سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
محمد الدخاخني
في 19 كانون الثّاني (يناير)، فتحت طائرة أميركيّة النّارَ على سيارة كانت تسير بالقرب من مدينة جامامي بالصّومال، ما أسفر عن مقتل أحد قادة جماعة الشّباب الإسلامويّة المتشدّدة، الفرع المحلّي لتنظيم القاعدة.
وفي تلك المهمّة، ومهمّة أخرى في اليوم نفسه، ارتفع عدد الضّربات الجويّة الّتي أمر بها الرّئيس السّابق، دونالد ترمب، في الصّومال، خلال فترة ولايته، إلى 203، وفق السّجلات العسكريّة.
في 20 كانون الثّاني (يناير)، أدّى جو بايدن اليمين رئيساً، ومنذ ذلك الحين، لم تُشنّ غارة جويّة أميركيّة واحدة على حركة الشّباب.
ما تزال الحرب الأميركيّة ضدّ حركة الشّباب، التي جرت خلف ستار من السرّية إلى حدّ كبير منذ عام 2007، في مرحلة وسطى؛ حيث يزن بايدن أولويّاته في مجال الأمن القوميّ ويتصارع مع قرارات اللّحظة الأخيرة لسلفه.
يقول مسؤول أميركيّ كبير: “إنّنا ملتزمون تجاه الصّومال”، ويضيف: “الشكل الذي سيأخذه هذا الالتزام بالضّبط ما يزال قيد المناقشة”.
أواخر أيام ترمب
في الأسابيع الأخيرة من رئاسته، أمر ترمب بسحب مستعجل لما يقرب من 650 من قوّات العمليّات الخاصّة الأميركيّة وغيرها من الصّومال، حيث كانت هذه القوّات تدرّب وحدة كوماندوز محلّيّة خاصّة لمحاربة حركة الشّباب.
نَقل الجيش معظم القوّات الأميركيّة إلى جيبوتي وكينيا المجاورتين، إلى مواقع تقع على مسافة قريبة من معسكرات تدريب الحكومة الصّومالية.
أدّى قرار ترمب إلى تقييد خيارات بايدن في القرن الأفريقيّ الإستراتيجيّ، حيث التّقاطع الجغرافيّ لطرق الشّحن البحريّة القيّمة في البحر الأحمر، والمنافسة بين الولايات المتّحدة والصّين على الأعمال والنّفوذ، وحرب ما بعد 11 أيلول (سبتمبر)، مترامية الأطراف، الّتي قادتها أميركا ضدّ المتشدّدين الإسلامويّين.
تُجري إدارة بايدن مراجعة عالميّة لنشر القوّات الأميركيّة في الخارج، ومن بين القرارات التي يواجهها الرّئيس: هل تجب إعادة القوّات إلى الصّومال، البلد الذي يبدو بعيداً بالنّسبة إلى العديد من الأميركيّين، وحيث أدّت حادثة “سقوط الصّقر الأسود”، عام 1993، إلى مقتل 18 جنديّاً أميركيّاً في شوارع مقديشو.
يواجه بايدن أيضاً مسألة ما إذا كان ينبغي استئناف الضّربات الجويّة ضدّ حركة الشّباب، الجماعة المسلّحة التي خرجت من الفوضى التي أعقبت تلك البليّة الأميركيّة السّابقة في الصّومال.
الوضع الأمنيّ في البلاد
وامتنع متحدّث باسم الجيش الصّوماليّ عن التّعليق على الوضع الأمنيّ في البلاد، ولم يرُد متحدّث باسم الحكومة على طلب التعليق.
عام 2017، أعلن ترمب أجزاء من الصّومال “مناطق عداء نَشِط” وأذن بعمليّات هجوميّة ضدّ حركة الشّباب، يمكن للقيادة الأميركيّة في أفريقيا، ومقرّها شتوتغارت بألمانيا، الموافقة على الضّربات الجويّة، مع قدر كبير من الصّلاحيّات الممنوحة لفرقة العمل لمكافحة الإرهاب وقادة العمليّات الخاصّة داخل الصّومال.
تندرج الضّربات الجويّة في فئتين: الضّربات المخطّط لها على قادة حركة الشّباب الرّئيسين، والدّعم الجويّ القريب والعاجل للقوّات الأميركيّة أو القوّات المتحالفة في معارك بالأسلحة النّارية ضدّ المتشدّدين.
يقول قائد أميركيّ كبير سابق: “في الصّومال، القليل من القوّة الجويّة تقطع شوطاً طويلاً”، ويضيف: “ستنسحب حركة الشّباب دائماً من ساحة المعركة إذا شعرت بوجود قوّة جويّة”.
ومع عدم تمركز القوّات الأميركيّة إلى جانب حلفائها الصّوماليّين، لم تكن هناك مهام دعم جويّ قريب منذ تنصيب بايدن.
تتطلّب الضّربات الجويّة المخطّطة ضدّ كبار القادة، بتوجيه من فرقة مكافحة الإرهاب، موافقة واشنطن، وفق مسؤولين في وزارة الدّفاع، وبعد خمسة أشهر من ولايته، لم يأمر بايدن، حتّى الآن، بضربة واحدة.
رفضت متحدّثة باسم القيادة الأفريقيّة شرح أسباب الهدوء في الضّربات الجويّة، وامتنع متحدّث باسم البنتاغون عن الإفصاح عمّا إذا كان القادة الميدانيّون قد سعوا للحصول على الموافقة على الضّربات، أو ما إذا كان يتعيّن على الرّئيس التّوقيع شخصيّاً على مثل هذه الطّلبات.
الولايات المتّحدة في القرن الأفريقي
يقول اللّواء وليام زانا، قائد فرقة العمل التي تقودها الولايات المتّحدة في القرن الأفريقي: “من الشّائع أن تسحب الحكومة الأميركية سلطات الضّربات الحركيّة إلى أعلى مستوى من صانعي القرار بعد تغيير الإدارة”، ويضيف: “عسكريّاً، نستفيد من انتقال تلك السّلطات إلى مستوى يتّسم بالمرونة الكافية والفعالية التّشغيلية”.
يرى القادة العسكريّون الأميركيّون تصاعداً في عنف المتشدّدين في الصّومال في سياق زيادة التّهديدات الأمنيّة من قِبل متشدّدين إسلامويّين عبر رقعة من أفريقيا، لا سيّما في منطقة السّاحل، وهي منطقة شبه قاحلة تمتدّ من الشّرق إلى الغرب، عبر مالي وبوركينا فاسو والنّيجر.
نفّذت الجماعات المتحالفة مع القاعدة وداعش 1,170 هجوماً في منطقة السّاحل، العام الماضي، بينما بلغت الهجمات 92 هجوماً عام 2016، وفق بيانات من “مشروع موقع الصراع المسلّح وبيانات الأحداث” جمعها مركز أفريقيا للدّراسات الإستراتيجيّة المموّل من البنتاغون.
وذكر المركز أنّ المتشدّدين قتلوا أكثر من 4,200 شخص في منطقة السّاحل، العام الماضي، ونفّذوا 278 هجوماً في الأشهر الثّلاثة الأولى من هذا العام.
وعام 2017، قُتل أربعة جنود أميركيّين وخمسة جنود نيجيريّين في كمين في النّيجر، نفّذه مسلّحون من تنظيم داعش في الصّحراء الكبرى.
تحتفظ الولايات المتّحدة بقاعدة استطلاع للطّائرات بدون طيار وقوّات أخرى في النّيجر، وأكملت القوّات الأميركيّة، في حزيران (يونيو)، مناورات برّيّة وجويّة وبحريّة مع نظيراتها من المغرب والسّنغال وتونس، بما في ذلك هجوم محاكاة عبر الصّحراء بالقوّات المدرّعة وجنود المشاة وقاذفة “بي-52”.
القوّات الأمريريّة مخوّلة باستخدام القوّة المميتة فقط للدّفاع عن النّفس في منطقة السّاحل، وتأخذ فرنسا زمام المبادرة في تقديم المساعدة القتاليّة الهجوميّة للحكومات المحاصرة هناك.
حركة الشّباب: هجمات على الأميركيّين
لسنوات، جعلت الولايات المتّحدة الصّومالَ محور تركيزها الأساسيّ في أفريقيا.
يقول الجنرال ستيفن تاونسند، رئيس القيادة الأميركيّة في أفريقيا، بعد التّدريبات العسكريّة التي جرت في المغرب: إنّ “قادة “حركة الشّباب” دعوا إلى شنّ هجمات على الأميركيّين، ليس فقط في المنطقة، لكن في العالم، وفي الوطن الأميركيّ”، ويضيف: “أعتقد أنّنا يجب أن نأخذ هذه التّهديدات على محمل الجدّ”.
وفي العام الماضي، هاجم مقاتلو حركة الشّباب القوّات الأميركيّة المتمركزة في قاعدة عسكريّة كينيّة في خليج ماندا، بالقرب من الحدود الصّوماليّة، وهو ما أسفر عن مقتل الجنديّ الأميركيّ، العرّيف هنري ج. مايفيلد الابن، واثنين من المتعاقدين المدنيّين الأميركيّين.
كانت القوّات الأميركيّة في خليج ماندا تُدرّب جنوداً كينيّين على عمليّات مناهضة لحركة الشّباب في الصّومال تحت رعاية الاتّحاد الأفريقيّ.
في وقت مبكّر من هذا الشّهر، أعلنت حركة الشّباب مسؤوليّتها عن تفجير انتحاريّ استهدف مسؤولي شرطة ومخابرات تردّدوا على المقاهي الموجودة عند تقاطع طرقٍ في مقديشو، وفق العقيد الصّوماليّ المتقاعد أحمد عبد الله، القائد السّابق للواء القوّات الخاصّة في البلاد، وبيان متشدّد رصدته مجموعة “إس آي تي إي” الاستخباريّة.
وسيطرت الجماعة، الشّهر الماضي، على بلدة ويسيل، وهي مفترق طرق إستراتيجيّ في وسط الصّومال.
يقول العقيد عبد الله، وهو الآن مستشار أمنيّ للدّبلوماسيّين العاملين في الصّومال: إنّ “عدم وجود ضربات الآن قد شجّع حركة الشّباب كثيراً”.
ويقول إنّه يأمل أن يُعيد بايدن قوّة أميركيّة أصغر إلى الصّومال لتدريب الكوماندوز المحلّيّين، وحاجج بأنّ الولايات المتّحدة يجب أن تستأنف الضّربات الجويّة، لكن أن تستهدف بشكل أكثر انتقائيّة قادة حركة الشّباب رفيعي المستوى حتّى لا تُثير الاستياء بين الصّوماليين العاديّين.
مزاعم
وزعمت “هيومن رايتس ووتش”، ومنظّمة العفو الدّوليّة؛ أنّ الغارات الجويّة الأميركيّة تسبّبت في مقتل وإصابة مدنيّين بشكل متكرّر، وأنّ الجيش الأميركيّ لم يقم بعمل كافٍ في التّحقيق في هذه الحالات.
تقول القيادة الأميركيّة في أفريقيا إنّها جادّة في التّحقيق في مزاعم مقتل مدنيّين، بما في ذلك تقرير يفيد بأنّ ضربة جويّة شُنّت في 19 كانون الثّاني (يناير) قتلت شخصاً غير مقاتل، وخَلُص المحقّقون العسكريّون إلى أنّ الضّحية الوحيدة كانت قائد حركة الشّباب الّذي استهدفت الضّربة الجويّة قتله.
في بيان مكتوب رافق هذا التّحقيق، قال الجنرال تاونسند: “سنواصل تحسين عمليّاتنا لضمان أن يدرك شركاؤنا والجمهور التزامنا بتقليل الخسائر في صفوف المدنيّين كلّما أمكن ذلك”.
ما يزال الجيش يُحقّق في مزاعم بأنّ غارة جوية، في 1 كانون الثّاني (يناير)، أصابت ثلاثة مدنيّين.
هذا، وقد أُحبِطَت الجهود الّتي تبذلها الولايات المتّحدة والاتّحاد الأفريقيّ وحلفاؤهما للمساعدة في استقرار الصّومال؛ بسبب الخصومات العشائريّة والمناوشات السّياسيّة بين الولايات القويّة والحكومة المركزيّة.
في بعض المناطق الرّيفيّة في الصّومال، تُعدّ حركة الشّباب حكومة الأمر الواقع، ويقدّر المسؤولون الأميركيّون أنّ حركة الشباب تجمع حوالي 130 مليون دولار من “الضّرائب” من هذه المناطق كلّ عام، وهو مبلغ يعادل حوالي 20 في المئة من ميزانية الحكومة الفيدراليّة الصّوماليّة.
يقول الجنرال ستيفان دوبون، قائد القوّات الفرنسيّة في المنطقة: “الصّومال مجرّد فوضى، وسوف يستمرّ في حالة من الفوضى”.
معظم القوات الأميركية المتمركزة سابقاً في الصومال هي الآن من بين الـ 4,000 جنديّ أميركيّ، أو نحو ذلك، في معسكر ليمونير في جيبوتي المجاورة، التي تشترك في علاقات لغويّة وثقافيّة مع الصّومال.
قوات أميركية في جيبوتي
أثناء انتظار أوامر بايدن، تنتقل قوّات العمليّات الخاصّة الأميركيّة من جيبوتي إلى الصومال لتدريب الكوماندوز المحلّيّين والإشراف عليهم.
وُتُعدّ هذه القاعدة أكبر موقع أميركيّ في أفريقيا، وتضمّ “قوّة استجابة شرق أفريقيا” عند الطّلب لإجلاء موظّفي السّفارات وحالات الطّوارئ الأخرى.
يحاول المتخصّصون في معمل الجريمة العسكريّة في المعسكر التّعرّف على صانعي القنابل في حركة الشّباب من خلال فحص بقايا المتفجّرات وبصمات الأصابع والحمض النّوويّ والأدلة الأخرى المتبقية من الهجمات.
ويجري مدرّبون أميركيّون تدريبات مشاة مع كتيبة جيبوتي للتدخّل السّريع، المكوّنة من 400 فرد، ويُطيِّر أفراد أميركيّون طائرات بدون طيار، مسلّحة وغير مسلّحة، فوق الصّومال، من قاعدةٍ بالقرب من عاصمة جيبوتي.
تجنّبت جيبوتي، إلى حدّ كبير، عنف حركة الشباب، بالرّغم من تحالفها مع الولايات المتّحدة، كان الاستثناء، عام 2014، عندما فجّرت ناشطة من حركة الشباب، ترتدي زيّاً أسود، نفسها وسط غرفة الطّعام في مطعم “لا شومير”، وهو مكان يحظى بشعبيّة لدى الأجانب، وألقى مهاجم آخر قنبلة يدويّة باتّجاه اثنين من رواد المطعم الألمان، وفق ما ذكره صاحب المطعم.
وقد قُتل شخصان بالإضافة إلى المهاجمين.
وكانت جيبوتي مستعمرة فرنسيّة، حتّى عام 1977، وما تزال فرنسا تحتفظ بكتيبة عسكريّة وطائرات ميراج في البلاد للمساعدة في الدّفاع عنها.
يقع المعسكر الأميركيّ في جيبوتي، على بعد حوالي 5 أميال من أوّل قاعدة خارجيّة للصّين، وهي عبارة عن ميناء يقول مسؤولون غربيّون إنّه يجري توسيعه للتّعامل مع حاملة طائرات.
إنّ وجود الصّين ومشاريع البنية التّحتيّة الكبيرة التي ترعاها بكّين في جيبوتي، يضيفان خلفيّة من المنافسة بين القوى العظمى إلى حملة مكافحة الإرهاب التي تمتصّ منطقة القرن الأفريقيّ.
يقول يوسف موسى دواله، رئيس غرفة تجارة جيبوتي: “إذا جاء أحد وجلب معه استثمارات، سنفرش له السّجادة الحمراء”.
ويقول الجنرال زانا؛ إنّه من السّابق لأوانه معرفة ما إذا كان الانسحاب الأميركيّ إلى جيبوتي قد أدّى إلى تدهور الوضع الأمنيّ في الصّومال، لكنّه يضيف: “لا أعرف شخصاً قد يؤكّد أنّ الوضع تحسّن نتيجة هذا القرار”.
المصدر: حفريات
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر