سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
باتت تجربة الإخوان المسلمين في المغرب، واحدة من أبرز المنهجيات القائمة على فكر البراغماتية، بدءًا من اختيار اسم الحزب، الذراع السياسية للجماعة، بنفس تسمية نظيره التركي “العدالة والتنمية”، وصولاً إلى التعامل مع الأحداث المحلية والإقليمية، وفق ما يُبقي على أقدامهم في سدة الحكم، بدا ذلك واضحًا عندما أُعلنت حملة مقاطعة لبعض المنتجات الاستهلاكية تعرّض إزاءها “العدالة والتنمية” لانتقادات غير مسبوقة؛ لا سيَّما حين شنّ قيادات الحزب هجومًا على المقاطعين، رغم انطلاق الجماعة بفروعها في البلدان العربية من زاوية الغلاء ومساندة الانتفاضات والاحتجاجات الشعبية حِيال الحياة المعيشية الصعبة؛ ما وضع الجماعة وحزبها السياسي أمام اختبار جديد في مدى التعامل مع هذا التناقض في السياسات والإجراءات على أرض الواقع.
ربيع الإخوان المغربي
الاستفادة التي جمعتها جماعة الإخوان وحزبها السياسي في المغرب، جعلت 2011 ربيعًا إخوانيًا مكتمل الملامح، عندما استغلت احتجاجات فبراير في العام نفسه، حين تأثر المغاربة بالحراك الناشئ عربيًا، انتهى بتعديلات دستورية أجراها الملك محمد السادس، وكانت القمقم الذي خرجت منه الجماعة إلى سدة الحكم مباشرة، خاصة عندما حدّت التعديلات من صلاحيات الملك وألزمته بتعيين أحد أعضاء الحزب الفائز في الانتخابات البرلمانية رئيسًا للحكومة وتعزّز صلاحيات الأخير.
ورغم مقاطعة بعض الأحزاب الراديكالية، الاستفتاء على الدستور باعتبار تلك الإصلاحات غير كافية، لكنّ حزب “العدالة والتنمية” تبنى – وقتئذ – موقفًا وسطًا، حين شارك في الانتخابات التي أجريت وأسفرت عن فوزه بـ107 مقاعد من أصل 395، فجرى تعيين زعيمه “بنكيران” رئيسًا للحكومة، وكان ذلك أول ترجمة عملية لبراغماتية الجماعة للوصول إلى السلطة.(1)
منذ ذلك الحين وحتى الآن، بات إخوان المغرب، الفرع الوحيد الذي احتفظ بجوانب السلطة بعد عاصفة ما يُعرف بـ”الربيع العربي”، على مستوى الشعبية التي تراوحت خلال السنوات الماضية، صعودًا وهبوطًا، لكنّها لم تفقده البقاء في السلطة، إذ تراجعت شعبية حركة النهضة الإسلامية في الجارة تونس، حيث لم ينجح إخوان تونس في الانتشار أفقيًا في كل أوساط الفئات الاجتماعية. الأمر كان أشد وطأة في مصر التي فشلت الجماعة في البقاء أكثر من عام واحد أتى على البنيان من قاعدته في عام 2013، بينما كان الأمر في اليمن وليبيا قريبًا حين فشلت الجماعة في تسويق نفسها على الوجه الذي يجعلها شريكة في موضع القوة على الصعيد السياسي.
البراغماتية.. واختبار المقاطعة
تأثر إخوان المغرب بسياسة الجماعة الأم في مصر، كان واضحًا إبان ثورة 30 يونيو، حيث لم يتخذ الحزب الحاكم، موقفًا رسميًّا حاسمًا، سواء على الصعيد المحلي أو الإقليمي، مفضلاً اللعب على كل الجبهات، رغم أن أدوار قيادات الجماعة في المغرب، كانت واضحة حين حاولوا تسويق ما جرى في مصر على أنه “انقلاب عسكري”، غير أن الرهان على سياسة البراغماتية كان حاضرًا وبقوة، وزاد في تعامله مع الملفات الإقليمية وأزمات الشرق الأوسط.
ظلت تلك السياسة أحد مرتكزات الجماعة وحزبها السياسي، سواء في التعامل مع الملفات الإقليمية أو المحلية، خاصة المتعلقة بالظروف المعيشية والعلاقة مع الملك، لكنّ تلك السياسة أوقعتها في عدة اختبارات على مدار السنوات السبع الماضية، آخرها حملة المقاطعة التي هبطت بمؤشر شعبية الجماعة على المستوى الجماهيري، بعدما كال قيادات الحزب والجماعة، اتهامات لمنظمي الحملة، في ظل تحديات اقتصادية وسياسية محيطة، بغض النظر عن صواب تلك الحملة أو خطئها، بيد أن معالجتها ومواجهتها كانت وفق خطاب عدائي وصل إلى حد التهديد بالسجن لمنظميها.(2)
مؤشرات سلبية
ثمة العديد من المؤشرات التي أنتجتها الفترة الماضية، تشير إلى أنّ الجماعة في طريقها إلى فقدان جزء كبير من المساحة التي احتفظت بها على مستوى السلطة والشعبية الجماهيرية، من بينها:
1- تغير الظروف التي صعدت بإخوان المغرب إلى سدة الحكم، إبان ما يعرف بـ”ثورات الربيع العربي”، خاصة التعاطف الشعبي معهم، كونهم أبرز ضحايا الأنظمة السابقة.
2- فشل الشعارات التي رفعتها الجماعة وحزبها السياسي طوال الفترة الماضية، عندما يظهر غضب شعبي على الوضع المعيشي، حين شخصوا أزمة المغرب بأنها تكمن في مصداقية المؤسسات المنتخبة، وطغيان البيروقراطية، وتفاقم المحسوبية، وعدم وجود حوكمة رشيدة؛ وفقدان الرؤية التنموية، دون الاقتراب من الرؤى السياسية والأيديولوجية التي بات من الواضح أنها ستطفو على السطح مستقبلاً.(3)
3- ظهرت خلال السنوات الماضية توترات بين الحزب الإخواني الحاكم وأحزاب أخرى، كانت نتيجتها فشل “بنكيران” في تشكيل حكومة جديدة، بعدما توترت علاقات حزبه بحزب “الاستقلال المحافظ”، وهو الشريك السابق في الائتلاف الحكومي، وهو ما يشير إلى أن الصدام السياسي والحزبي ربَّما يأتي ببنيان “العدالة والتنمية” سريعًا.(4)
4- الحصار الاقتصادي الذي بات يخنق الحكومة، بسبب الإجراءات الاقتصادية القاسية التي اعتمدها “العدالة والتنمية”، ودافع عنها باستماتة، من بينها تحرير سعر الصرف، والاستدانة لسد عجز الموازنة، وارتفع حجم الدين العام، ما يضع الحزب الحاكم أمام تحديات أسهلها مر.
5- أضف إلى ذلك، أنّ التحول في الأفكار والقناعات والمبادئ لدى الجماعة وحزبها السياسي، يخلق أزمة “غياب الثقة” لدى الجماهير المغربية تجاه الحزب الحاكم.(5)
6- رغم انسلاخ إخوان المغرب من الارتباط بفروع الجماعة في بعض الدول العربية التي شهدت انتكاسات للتنظيم، فإن تحركات كشفتها تقارير عدة أثبتت عكس ذلك، في ظل حضور قيادات الجماعة، اجتماعات سرية لأعضاء التنظيم الدولي لجماعة الإخوان في تركيا منذ 2013، بالإضافة إلى ما ظهر على السطح بشكل رسمي، من بينها قيام نائب رئيس مجلس النواب محمد يتيم، في عام 2013 بجمع توقيعات من نحو 140 نائبًا برلمانيًّا على عريضة معنونة بـ”نواب ضد الانقلاب”، وهو ما جعل التصاق إخوان المغرب بفروع الجماعة في البلدان الأخرى واضحًا، وأسقط أسهمها في البلد الذي لم يتأثر بأحداث ما يعرف بـ”الربيع العربي”.(6)
تجربة الحكم ومآلات الجماعة
مرت تجربة إخوان المغرب في الحكم بعدة منعطفات، تعرضت في نهاية ولاية رئيس الوزراء السابق عبدالإله بنكيران، إلى اختبار الانسلاخ من خطاب التنظيم الدولي للإخوان والاستسلام لطبيعة الحياة السياسية المغربية، وهو ما بدا واضحًا في انتخاب العثماني، الذي يعتبر أكثر الشخصيات براغماتية. هذا الإطار الذي اختارته جماعة الإخوان في الحكم، بالقياس على مؤشر المصلحة، في مقابل ثوابت التنظيم ربَّما أطال مدة مكوثهم في الحكم لسنوات، وهو ما يشير – أيضًا – إلى أن السنوات المقبلة، ستشهد تغيرات في معالجة الجماعة للأمور السياسية والاقتصادية وإدارة الحكم في البلاد.(7)
لكنّ مسارات هذا التوجه البراغماتي تنحصر في أربعة مآلات للجماعة وحزبها السياسي، هي:
1- أول المسارات تتمثل في استمرار حزب العدالة والتنمية في سياسته القائمة على تغيير ما يتطلب تغييره في سياسته للحفاظ على الحكم، ما يؤدي بدوره إلى ثقة إضافية على المستوى الشعبي تجاه الحكومة.
2- أن ينكشف أمر تلك السياسة، التي ربَّما فطن الشعب المغربي لمساراتها التي لا تنتهي بنتائج إيجابية على الصعيد الاقتصادي والتنموي، وهو بدوره يهدد بقاء الحزب في سدة الحكم.
3- أن يلجأ الحزب إلى سياسة التشاركية مع أحزاب سياسة أخرى، ربَّما يتكئ عليها لتبرير أي قصور قد يشوب خطواته الاقتصادية للإصلاح الاجتماعي والتنموي.
4- أن يصعد الجناح الموالي لرئيس الوزراء السابق عبدالإله بنكيران، وهو التيار الأكثر قربًا من فكر التنظيم الدولي لجماعة الإخوان، الذي يُصدر سياسة الهجوم على الخصوم، والتخوين، وتجاهل صوت الشارع، من خلال تصدير مصطلحات التخوين، وهو ما بدا في تصريحات قيادات الحزب إزاء حملة المقاطعة الأخيرة.
النتائج
1- تجربة الإخوان المسلمين في المغرب، واحدة من أبرز المنهجيات القائمة على فكر البراغماتية حين استغلت احتجاجات فبراير 2011 التي انتهت بالجماعة إلى سدة الحكم مباشرة.
2- ظلت سياسة البراغماتية أحد مرتكزات الجماعة وحزبها السياسي، لكنّها أوقعتها في عدة اختبارات على مدار السنوات السبع الماضية، آخرها حملة المقاطعة التي هبطت بمؤشر شعبية الجماعة على المستوى الجماهيري.
3- الجماعة في طريقها إلى فقدان جزء كبير من المساحة التي احتفظت بها على مستوى السلطة والشعبية الجماهيرية بسبب تغير الظروف التي صعدت بإخوان المغرب إلى سدة الحكم، وفشل الشعارات التي رفعتها الجماعة طوال الفترة الماضية، والتوترات بين الحزب الإخواني الحاكم وأحزاب أخرى، والحصار الاقتصادي الذي بات يخنق الحكومة، فضلاً عن ارتباط الجماعة في المغرب بالتنظيم الدولي عقب الانتكاسات التي لحقت بالجماعة في بعض الدول العربية.
4- ثمة مسارات بانتظار التوجه البراغماتي للجماعة، تنحصر في أربعة مآلات، أولها الاستمرار في السياسة القائمة على تغيير المواقف للحفاظ على الحكم، والثاني انكشاف أمرها أمام الرأي العام، أو أن يذهب الحزب إلى أحزاب سياسة أخرى للمشاركة في تركة الأزمات الاقتصادية، وأخيرًا أن يأتي التيار الأكثر قربًا من فكر التنظيم الدولي على ما تبقى من رصيد للجماعة في المغرب بسبب تشدده السياسي والديني.
وحدة الدراسات السياسية*
المراجع
1-المغرب، جنّة الإخوان المسلمين الأخيرة في العالم العربي، رصيف 22.
2- هل تعصف ردود “الإخوان” حول المقاطعة بشعبية حزب “البيجيدي”؟ هسبريس.
3-العدالة والتنمية المغربي: التكوين الفكري وتجربة الحكم، إضاءات
4- المصدر نفسه.
5- الإخوان المسلمون في المغرب.. حزب العدالة والتنمية، بوابة الحركات الإسلامية
6- “إسلاميو القصر” وسر بقاء التجربة الإخوانية بالمغرب، المرجع
7- التقاليد السياسية في المغرب ترغم حزب العدالة والتنمية على مراجعة هويته، العرب
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر