سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
ثيونيس رو
أثار القرار الأخير للمحكمة الدستورية في جنوب إفريقيا بشأن الحق في الاحتجاج السلمي، اهتمامًا متجددًا لدورها في حماية الديمقراطية بالبلاد؛ فقد أعلنت المحكمة عن أجزاء من قانون تنظيم الجمعيات والتجمعات الذي يصفه البعض بأنه غير دستوري، كما أكدت المحكمة أن وظيفتها تتركز في الدفاع عن الحقوق الديمقراطية في المقام الأول.
لكن يظل السؤال: كيف ينبغي لنا – بشكل عام – قياس درجة نجاح المحكمة الدستورية عندما يتعلق الأمر بحماية الحقوق الديمقراطية؟ إن الجواب ليس بسيطًا، نظرًا لوجود وجهات نظر متضاربة حول المعيار الذي ينبغي لنا استخدامه. ويرى معظم المحامين، أن نجاح المحاكم الدستورية في حماية الديمقراطية، يجب أن يُقاس من خلال سجلها الفقهي، وكذلك أداؤها وفقًا للمعايير المهنية والقانونية لاتخاذ القرارات المناسبة.
ومن خلال هذا المنظور، تعدُّ المحاكم مؤسسات تفاعلية بشكل أساس، ذلك أنها القوة الوحيدة التي تمتلك التأثير على عمق الحالة الديمقراطية، وذلك من خلال تفسير الحقوق الديمقراطية في الحالات التي يطلب منها اتخاذ قرار بشأنها. فبالنسبة للعديد من علماء السياسة، فإن هذا الإجراء القانوني غير كافٍ، إذ إن ما ينبغي تقييمه هو التأثير الفعلي لقرار المحكمة على الجودة الشاملة للديمقراطية.
وفي هذا السياق، تتمتع المحاكم الدستورية بسلطات أكبر بكثير مما يمنحها المحامون، ويجب النظر إليها على أنها مؤسسات سياسية لديها القدرة على تعديل قراراتها وفقًا لتأثيراتها المحتملة. فعلي سبيل المثال، قامت المحكمة الدستورية الكولومبية، بإحباط محاولة الرئيس “ألفيرو أوريبي”، الحصول على فترة رئاسية ثالثة، وذلك في قرار جريء حكمت المحكمة فيه بشكل صحيح بأن لديها الشرعية المؤسسية الكافية للتصدي لرجل سياسي ذات كاريزما؛ وهو ما يكشف عن آفاق إمكانية أن تقوم المحكمة الدستورية في جنوب إفريقيا بدور في تصدير الدرس الديمقراطي لدول الجنوب الإفريقي بشكل عام.
غير أنه من منظور العلوم السياسية، فإن الأمر يمثل صورة أكثر واقعية عن السلطة التقديرية التي تتمتع بها المحاكم الدستورية في تشكيل القانون. لكن المشكلة تكمن في صعوبة تقييم تأثير أي قرار معين على جودة الديمقراطية وكفاءتها؛ فهناك الكثير من المتغيرات المتداخلة، التي تفرض ضرورة فهم تفاصيل العملية الديمقراطية، فضلاً عن قياس مخرجات المحكمة الدستورية على تلك المعايير المعتمدة في ضوء أدبيات الديمقراطية.
وبناء على ذلك، ولأسباب عملية، نضطر إلى تقييم أداء المحاكم الدستورية من خلال النظر إلى سجلها في تفسير الحقوق الديمقراطية. لكن هذا لا يعني أن علينا التعامل معها كمؤسسات تفاعلية، فمفتاح تقدير دور هذه المؤسسات، يكمن في الحفاظ على المسار الديمقراطي المتمثل في دمج الشعور الذي يتمتع به المحامون بواجبهم في تحديد القضايا وفقًا للقانون من منظور العلوم السياسية.
رقم قياسي
في كل مرة تقرر فيها المحكمة قضية ما، فإنها لا تحل المسألة محل النزاع فحسب، بل إنها تدعو – أيضًا – إلى أنواع أخرى من التقاضي، حيث يحدث ذلك لأن تفسير المحكمة للقانون في حالة واحدة، يرسل إشارات حول كيفية احتمال تفسير القانون في الحالة التالية.
فالمحكمة الدستورية تتمتع، بناء على هذا الفهم، بالقدرة إمَّا على لعب دورها في مجال حماية الحقوق الديمقراطية، أو تمثيل نفسها بنفسها. كما أنها تلعب دورًا مهمًا عندما تتخذ قرارًا يعزز قدرتها على اتخاذ المزيد من القرارات التي تحمي الديمقراطية. إنها تدعم نفسها عندما يؤدي قرارها إلى وقف هذا الاحتمال.
وبالحكم بموجب هذا الإجراء الأكثر دقة، فإن المحكمة الدستورية في جنوب إفريقيا، قدمت أداء جيدًا بدرجة ملحوظة منذ عام 1995؛ فقد كان التهديد الرئيسي للتجربة الديمقراطية في جنوب إفريقيا في هذا الوقت يتمثل في ترسيخ سلطة المؤتمر الوطني الإفريقي الحاكم باعتباره حزبًا سياسيًا مهيمنًا. فقد عالجت الديمقراطية في جنوب إفريقيا بعض الأخطاء المعروفة جيدًا، إذ أدى ذلك إلى التأثير على الحكومات المنتخبة فيما بعد.
وفي مواجهة هذا الوضع، كان من الممكن أن تصبح إحدى المقاربات التي ربَّما كانت المحكمة الدستورية قد اتخذتها، هي البت في القضايا وفقًا لتقييمها للتهديد الذي تشكله “لجنة الملاحة الجوية” للديموقراطية في جنوب إفريقيا. لكن هذا النهج كان من شأنه أن يقوض الشرعية الخاصة التي تتمتع بها المحكمة باعتبارها فاعلاً مقيدًا قانونيًا، ويعرضها لهجوم سياسي.
وبدلاً من ذلك، فإن ما فعلته المحكمة هو توسيع نطاق سلطتها تدريجيًا، وبخطوات صغيرة، حيث استطاعت أن تبني فهمًا عامًا لسلطتها الشرعية لمراجعة جميع جوانب العملية الديمقراطية، بدءًا من جودة الديمقراطية داخل الأحزاب السياسية حتى أداء السلطة التشريعية.
وفي هذا السياق، فإن أفضل مثال معروف أخيرًا على ذلك، هو حكم المحكمة بأن عدم قيام “الجمعية الوطنية” بوضع قواعد تنظم إبعاد الرئيس من حيث المادة 89 (1) من الدستور يخالف هذا الحكم.
وقد أثار قرار الأغلبية في هذه القضية، رد فعل قوي من جانب رئيسالقضاة “موجوينج” Mogoeng، وقال في معارضته إن إصرار المحكمة على وجوب إجراء تحقيق دائم قبل أن يؤدي إلى العزل يخالف مبدأ الفصل بين السلطات.
وتظهر معارضة “موجوينج” أن مسألة النطاق الملائم لسلطة المحكمة تظل دائمًا مشحونة قانونيًا. لكنها تظهر – أيضًا – مدى إبداع المحكمة في دفع حدود سلطتها لحماية النظام الديمقراطي، وهو ما يكشف بدوره عن بعض مكامن الخلل التي تعتري التجربة الديمقراطية في جنوب إفريقيا، والتي تفرض على دوائر صنع القرار التعامل معها في ضوء المعايير الدستورية لدعم تلك التجربة.
تزييت عجلات الديمقراطية
في الختام يمكن القول بأن المحاكم الدستورية التي أقيمت على النموذج الليبرالي الديمقراطي، يجب أن تقوم بدورها المحدد لها. فالتهديد الشعبوي الحالي للديمقراطية لا يخرج من فراغ، ذلك أنه يستغل شعورًا غير مبرر، بأن المحكمة الدستورية الليبرالية فشلت في التعامل مع جزء كبير من السكان.
ولمواجهة هذا التهديد، يتعين على القضاة الدستوريين إثبات أنهم لا يقفون إلى جانب الوضع الراهن، وإنما دورهم – مهما يكن من أمر – هو دعم التغيير الاجتماعي الديمقراطي.
وفي نهاية المطاف، فإن هذا يكشف عمَّا كان عليه حكم المحكمة الأخير الذي يحمي حق الاحتجاج. ومن طريق حماية حق المتقدمين في التظلم، قامت المحكمة بالتفاعل مع مسار الديمقراطية كأداة رئيسية للتحول الاجتماعي السلمي.
إعداد: وحدة الترجمات بمركز سمت للدراسات
المصدر: ذا كونفرزيشن
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر