هل السينما فن؟ | مركز سمت للدراسات

هل السينما فن؟

التاريخ والوقت : الثلاثاء, 27 سبتمبر 2016

توماس هيبس 

يجب أن أخاطب الملايين”.. هذا ما أوضحه الروائي -غراهام غرين- ذات مرة، غرين -الذي تحولت أعماله باستمرار إلى أفلام وعمل لفترة كناقد سينمائي- جادل بأن شعبية السينما كوسيلة متميزة اعتمدت على “الصوت و الحركة” بالدرجة الأولى. لا يزال شعور غرين قائمًا بإحتياج السينما إلى براهين واسعة النطاق ليتم اعتبارها كفن أو على الأقل كشكل فني قادر على إنتاج الروائع على قدم المساواة مع الأوبرا، المسرح، الأدب و الرسم

و وراء رفض الفيلم كفن عظيم أسباب ليس من الصعب العثور عليها

و مع ذلك فسنرى أن الأسباب الأكثر شيوعا تنطبق أيضا على الفنون الأخرى. و بما أنها تنطبق على فيلم ما فهذا لا يعني أنها لا تنطبق على أفضل أعمال فن السينما

فردًا على الإعتراض أن السينما فن عظيم نجد الفكرة المؤيدة التي تقول بأن الفلم يعتبر تقريبا فنا بالدرجة الأولى.

و ليس هناك بديل لمواجهة مباشرة في دور العرض المظلمة و أمام الشاشات الكبيرة، أمام أفضل أفلام بيرغمان و كيسلوفسكي، فليني، روسليني، وايلدر، ويلز، تروفو و رينوار على سبيل المثال لا الحصر. 
و في مثل هذه المواجهات، نحن نخوض ما يسميه الناقد السينمائي المعاصر “نشوة الغموض” للفلم، و هي المقدرة على الإندماج قلبا و فكرا في تحليل عميق للإنسان، و إشباع شهية الإنسان الطبيعية للجمال

إن أحد أسباب عدم تقدير الفلم كفن عظيم ينبع من تجربة سائدة وهى مشاهدة الفلم المبني على كتاب و اكتشاف أن الفلم باهت جدًا بالمقارنة مع النص المكتوب، في هذه الحالة فإنه من الصعب أن لا يشعر الفرد أن نسخة الفلم ماهي إلا اشتقاق، و لا تعتبر الأفضل بل تأتي في المركز الثاني

عشاق الكتب الذين لم يكونوا عشاق للسينما يومًا، غالبا ما ينخرطون في مقارنات غير عادلة   بين الكتب العظيمة مع الأفلام الرائجة والعادية

و لكن ماذا لو كان الخيار ليس مشاهدة أحدث أجزاء سبايدرمان مقابل قراءة جين أوستن و لكن مشاهدة كوروساوا مقابل قراءة أحدث قصص جيمس باترسون المثيرة؟ 
طبعا السؤال المثير للإهتمام هو كيف تقف أفضل الأفلام في مواجهة ضد أفضل الروايات، المسرحيات، اللوحات، الأوركسترا، الأوبرا

هل هذه الأفلام تعتبر أعمالا فنية لها نفس قيمة و ضخامة هاملت، حلقة النيبلنغين لفاغنر، أو عشاء كارافاجيوا في عمواس؟ من الواضح أننا لن نتمكن من إجراء مقارنات ذات مغزى عبر هذه الوسائل الفنية المتنوعة، و لكن يمكننا بالتأكيد ملاحظة مجموعة من المعايير للفن العظيم

إن الفن العظيم له نطاق و رحابة معينة، قادر على التأثير الدائم ليس داخل مجاله فقط و لكن عبر الحدود الفنية. قادر على إثارة العقل، الخيال، و القلب و بالتالي لديه القدرة على نقلنا خارج الحاضر المجهول، و خارج أنفسنا و لو للحظات و إنه لا يكون إلا مكافئا، أو ذَا قيمة أعلى حين مقارنته مع الفنون أخرى. كل هذا يمكن أن يقال عن الأفلام العظيمة.

اثنين من أكثر الأمثلة الجلية للتميز الفني المستقل آت من تعديلات أكيرا كوروساوا لشكسبير في فلم يُدعى ران ( الملك لير، 1985) و عرش الدم (ماكبث، 1957) و هذا الأخير ذُكر أنه كان الفلم المفضل لـ ت.س إليوت.

في الثناء على هذه الأفلام، يلاحظ الناقد الأدبي النيّق هارولد بلوم أن كوروساوا يتجاهل حوار شكسبير و يعيد تجديد حبكاته. و لا يزال بلوم مصرا على أن هذه الأفلام هي أفضل بكثير مما كان “شكسبير ينتويه”

بالنسبة لتبصره الكامل في هذه القضية، و على الرغم من أن بيان بلوم مضلل قليلا مما يجعل كوروساوا يبدو و كأنه المقلد الأفضل لشكسبير

افتراض مماثل من مايكل جيك، و هو خبير في السينما اليابانية الذي يفترض بأن كوروساوا ما هو إلا ملء للثغرات في سرد شكسبير. 
في الواقع كوروساوا ينافس شكسبير على وجه التحديد، لأنه يمتلك رؤية فنية مستقلة حتى لو كانت متداخلة، إن الإطار الثقافي الياباني مع ملكيتة، الأبهة، والولاء العائلي العنيف، ساعد بالتأكيد أفلام شكسبير التي أبدعها كوروساوا. 
و امتلك أيضًا خليطا مذهلا و غير عادي من حساسية الفنان ( بدأ كرسام و امتلك عينًا استثنائية للضوء، اللون و الطقس) و الحس المسرحي للأسئلة الكبيرة ( يعد من أهم تأثيرات الروائي الروسي دوستويفسكي). 
و العناصر اليابانية إبتداءً من دراما Noh في العصور الوسطى و البوذية تنصَب أيضًا بشكل متميز مع هذه الأفلام. 
حتى أكثر مما كان في تراجيديات شكسبير، يبرز كوروساوا مواضيع الأفخاخ البشرية، من المصير المعادي، و من ما يبدو حتمية للغدر والخيانة و خاصة في النظام السياسي. 
على سبيل المثال، مسرحية ماكبث لشكسبير تبدأ بنبوءة الأخوات الغريبات، الساحرات اللاتي جنبا الى جنب مع زوجته الطموحة يغوين ماكبث على القتل. حدث هذا عند عودة ماكبث من انتصار في المعركة. في نسخة كوروساوا، تطول عودة المحارب، لأنه يضيع في الغابة المحيطة بالقلعة، غابة يعرفها جيدًا لكنها أصبحت متاهة له، المرئيات هنا تسلط الضوء على الحس الغريب والمقلق للضياع في منطقة كانت ذات مرة مألوفة والآن هي مجهولة تمامًا. 
لا ينتهي الفلم كما هو الحال مع شكسبير، في استعادة النظام السياسي والطبيعي، و لكنه ينتهي بقلعة شاغرة، قلعة الاوهام. 
في الواقع، يشير العنوان الياباني للفلم ليس إلى ماكبث أو إلى عرش الدم و لكن إلى القلعة نفسها، قلعة شبكة العنكبوت. 
الساحرة المنعزلة في نسخة كوروساوا، ما هي إلا شبح امرأة يجلس في عجلة غزل، هي شيء من فلسفة الهلاك. إنها تعلن بأن “حياة الرجال لا معنى لها” مثل الحشرات ، والتي سيكون مصيرها أن تصبح رائحة للجثث المتعفنة. 
الرجال غريبون” تتابع، ” مرعوبين من النظر إلى أعمق قلوبهم”

تحمل أفلام كوروساوا مثل مسرحيات شكسبير،  المرآة في مواجهة الطبيعة، وفي مواجهة قلب الإنسان بالأخص، و كثيرًا ما تُبين داخله “اضطرابا عجيبا”

و لكن لا الشاعر ولا المخرج استسلم للعدمية أو تبنى نتيجة مفادها أن حياة الإنسان بلا معنى. 
بدلًا عن ذلك، وضعا دراميا أمام أعيننا أسئلة لا مفر منها و دائمة عن الشر البشري والخيانة، عن الإحباط المأساوي للتطلعات الإنسانية النبيلة. كما أنهما أيضا يثيران تساؤلات حول الخير، العدل و رحمة الله، حول صمت الله الواضح، و الغموض الناتج عن الإمكانية في أن يصبح البشر فاسدين و ملتوين جدًا، منحرفين على نحو أعمى ضد الخير. 
سبب آخر لكون الأفلام أقل شأنا من الرواية هو افتراض أن الأعمال المكتوبة تعكس وحدة فلكية غالبا ما تفتقر إليها الأفلام. يبدو الفلم و كأنه فن طفيلي، مجرد محاكاة للفنون الأخرى كالموسيقى، المسرح و الأدب. و يمكن للمرء أيضا أن يقلق بأن الفلم-على عكس غيره من الفنون- لا يعكس رؤية فنية موحدة. 
نظرية المؤلف السينمائي التي تنسب النتيجة النهائية للفلم إلى تركيز المخرج الرئيسي فقط.، تبدو في الجزء المصمم على وجه التحديد قائمة لتعزيز تراتبية المخرجين العظام إلى مستوى كبار الشعراء و الرسامين و الكتاب. 
و لكن نظرية المؤلف السينمائي لا يمكنها أن تستبعد حقيقة وجود مساهمين عدة للمنتج النهائي للفلم. و كثير منهم ينطوي على اعتبارات ليس فنية -على الإطلاق أو على الأقل- في المقام الأول. و لكن الفنون الأخرى ليست بمنأى عن التأثيرات الخارجية، و لا الإفتقار إلى رؤية وحيدة شاملة متمفصلة مُقدما لضرورة الفن الدوني، كما يقول بول كانتور في كتاب “اليد الخفية في الثقافة الشعبية: الحرية ضد السلطة في السينما الأمريكية و التلفزيون”. 
صنع قضية مقنعة لدور النظام العفوي في صنع الأفلام و البرامج التلفزيونية. 
و ضد نظرية المؤلف، يدرك كانتور أن معظم ما يتم إنتاجه في هوليوود هو نتيجة لمجموعة من نوايا العديد من الأفراد، و أحيانا هي نوايا المشاهدين الذين استجابوا إيجابا أو سلبا على الحبكات و الشخصيات. 
كما يلاحظ كانتور، شيء مثل هذا ينطبق ايضا على الاعمال العظيمة في الأدب. 
الروائيين ديكنز و دستويفسكي ألفا على دفعات كاملة أو على نحو تسلسلي، تحت ضغط الضرورة المالية و المواعيد النهائية التعسفية. غيرا أيضا الحبكات كما كتبت نتيجة لردود الفعل من القرّاء.لذلك نفهم أن التأثيرات الخارجية على إنتاج الفن ليست غريبة على العصر الحديث

كان يجب على رسامي عصر النهضة، النحاتين و المهندسين المعماريين إرضاء الزبائن و التوافق مع كل ما تمليه الكنيسة و الدولة. بالإضافة إلى أن فكرة الفلم كمحاكاة تعد كاعتراض فقط إذا فشل الفلم في دمج الفنون المختلفة

في كثير من الأحيان يسعى الفن العظيم ليكون معمارًا هائلا لاحتضان الفنون الأخرى ضمن وسطه الملائم. 
و بالنظر في الطرق التي يحاول بها الشعر وحتى النثر محاكاة الموسيقى و الصوت الطبيعي أو الطرق التي يسعى  النحت و الرسم  لإدراج آثار الحركة. 
و على الرغم من أنه فشل في تحقيق ذلك، هناك شيء مثير للإعجاب و نموذجي حول مطمح ميل غيبسون في فلم آلام المسيح لخلق “كارافاجيو متحركة” 
العديد من الأفلام العظيمة ماهي إلا -بوعي ذاتي- محاولة لمزج النص و الصورة والصوت في طريقة تتنافس بها في وقت واحد مع الأدب الرسم و الموسيقى. 
لأن الأفلام تروي الحبكة، تصف التصرفات الإنسانية و تنافس أيضا الأوبرا و المسرح. 
و بطريقة دراماتيكية أكثر ففلم بيرسونا لإنغمار بيرغمان، 1966, الذي سعى فيه الكاتب-المخرج إلى لمس الأسرار الصامتة التي لا يمكن أن يتم اكتشافها الا بواسطة السينما، و يبدأ الفلم بسلسلة من الصور المجزأة التي تشمل معدات التصوير، العرض، و بكرة الفلم الذي يُعرض. 
المصادر المشيدة و المجزأة لفن الفلم هنا تعكس الحس بالذات المشيد و المجزأ للشخصيات الرئيسية في الفلم. 
يحكي الفلم قصة ممرضة شابة و مريضتها الممثلة المشهورة التي تتوقف فجأة عن الكلام. 
و على مدار الفلم، ترتبط الإثنتين ارتباطا وثيقا حتى أن هويتيهما و مظهريهما الماديين يندمجا. 
بيرسونا هو نوع من الأقنعة، صورة مشيدة من الذات قُدمت للآخرين، ليس في مسرح أو سينما فقط و لكن في الحياة الحقيقية أيضا. 
فلم بيرغمان هو انعكاس هائل لما ستبدو عليه حياة الإنسان إذا كانت نظرة ما بعد الحداثة للنفس دون أي أساس أو وحدة، مجرد نقطة تقاطع لسلسة من القوى أو أقنعة مؤقتة كانت لتصبح حقيقة واقعة. المضاعفة هنا لا تؤدي إلى التفاهم و المودة و لكن تؤدي للخوف والحل العنيف. و النتيجة هي الرعب النفسي. 

مرة اخرى يكون الأدب هو الهدف قبل الفلم. 
رواية دستويفسكي رسائل من اعماق الارض، ترثي طريقة الروس المعاصرين ” جميعنا مطلقين من الحياة ، نحن جميعا كسحاء، كل واحد منا إلى حد ما… لماذا، لقد وصلنا تقريبًا الى النظر إلى واقع الحياة على أنها محاولة، تقريبًا كعمل شاق، و نحن جميعا نوافق سرًا على أنها أفضل في الكتب.”

و هكذا يكون استبدال الكتب لطبيعية الحياة، إنهم ” لا يعرفون حتى ماذا يعني العيش الآن، ماهو عليه و ما يطلق عليه الآن”. 
و توسع:  
”اتركنا لوحدنا بلا كتب وسنسقط في الحيرة دفعة واحدة. يجب أن لا نعرف ما ننخرط فيه، ما نتشبث به، ما نحب و ما نكره، ما نحترمه و ما نحتقره، نحن مضطهدون في كوننا رجال- رجال مع جسد فردي حقيقي و دم- و نحن جميعا نشعر بالخزي من ذلك، نعتقد أنه وصمة عار و محاولة ابتداع ليكون نوعا من تعميم الانسان المستحيل. نحن ولدنا أمواتا، و أُنجبنا للأجيال الماضية، ليس من قبل الآباء الأحياء، و الذين يلائموننا أفضل و أفضل. نحن بصدد وضع طعم لكل هذا، و قريبا سنُبتٓدع لنولد بطريقة ما من فكرة.”
دستويفسكي انتقد هنا التبعية الروسية للتجريد الغربي، في طريقة تأتي فيها النظريات، الأفكار و الكتب لتدخل بين الروح و التجربة العادية للطبيعة و الأشخاص الآخرين.
في وقتنا الخاص، التجريد المفارق، الميل إلى توظيف التجارب من خلال عدسة الثقافة الشعبية، هو عرض من أعراض الإنحطاط. يعمل على افتراض أن الصور تشير إلى شيء حقيقي أو دائم. فقط في الصور والتعبيرات الأخرى، الإنسان الأعلى هو الذي يكون دائما في النكتة، قادر على تقديم تلميحات ذكية لأحدث الاتجاهات في مجال الثقافة. و بمعزل عن الالتزام الجاد لأية مثل عليا أو أشخاص.

يزخر الآن الوعي الذاتي في ثقافتنا الشعبية بالسخرية ، و يعد سمة من سمات معظم شخوص  -لكن ربما ليس في كل أفلام- كوينتن تارانتينو و المسرحية الهزلية سينفلد.

كما يصف احد المعلقين الشخوص في مثل هذه القصص:- انهم يلعبون فقط في معرفة الذات: أي وعي حقيقي لماهيتهم سيكون مثل اللحظة الكرتونية عندما ينظر باغز باني أسفل ليدرك أنه يمشي على الهواء

في مثل هذه القصص، ليس هناك أمل لبديل، نظرا لان هناك افتراض في عدم وجود البديل

وهذا السعي غالبا ما يكون غير مثمر

وغياب أي إطار للمعنى أو الهدف ليس مناسبة للشعور بالرعب أو الحزن. لانه لا وجود لشيء يستحق الإحتفاظ به أو يستحق هذا التفاني من جانبنا. بمعنى أن الفنون البصرية المعاصرة، تدخل بين النفس البشرية و التلميحات الحقيقية في نقد أعمق، ما يجهدنا ليس سلبيتنا من قبل الصور لكن افتتاننا و إخلاصنا لها

الإعتراض، الذي يحتاجه الفرد ليس التدين للترفيه، لأن الفلم هو الوثنية. في كتاب المعادلة الكاملة لديفيد تومسون -واحد من خيرة نقاد الأفلام الأحياء- يركز بشكل مباشر على إشكالية الأخلاق في الصور البصرية المتحركة.

تومسون دفعة واحدة مغمور في، و مفتون بـ، و مرعوب بواسطة هوليوود. و خلافا لمعظم النقاد المعاصرين لهوليوود، تومسون يضع تأثير هوليوود المشكوك في الثقافة و ليس كما في أواخر القرن العشرين، حين ارتفاع وتيرة العنف الصريح و الجنسانية و لكن في أيام مجدها.

هو ركز على” الجذب المدي الهائل نحو أحلام جديدة” و يترتب على ذلك التحول الرومانسي بعيد المدى الناجم عن تأثير السينما و التلفزيون في القرن العشرين.

كمشاهدين، يسأل :”هل نحن نشاهد تصاعد الأشياء، الخطر الكبير، الإستحسان الكبير، البهاء الكثيف، دون أن نكون مربوطين بالمسؤوليات التي تلتصق بالمتفرج الحقيقي؟”

و يقترح “نحن مثل المتلصصين، جواسيس، أو قطط تسترق النظر”

و على النقيض للأدب، الذي ينخرط الخيال فيه بفاعلية لتحقيق “المعنى وراء الأحداث” يتضمن الفلم “فيتشية المظهر”

الفلم يعتبر أقل حول التقاط المعنى الخفي من ” ما يحدث أو يظهر تاليا” و بالتالي فإنه يعاني من “التقييد الساحق للرؤية

هنا يضع تومسون يده على مسألة أخلاقية تتعلق بهوليوود، في الواقع فيما يتعلق بالفلم نفسه باعتباره أداة ثقافية

تأتي السينما في هوليوود إلى المقدمة فقط حين يتزعزع استقرار حسنا بالهوية من قبل انزلاق المعتقد الديني

تقدم هوليوود صورتها الخاصة للعبادة كما تكشف عن – الآلهة الشبحية المزيفة

و يصبح النموذج الجديد للبشرية مع تنوعه اللانهائي هو الفاعل

و مرة أخرى، الإعتراض المنطبق على الفلم، هو اليس إلا استبدال للدين، هو مجرد نسخة جديدة من الإعتراضات التي كان أو يمكن أن تكون قد أعربت عن الفنون الأخرى

التفكير في الطريقة، ابتداء من عصر النهضة و بلوغا لذروتها في الفترة الرومانسية، جاء الفنانين ليشغلوا اماكن للصيت والشهرة و يصبحوا كائنات متملقة و متزلفة

بالطبع، على الأقل في الفترة الرومانسية جاء الفنانين ليظنوا بأنهم كهنة للطوائف الدينية المتفانية، و ذلك عن طريق إنتاج أدوات سوف تحل محل القداس الديني

كمقولة ريتشارد فاغنر الشهيرة، “إنها وظيفة  الفن في إنقاذ نواة الدين بقدر ما تم حبس الصور الميثولوجية التي يرغب الدين بتصديقها كحقيقة داخل الفن لقيمتها الرمزية، و من خلال التمثيل الأمثل لتلك الرموز يكشف الفن الحقيقة العميقة المخبأة داخلها.”

في الواقع، من فاغنر لروجر سكروتن

اشتركت سلالة معينة للتيار المحافظ على وجه التحديد في النظر للفن كوسيلة تزويد للتشكيل الثقافي الذي لم يعد الدين معدًا لتقديمها.

و لعل أكثر الاعمال الدرامية شهرة في أزمة الإعتقاد هو انغمار بيرغمان في ثلاثية الإيمان التي ظهرت في وقت مبكّر من 1960م، (عبر زجاج معتم، ضوء الشتاء، و الصمت) سلسلة الأفلام مأخوذة غالبا لتكون كمكاشفة بيرغمان للإلحاد، عاكسا فقدانه الخاص للإيمان

و مع ذلك، فإن الشخصيات في الأفلام تعاني من فقدان الإيمان، متفطري القلب لخسارتهم الشديدة. إن هذه الافلام لا يمكن أن تساعد و لكنها تبقي مسألة وجود الله حية، في الواقع إن انشغال بيرغمان مع النتائج الحارقة لعدم وجود الله يستمر حتى آخر لحظة من حياته، كما هو واضح لرجل غير مؤمن كتب السناريو قبل سنوات قليلة من وفاته

و حينما كان بيرغمان يخلق ثلاثيته. في نفس الوقت تقريبًا كان المخرج مايكل أنجلو أنطونيوني يجلب الى الشاشة ثلاثية من صنع يديه، فقط انشغل بشكل غير مباشر بفقدان الإيمان الديني، ( L’avventura, La notte, L’eclisse) تستعرض هذه الثلاثية الإغتراب في عالم الثروة و الموارد المالية، و لكنها خالية من أي غرض في النهاية

عنوان الفلم الاول ( L’avventura ) “المغامرة” هو في حد ذاته مفارقة، هناك عدد من عمليات التفتيش، بالتحديد لشخصية امرأة التي بينما تكون في رحلة بحرية مع الأصدقاء قبالة سواحل صقلية، تختفي في جزيرة نائية، و لا احد يراها مرة أخرى

تبدو الشخصية الرئيسية بشكل عرضي، بحالة سعي للرفقة، التفاهم و الحب

و لكن كل عمليات البحث هذه غير مجدية، تخلو من أي حس فعلي للمغامرة، أداتين غريبتين للفلم تبرزان رؤية أنطونيوني لحالة الإنسان المغترب

أولا: على الجزيرة، التصوير السينمائي يبرز الصغر، العزلة و غياب إطار نهائي لحياة الشخصيات

الكاميرا تلتقط الشخوص في زوايا غريبة مع صور ضيقة تجعل الشخوص تبدو كما لو أنها قد تنزلق بسهوله من الارض الى البحر الهائج، أو لقطات بعيدة تبرز تفاهة الانسانية في قبضة الطبيعة الشاملة

ثانيا: استخدام أنطونيوني للصوت بارع

على الجزيرة، الرياح و الأمطار تسلط الضوء على ضخامة الطبيعة، الطاقة، العظمة، الرهبة في مواجهة كل ما لم تشعر به الشخوص من قبل. الصوت يخدم بطريقة ثانية في نهاية الفلم لزعزعة أي أمل قد يكون لدينا لدوام مودة الانسان

في المشاهد الأخيرة، اثنين من الشخصيات الرئيسية عندما تفرقا، يجد أحدهما الآخر، الحبكة التي تبدو و كأنها تعكس الإختفاء دون بقية أصدقاءهما المشتركين. و من مسافة تلتقط الكاميرا ما يبدو ليكون بادرة تصالح واضح و دفء. و حتى الآن فالموسيقى مشؤومة بلا شك، مشيرة إلى أن الاتصال البشري سيظل بعيد المنال. كلا الثلاثيتين، السويدية و الإيطالية الأخرى، تشكلان فنا مهيبا، نتيجة صُنَّاع الأفلام الموهوبين في تناول المسائل الكبرى

بالإضافة إلى مسرحة عالم يكون الله فيه ميت أو صامت على الأقل، و لم تعد المعايير المتعالية تنطبق فيه، يواصل صُنَّاع الافلام في تقديم روائع الفن الديني حقا.

يُحتفل عالميًا بفلم آلام جان دارك الصامت الكلاسيكي لكارل دراير منذ عام 1928م، القصة ليست عن جوان العذراء التي قادت فرنسا للنصر و لكن  عن آلامها في محاكمتها و موتها. أشاد الناقد السينمائي المؤثر بولين كايل بآداء رينيه جان فالكنتي بشخصية جوان كما أوضح ” ربما أنها الأفضل على الإطلاق حال تصوير الفيلم”

دراير يسلط الضوء على دراما الوجوه البشرية، مع المدعين المرئيين، غالبا في لقطات زاوية منخفضة، لإبراز من يفوقهم، في الواقع هي شيء من الغطرسة، موقف يتعلق بجوان، التي يتم تصويرها دائما من الأعلى، في وضعية وجه متوسل، مع تعبير بالبؤس و الترقب خوفا.

بدلا من أن توفر بعض المشاهد أي شيء مثل خلفية معينة، يبدو وكأن الشخصيات تطفو على خلفية بيضاء

معظم المشاهد مصممة لإلتقاط ما يسميه دراير “القتال في مناطق قريبة” حتى يتسنى للجمهور أن يشعر بمعاناة جوان داخل أجسادهم وجلودهم. و كما يلاحظ الباحثين، يوثقون، يحكمون، يفعل أيضا المشاهد

الفلم يجعل كل ما تفشل النصوص في محاكمته مرئيا، و التي يتم عرضها في افتتاحية الفلم

و قد فشل في إظهارها: استشهادها، محاكاتها لآلام المسيح الذي ادعوا أنهم ينوبون عنه و مخولون للحديث بإسمه

تلك النقطة مصنوعة من قوة بصرية كبيرة في الإطار النهائي، محاذيا لركيزة جوان، و مندمجا تقريبًا مع الصليب

لا تلزم الأفلام الدينية الكلاسيكية أن تكون تراجيدية و كئيبة، و لكن كما هو واضح من فلم روبرتو روسليني عن القديس

فرانسيس، زهور القديس فرانسيس 1950م و الذي شارك في كتابته فيديريكو فيلليني، بعد فتح مراجعات مختلطة و سلبية حتى، اعترف في نهاية المطاف بأن الفلم ” يعد من أجمل ما عرض في السينما الإيطالية” بازوليني، و أيضا ” أكثر الافلام جمالا في العالم” تروفو

إنه فلم معتدل  من وجوه متعددة، دون وجود حبكة ملتوية، الفلم هو سلسلة من المقالات الصغيرة، التي تم نمذجتها في هيكلها و في ثيم الحياة المبكرة للقديس. مع ممثل محترف واحد فقط، يستخدم الفلم الرهبان في الأدوار القيادية بما في ذلك فرانسيس مع عدم وجود مجموعات، و الأزياء تتكون فقط من خرق لثياب الرهبان، تقريبًا كل شيء تمت إقامته في الهواء الطلق أو في أكواخ مؤقتة.

رفض روسليني تأويلا مباشرا أو رواية مفصلة. كما بيتر برنيت، في مقالته إطلاق مجموعة المعايير للفلم و الملاحظات.

النظر للفلم و كأنه تقريبًا فضاء ثنائي الأبعاد: هذا التسطيح التصويري يخلق نوعا من

‏Minimalist paysage moralisé(١)

لمجتمع الرهبان البسيط، و بأسلوب منمق، المكان المضادللواقع العطف المسيحي الصادق و الفرح

يزخر الفلم بالعبثية الهزلية و الفكاهة التهريجية، و هذه الاخيرة هي دائما موضع تقدير أفضل عندما يُرى الواقع بدلا فقط من تصوره

العنوان نفسه فرانشيسكو، جولار دي ديو، قدم بشكل سيء للإنجليزية كزهور القديس فرانسيس. حرفيا فرانسيس يعني: مهرج الإله

تركز حلقة واحدة على سعي راهب بسيط لقدم خنزير من أجل الحساء، المشهد الحاسم هو عندما يحاول الراهب إقناع الخنزير للتبرع بقدمه. مشاهد أخرى تظهر فرانسيس يطلب بلطف الطيور لتكون هادئة حتى يتمكن من الصلاة

و في حلقة أخرى، يعالج فرانسيس أعظم الأسئلة الفلسفية، مما تتكون السعادة؟ و بعد رفض سلسلة من الإحتمالات، ينهج فرانسيس منزلًا أُختير عشوائيا و يطلب من السكان الصلاة معه. الطلب آت مع إساءة لفظية وجسدية قاسية، نكتة تهريجية

و فرانسيس يعلق بأن السعادة عندما يتلقى الفرد إساءة دون انتقام أو مرارة، يمكن للفرد أن يكون على يقين بأن الفرد يعمل فقط لمحبة اللهيمكن استخلاص أمثلة اخرى من الافلام الدينية، الإختيار الموجز و الخلاصة أعلاه تعطي مؤشرا على الإتساع و التميز السينمائي لمثل هذه الافلام

الأفلام التي تصور حياة الإنسان بعيدًا عن الإله أو الإنسان الذي تكون غاية الإله النهائية بعيدة عنه. و من خلال تصوير الاستشهاد الموجع، إلى لمحات من حياة الإيمان كإستعادة براءة الشباب و الإخلاص البشوش للإله

الإعتراضات على رؤية الفلم كفن عظيم و التي أخذناها بعين الإعتبار حتى الآن تفقد بصماتها، و هي تنطبق على غيرها من الفنون، أو على شريحة واحدة من صناعة الفلم لا كلها

طبعا الدليل هو المشاهدة، هل تثير الأفلام في المشاهدين حسهم بـ “نشوة الغموض”؟ هل هم قادرين على أن يكونوا موضوعا للتفاني، الإستقصاء و الحديث؟ هل يصمدون و يعيدون دفع التذاكر للمشاهدات المتكررة؟

للمضي قدما حول النقاش في الفلم كفن، ما نحتاجه هو إلمام أكبر بتاريخ هذا الشكل الفني، مع أصنافه و أنماطه الفرعية، تطوراته و خصوصا خلال ذروة الإنجازات الفنية

بالاضافة إلى إلمام أكبر بثقافة الفلم، يقترح ديڤيد تومسون دراسة الصور المتحركة. و يسأل: كم واحد منا لديه أي ثقافة في طبيعة تحرك الصور، قواعده، قوانينه أو فوضاه

أو كيف يمكن أن يتم التوقع بأننا سنميز الأخبار من الخيال، الفن من الخداع

كشكل من أشكال الفن في القرن العشرين، تم اكتشاف السينما في الوقت الذي بدأت الفنون التقليدية بالهبوط. و بالطبع هناك استثناءات ملحوظة، لكنه تعميم آمن بأن النصف الثاني من القرن العشرين شهد إنتاج بعض الأعمال العظيمة عبر مجموعة من المجالات الفنية أكثر من النصف الاول. لم تكن السينما منيعة من الهبوط العام في الفنون. و كشكل من أشكال الفنون الشعبية، تمكنت من الحفاظ على سيطرتها على المواطنين العاديين أطول من الرسم على سبيل المثال أو الأدب ناهيك عن الأوبرا. لكن هذا النجاح أدى أيضا إلى ترسيخ الهوية في ذهن العديد من الافلام مع الترفيه الجماهيري

في مقال بعنوان “تسوس السينما” نشر في مراجعات كتاب النيويورك تايمز، عام 1996، سوزان سونتاغ عرضت انعكاس نوستالجي على  اختفاء عظمة السينما. بدأت بتعليق على الطريقة التي يصنع الفلم العظيم بها مجتمع من الأتباع المخلصين، و الذين يعتقدون أن “السينما كانت فن لا مثيل لها: حديث بشكل مثالي، في متناول اليد بشكل متميز، الشاعرية، الغموض، الإيروتيكية و الأخلاق، جميعهم في وقت واحد…. لمحبي السينما فالأفلام تغلف كل شيء.

السينما هي كلا كتاب الفن و كتاب الحياة” و في كلمات تنطبق على كل فن عظيم، قالت؛ “تبدأ السينما بدهشة… و كل السينما ما هي إلا محاولة لتخليد و إعادة اختراع هذا الحس للدهشة”

للأسف فقد تلاشت العظمة، معترفة بأن هناك استثناءات في بعض الأحيان، و تتحسر سونتاغ كيف أصبح الفن الحقيقي نادرًا في عالم السينما. و تشرح

“لا يمكن لأي قدر من الحداد أن يحيي الطقوس الإيروتيكية المتلاشية، مجترا ظلام المسرح

إن اختزال السينما في صور تهجمية، و تلاعب بلا مبادئ بالصور، (أنتج أسرع و أسرع) لجعلها ملفتة أكثر للانتباه، مما أنتج سينما غير متجسدة، خفيفة الوزن، لا تتطلب اهتماما كاملا من أي أحد

تظهر الصور الآن في أي حجم و على مجموعة متعددة من السطوح، على الشاشة في المسرح، على جدران الديسكو و على شاشات عملاقة معلقة فوق الساحات الرياضية

الإنتشار التام للصور المتحركة قوض بشكل مطرد معايير الشعب مرة واحدة، لكلا الفكرتين: السينما كفن و السينما كتسلية شعبية

استنتاج سونتاغ المغم! ” بُشِّر بالسينما مرة كفن للقرن العشرين، و تبدو الآن حينما انتهى القرن فنا منحطا” 
مرة أخرى، يمكن العثور على رثاء مماثل لغيره من الفنون. و سوف نبذل كل ما في يدينا للأخذ  بالإعتبار تعليقات فلانري أوكونور الواقعية حول ما يجب و ما لا يجب توقعه من الفن في عصرنا. 
إلا إذا كنا على استعداد لقبول الفنانين على ما هم عليه، الإجابة للذي يتحدث عن أمريكا اليوم ويجب أن لا يكون إلا وكالات الإعلان. 
إنهم يبينون لنا ازدهار لم يسبق له مثيل، و تقريبًا مجتمع لاطبقي لا يمكن محاسبته فيه لعدم الإيجاب، و حيث لا يزال يمكن الوثوق بالفنان، و هو لا يبحث عن ضمانات. 
هؤلاء الذين آمنوا أن الفن هو نتاج ملكة العقل السليمة لا المريضة، سيأخذون ما يريهم كوحي، و ليس ما ينبغي علينا أن نكونه و لكن ما نحن عليه في وقت معين و تحت ظروف معينة، و هذا هو، كوحي محدود و لكنه وحي على الرغم من ذلك. 
الوقت غير ملائم، أوكونور يحذرنا، لرؤية الفن على مقياس متدرج، أو مع رؤية شاملة من دانتي و لكن يمكننا أن نأمل و نتوقع وحيا محدودا. السينما لديها حصتها من الوحي المحدود و تقتصر على عدد قليل من الافلام التي يمكن أن يقال عنها أنها تحقيق للعظمة. 
ما هو مفقود من تقييم سونتاغ و أوكونور، آت من افتراضات مسبقة ومختلفة جدًا، هو احتمالية أن يتوسط الفن الشعبي بين الثقافة العالية و المنخفضة. و هذا يعيدنا الى جولة غراهام غرين و دفاعه عن مخاطبة الجماهير في الفلم

بالنسبة لغرين، فإن الفلم لا يتمركز بالضرورة في المستوى الثاني بعد الأدب، كما قال مرة: 
”عندما أصف مشهدًا، أنا ألتقطه بعين الكاميرا المتحركة” 
بالنسبة لفلم الرجل الثالث، كتب غرين السيناريو أولا ثم الرواية المبنية عليه، و هكذا قد أظهر أن خطوط التأثير بين السينما و الأدب يمكن أن تتجه في كلا الاتجاهين، و يعد الرجل الثالث فلم نوار

تقع الأحداث في فيينا فترة ما بعد الحرب، في مدينة مقسمة الى أربع مناطق، (الروس، الأمريكيين، البريطانيين و الفرنسيين.) الرجل الثالث هو محاولة لم الشمل بين هولي مارتينز و (جوزيف كوتين) مؤلف أمريكي للغربيات الشعبية، و هاري لايم ( أورسون ويلز) المقيم حاليا في فيينا، و حينما وصل مارتينز إلى فيينا، قيل له أن لايم قد مات و أن جنازته تقام حاليا

ارتبك مارتينز حيال تضارب التصريحات بشأن ملابسات وفاة لايم، و اشتبه بوجود مؤامرة و من ثم يبدأ في إجراء تحقيقاته الخاصة

و هي مهمة صعبة للغاية في المدينة نفسها. التيه اللغوي والقانوني، حيث الانتقال من شارع واحد إلى آخر يمكِّن المرء من فقدان أي شعور بالثقة حول بيئة الفرد

أُسلوب الفلم هو نوار نموذجي، تنحرف زوايا الكاميرا، تقريبًا في كل مشهد، كما تتضاعف صور الشخصيات، تنعكس و تنكسر في الزجاج و الماء، حتى في كؤوس البيرة. شعور الإرتباك المكاني واضح في البداية، عندما يزور هولي المبنى حيث كان يعيش لايم، و يقف في مستوى أدنى في درج لولبي، و ينظر للأعلى للحاجب الذي تم تأطيره بجانب المركز

تتناوب الكاميرا بين لقطات عالية ومنخفضة في حين أن الحاجب يفسر بالألمانية أمرا واقعا ألا وهو أن ليام ميت، و أضاف بسرعة ربما يكون الآن في الجحيم أو الجنة

و حين يقول “الجحيم” يشير إلى أعلى، و حين يقول الجنة يشير إلى الأسفل. طريقة تأطير المشهد و إيماءات الممثل تزعزع توقعاتنا عن الإطار النهائي المرجعي للعدالة الانسانية و التوجه

تناقض حاد و سريع بين الظلام و النور فضلا عن استخدام وافر للظلال يعزز شعور الغموض والخطر. و من خلال هذه الأدوات، تضع أفلام نوار المشاهدين في نفس مكان بطل الرواية، و لهذا تسمح لأكبر قدر من التوحد مع معضلته و شعوره بالشراك من حوله

السينما استثنائية بين كل فنون القرن الماضي، لأنها أحيانا تتوسط بين الثقافة العالية والمنخفضة بطريقة تصل الى جمهور أوسع

تقييم جيمس نارميرو للرجل الثالث ينطبق على عدد كبير من الافلام الأمريكية

هو “واحد من أفضل الافلام في الفترة التي دخل نوع معين من الفن الرفيع بكامله إلى الوعي العام، و عندما عملت الرصانة الأوروبية و التسلية الامريكية في وقت واحد

و بالنظر إلى أن معظم أشكال الفن في القرن العشرين كانت غير شعبية، أدوات من الازدراء النخبوي لإهتمامات الانسان العادي. نحن حينها ربما  نُبرر مشاهدة الافلام الشعبية و نعتبرها فضيلة لا العكس

بسبب مدلولها الشعبي على وجه التحديد، تم في كثير من الأحيان أنقاذ الإتصال لمخاوف الإنسان الأساسية بطرق لم تتطرق لها الفنون الأخرى

ستانلي كافير في هارفرد، أستاذ للمخرج تيرنس ماليك، و المعلق الفلسفي للشعب الرائد في الفلم، أشار إلى نقطة بشكل لطيف-

“في حين أننا نفتقر الى تراث مشترك لثقافة رفيعة، تسمح لنا السينما الإنتقال بين القمة و الهبوط الشديد و تحمينا من أفضلية الآخر”

****

(١) مصطلح ابتدعه أروين بانوفسكي لأول مرة عام 1936م مشيرًا إلى بييرو دي كوزيمو في لوحة اكتشاف العسل 1499م للدلالة على الاستعانة بالمناظر الطبيعية التي تقدم رمزية للمعضلة الأخلاقية للمشاهد، و استندت هذه المعضلة على مفاهيم متناقضة في الكتاب المقدس

 إعداد وحدة الترجمات*

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر