأن الآخر لديه أساس مشروع لمطالبته، فقد بات أمرًا مستحيلاً من الناحية السياسية. وحتى الاعتراف الضمني بهذا الصدد سيكون أمرًا صعبًا. ومن ثَمَّ، فمن أجل التوصل إلى اتفاق مع الفلبين، فإنه من المتعين على القيادة الصينية أن تُمَيِّز بين مطالبها الإقليمية التي ترتبط بأوضاع توازن القوة في مواجهة بقية القوى الإقليمية، ومطالبها القانونية بشأن وضعية الحقوق في المنطقة في المقام الأول؛ وبالتالي عليها أن تشرح الفرق بين هذين المستويين بطريقة مقبولة للجمهور. وبعبارة أخرى، من المتعين على بكين أن تتنازل ضمنيًا عن مطالبها التاريخية المتمثلة في بحر الصين الجنوبي، سواء على مستوى الموارد، أو النقاط الحدودية البحرية. لكن السؤال سوف يبقي حول ما إذا كانت بكين قادرة على القيام بذلك بالفعل أم لا.

وإذا كان هناك إمكانية التقسيم بموجب نسبة 40%/60% على خلاف الادعاء التاريخي للصين، فلن تنجح المفاوضات الجارية حاليًا بشأن التنمية المشتركة بالمنطقة المتنازع عليها، وقد تنهار الثقة أيضًا. لكن إذا كانت التنمية المشتركة في تلك المنطقة مع الفلبين، وخاصة فيما يتعلق بالشروط المواتية للفلبين، ناجحة من الناحية السياسية والاقتصادية، فإنها سوف تخلق سابقة بالنسبة للمطالبين الآخرين المنافسين لبكين. ذلك أن مجرد إمكانية التقدم بحد ذاته دون تراجع كبير، قد يكون كافيًا للحفاظ على العلاقات بين الصين ورابطة دول جنوب شرق آسيا (الآسيان) في كافة أنحاء المنطقة.

لكن الصين ربَّما تبدو على وشك ارتكاب خطأ كبير من شأنه أن يُقوِّض مكاسبها الكبيرة على مستوى القوة الناعمة في جنوب شرق آسيا. فقد صعدت أخيرًا من ضغوطها على العديد من منافسيها الآخرين في منطقة بحر الصين الجنوبي، بما في ذلك فيتنام وماليزيا والفلبين. أمَّا بالنسبة للفلبين، فإن هذه الضغوط قد شملت السيطرة المتواصلة على الفلبين، والتي تطالب بها في منطقة سكاربورو، بالإضافة إلى حشد قوارب الصيد بالقرب من النقاط المتنازع عليها التي تحتلها الفلبين، وكذلك محاولاتها لمنع إعادة تزويد الفلبين بجنودها.

ومن ثَمَّ، فإذا ذهبت الصين إلى أبعد من ذلك، فبإمكانها تمكين معارضة “دوتيرتي” التي تتصاعد خلال الآونة الأخيرة والتي تسعى لتغيير السياسات الودية تجاه الصين، فإن تصرفات الصين من شأنها أن تسبب لـ”دوتيرتي” حرجًا بالفعل، كما أنها تغضب إدارته. ووفقًا لوزير الخارجية الفلبيني “تيودورو لوكسين”، فإن “الصين على وشك أن تتجاوز الحدود في إطار علاقاتها مع الحكومة الفلبينية”.

أمَّا إذا دفعت مطالب الصين وأعمالها العدوانية “دوتيرتي” إلى زاوية سياسية داخلية، فإنه من غير المتوقع أن يخسر الفلبين فحسب، بل يمكن أن يخسر الكثير من العلاقات السياسية التي يحظى بها مع العديد من الأطراف الأخرى في كامل إقليم جنوب شرق آسيا.

وعلى ذلك، فمن المتعين على الصين أن تلعب بالأوراق التي تمتلكها بعناية فائقة. أمَّا إذا لم يحدث ذلك، فإن المستفيد الرئيسي سيكون الولايات المتحدة، المنافس الرئيس لـ”بكين” على الهيمنة الإقليمية. ومن ثَمَّ، فإن اتفاقية التنمية المشتركة مع الفلبين سوف تقطع شوطًا طويلاً نحو منع فشل السياسة للصين.

 

إعداد: وحدة الترجمات بمركز سمت للدراسات

المصدر: أوراسيا ريفيو

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر