سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
جون رينتول
على رغم كونها شخصاً يمتلك خبرة حكومية تفوق خبرة أي رئيس وزراء محافظ منذ أليك دوغلاس – هوم، لا تزال ليز تراس تشكل لغزاً. ذات يوم بحثت عنها عما كان بوسعي إيجاده في جميع الذكريات والمذكرات والسجلات الفورية التي تغطي السنوات العشر الأخيرة من السياسات البريطانية. في الواقع إن الأثر الذي تركته في تلك السجلات لا يكاد يذكر.
يشكل أحد أكثر التقارير انتشاراً لها تلك السنتين اللتين أمضتهما كوزيرة مبتدئة في وزارة التعليم، وهو تقرير أجراه دافيد لوز الذي كان وزيراً عن الحزب الليبرالي الديمقراطي في الوزارة نفسها، وبغض النظر عن إعجابه بطموحها وطاقتها وتشابهها مع مارغريت تاتشر، لم تترك تراس أي إرث يذكر.
وكانت أبرز حادثة مثيرة في تلك الفترة هي مواجهة بين تراس ونيك كليغ نائب رئيس الوزراء، بشأن دور الحضانة التي تفاخرت بها خلال الحملات الانتخابية الأخيرة في لندن. عام 2013 أرادت السماح لدور الحضانة بأن يكون لديها طاقم عامل أقل بكثير مقارنة بعدد الأطفال، حتى وإن أظهرت المشاورات بأن ذلك الأمر لا يحظى بشعبية بشكل ساحق، كما كتب لوز في تقريره مضيفاً بأن “ليز لا تغير رأيها”.
شكلت تلك معركة غريبة لكي يخوضها المرء وبالنهاية تراس خسرتها، ولكنها كانت مندفعة بما يكفي لتلفت الأنظار خارج وزارتها إلى السيد كليغ. الأخير رفض دعمها وقال لوز بأنها أسرت له بأن دافيد كاميرون ومايكل غوف وزير التربية شجعاها لرفع قضيتها إلى طاولة مجلس الوزراء. وكانت لا تزال تحاول الدفع بالسياسة قدماً عندما تمت ترقيتها لدخول مجلس الوزراء كوزيرة دولة للبيئة والغذاء والشؤون الريفية عام 2014.
إن فكرة تغيير نسب رعاية الأطفال [نسبة المربيات/المربيين إلى عدد الأطفال] للسماح للعاملين الاهتمام بمزيد من الأطفال هي إحدى تلك السياسات السيئة التي لن تموت أبداً وبرزت مجدداً في توليفة حكومية أخرى خلال شهر يوليو (تموز) من العام الحالي. وفي هذا الصدد، قال وزير التربية ناظم زهاوي وويل كوينس وزير الدولة لشؤون التربية أن ذلك يمنح مقدمي الرعاية في دور الحضانة مزيداً من “المرونة”.
وإذا أردنا أن نكون عادلين مع تراس، يصعب تحقيق إنجازات في منصب وزاري مبتدئ. وتزود مذكرات كريس مولينز بعنوان “A View From the Foothills” (نظرة من سفح التلال) التي يتطرق فيها عن الفترة التي أمضاها في حكومة بلير تقريراً مسلياً عن العجز المريب لعامل في منصب مساعد برلماني في وزارة الخارجية [أدنى المناصب الوزارية – يأتي بعد الوزير ووزير الدولة].
بيد أن سجلها كوزيرة في الحكومة كان بالكاد يدور حول “التنفيذ والتنفيذ والتنفيذ” كما أعلنت في فيديو إطلاق حملتها لرئاسة الحزب. تولت منصب وزيرة دولة للبيئة والغذاء والشؤون الريفية لمدة عامين، إذ يذكرها الناس في ذلك الخطاب الذي ألقته في مؤتمر حزب المحافظين بشأن واردات الجبن وأسواق لحم الخنزير. قامت تيريزا ماي بترقيتها إلى وزيرة عدل لسنة، إذ تعاملت بشكل سيئ مع المؤسسات القضائية لدرجة أنه تم تخفيض رتبتها إلى سكرتير أول في وزارة الخزانة. فقدت منصبها كوزيرة في الحكومة واحتفظت بالحق في حضور الجلسات الوزارية بصفتها نائبة وزير الخزانة فيليب هاموند الذي لم يكن يحظ بثقة ماي.
في ذلك الوقت، تحدثت بحماس عن السوق الحرة بما في ذلك أمام الصحافيين، ولكنني أعتقد أن هاموند لم يكن ليسمح لها بالاقتراب من أي قرارات سياسية جوهرية. وخلال تلك السنتين سجل لها حديث وهي تقول أن “هنالك مشكلة أساسية في ثقافة العمل البريطانية”، وهي أن الأشخاص الذين أرادوا “إجابات سهلة” كانوا مستعدين لتوجيه اللوم لأوروبا أو اللاجئين للمشكلات التي يعانونها، “بيد أنه في الواقع ما يجب أن يحصل هو مزيد من العمل بجهد”.
التناقض مع المسيرة المهنية لأول وزير عملت تحت جناحه لافتة للنظر، فقد عملت في ثلاث وزارات نفسها التي عمل فيها مايكل غوف. الأخير لديه سجل حافل في كل منها. في التعليم وسع بشكل كبير برامج أكاديميات “حزب العمال الجديد” وأطلق مدارس مجانية، وفي وزارة العدل بدأ إصلاحاً إنسانياً للسجون وإن كان عمله سهلاً لاقتصاره على عكس بعض سياسات سلفه كريس غرايلينغ الذي حد من وصول المساجين للكتب. وفي وقت لاحق، في وزارة البيئة والغذاء والشؤون الريفية تبين أنه مدافع فذ عن البيئة يتمتع بالطاقة والابتكار. وفي المقابل ليس لدى تراس كثير لإظهاره عن الوقت الذي أمضته في أي من تلك الوزارات.
لعل تراس هي أقل شخص شهرة يصبح رئيساً للوزراء منذ جون ميجور
في الحقيقة بوريس جونسون هو من جعل من خلافتها له أمراً ممكناً، فمن خلال تعيينها وزيرة التجارة الدولية، أتاح لها الاستفادة من إجراء “مفاوضات للاتفاقات التجارية”، مما شكل طريقة مبتكرة لوصف البيروقراطية الضرورية بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في تكرار الشروط التجارية التي تمتعت بها المملكة المتحدة كعضو في الاتحاد الأوروبي، بعد مرور عامين ومع بروز ريشي سوناك كأكثر السياسيين شعبية في البلاد بسبب طريقة تنفيذه خطة مكافحة جائحة كورونا، شعر جونسون بما يكفي من الخوف ليرقي تراس إلى منصب وزيرة الخارجية على أمل أن يقلل التنافس على القيادة من أهمية وزير خزانته صاحب القوة المفرطة.
فشلت الخطة إن كانت تهدف لبقائه على رأس الحكومة ولكنها نجحت من وجهة نظر تراس، وعلى الرغم من أن جونسون قد يكون شعر بالاختناق في وقت نجحت ليز تراس في المكان الذي فشل فيه كوزير خارجية، في التفاوض على إطلاق سراح نازانين زغاري-راتكليف وأنوشه أشوري في مارس (آذار) من العام الحالي. تبقى آليات ذلك الانتصار الدبلوماسي غامضة، لكن إذا أردنا الحكم على فعالية تراس في كواليس الحكومة، فإنها كانت بغاية الأهمية.
ومع هذا لم يكن لدى كثير من رؤساء الوزراء عند تبوئهم المنصب خبرة وزارية سابقة. حتى تاتشر تولت منصب وزيرة التعليم لفترة وزارية واحدة بين عامي 1970 و1974 كما أورد كاتب سيرتها تشارلز مور، وقد اعتبرت بأن المدارس تقع ضمن نطاق مسؤولية السلطات المحلية. ورأت أن وظيفتها تتمثل في محاولة حماية ولو عدد قليل من المدارس من التحول إلى مدارس شاملة [بعكس مدارس القواعد هذه مدارس عامة لا تنتقي طلابها بل تقبل الجميع بغض النظر عن مستوياتهم] وفي الدفاع عن موازنة الوزارة، وهو أمر حققته بنجاح.
ولم يمض جون ميجور كثيراً من الوقت في الوزارة قبل توليه رئاسة الحكومة، كما لم يكن لدى توني بلير ودافيد كاميرون أية خبرة وزارية مطلقاً، ولكن وصول رئيس وزراء من المعارضة هي مسألة مختلفة تماماً، فأن يكون المرء زعيم المعارضة هو عمل مكشوف واختبار قاس، إذ يتعين على مرشح رئيس الوزراء أن يضع بياناً مفصلاً.
بيد أن تراس من الجهة الأخرى نجحت في إنجاز حملتها لزعامة الحزب من دون إرساء خطة عمل حيال الأزمة التي تواجهها البلاد. ليس هذا وحسب، بل كان كلامها عن نفسها شحيحاً بغض النظر عن ترهات كونها “من يوركشاير” وارتيادها مدرسة رفضت إدخال تلاميذ آخرين، نظراً إلى الاهتمام التي تم إيلاؤه لحياة بوريس جونسون الشخصية، تفاجئنا قلة الأهمية التي أوليت للجدل حول علاقتها بمارك فيلد النائب السابق عن حزب المحافظين في عامي 2004 و2005، الأمر الذي هدد بإبعادها عن الفوز بمقعدها عن نورفولك في عام 2009. كانت المرة الأولى التي أسمع فيها أحداً يتطرق إلى هذه المسألة خلال الحملة الانتخابية في بيرث في الـ16 من أغسطس (آب) عندما طرح أحدهم سؤالاً على ريشي سوناك استهله بالقول “سيكون من الرائع رؤيتك في داونينغ ستريت كرجل يتمتع بقيم عائلية وقيم عائلية تقليدية”.
ولعل تراس هي أقل شخص شهرة يصبح رئيساً للوزراء منذ جون ميجور الذي تمت ترقيته من سكرتير أول للخزانة وكان عضواً كاملاً في الحكومة آنذاك حتى لو كان وزيراً مبتدئاً إلى وزير خارجية، ومن ثم وزيراً للخزانة قبل عام. وحتى ماي التي كانت حياتها الشخصية سرية للغاية، كان لديها سجل ملحوظ لمدة ست سنوات كوزيرة للداخلية. ومع ذلك هناك أمران يمكننا استنتاجهما من مسيرة تراس حتى الآن.
الأول سلبي وقد جرى تفاديه، وتمكنت السيدة تراس من النجاة منه، فمن الصفات التي غالباً ما يتم التغاضي عنها في السياسي الفعال هي تجنب الأخطاء، وهي لم ترتكب كثيراً منها، على الرغم من انتكاسة تخفيض منصبها في عام 2017، استمرت في منصب وزاري فترة أطول من أي شخص آخر. توقع عديد من نواب حزب المحافظين (والصحافيين) أن تتداعى حملة زعامتها للحزب وتنهار. لقد احتلت المرتبة الثالثة في الجولات الأربع من تصويت النواب وبلغت المرحلة النهائية فقط عندما فشلت حملة بيني موردونت في النهاية.
الأمر الثاني هو إيجابي، وهو أنها أدركت ما هي بحاجة إليه فعلاً لكي تفوز، ونجح مؤيدوها في إظهار ما يكفي من الشكوك حول موردونت لإبطاء حملتها فيما كانت تقترب من خط النهاية، وبعدها تخلصت تراس من سوناك بسرد قاس لما أراد أعضاء الحزب سماعه.
تشير هاتان الصفتان إلى أنها ستفعل ما يلزم للنجاة من الاختبار التالي أي الفوز في الانتخابات العامة، ولهذا السبب علينا أن نشكك في التفسير السائد الذي ينطلق من أخذ حملتها القيادية في ظاهرها وبأن عقيدتها المحافظة التي تنادي بالدولة الصغيرة لن تحظى بشعبية لدى الناخبين الذين يريدون أن تحميهم الحكومة، لعل السياسات التي ستنتهجها على مدى العامين المقبلين ستتركز على ما يريده الناخبون المتأرجحون من المقاعد الهامشية الـ80 التي تشكل أغلبية المحافظين.
أخيراً قد لا يدور الأمر حول قدرتها بأن تكون رئيسة حكومة فعالة، بل على قدرة أي رئيس وزراء على تخطي الصعوبات التي توشك على اجتياح الاقتصاد البريطاني.
المصدر: independentarabia
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر