سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
Shuli Re
من الولايات المتحدة إلى الاتحاد الأوروبي، من الواضح أن الحكومات تشعر بالانزعاج من القوة المتفشية التي تتمتع بها شركات التكنولوجيا الكبرى، بما في ذلك: تأثير منصات وسائل التواصل الاجتماعي على الانتخابات، وأمن الكمية الهائلة من بيانات المستهلك التي تقوم تلك الشركات بتخزينها، واستغلال العاملين في اقتصاد العمل الحر (العمالة المؤقتة)، ممن لا يتمتعون بالتأمين الصحي أو يحصلون على أجر العمل الإضافي.
وفي الولايات المتحدة، عقدت جلسات استماع في الكونغرس، ورفعت دعاوى قضائية ضد الاحتكار، لكن ذلك لم ينتج عنه تغيير حقيقي.
وإذا حكمنا عليها من خلال “مؤشر بورصة ناسداك 100″، سنجد أن شركات التكنولوجيا الكبرى في الغرب لا تزال تزدهر.
حركة إصلاح كاسحة
ترى القيادة السياسية في الصين نفس مجموعة المشاكل أيضاً. لكن بكين على استعداد للذهاب إلى ما هو أبعد من ذلك بكثير؛ لكبح جماح نفوذ عمالقة التكنولوجيا لديها.
انظر إلى ما حدث للتو لشركات تقديم خدمات التعليم بعد المدرسة، ممن يمثِّلون تحذيراً جيداً. ففي إطار حركة إصلاح كاسحة، تحظر الصين الشركات التي تُدرِّس المناهج من رياض الأطفال حتى الصف 12 من تحقيق أي ربح.
ويوم الجمعة الماضي، تراجعت شركة “نيو أورينتال إديوكيشن آند تكنولوجي غروب”، وهي شركة ذات أسهم قيادية، بنسبة 54٪، لتغلق عند مستوى 2.93 دولار للسهم، أو ما يعادل قيمة سوقية بنحو 5 مليارات دولار.
وبحسب صافي النقد لدى الشركة –والذي تم تعديله وفق إيرادات الدفع المسبق واسترداد الالتزامات- يمكن اعتبار قيمة هذا السهم 2.30 دولار، وفقاً لتقدير بنك “غولدمان ساكس غروب”.
وبشكلٍ أساسي، يبدو أن المستثمرين يراهنون على تصفية شركة” نيو أورينتال”. وبالمثل، أغلقت شركة “تال إديوكيشن” على انخفاض، لتصل إلى مستوى 6 دولارات للسهم، أي أقل من تقييم البنك لسعر سهم الشركة وفقاً لصافي النقد، والبالغ 6.70 دولار.
رغم صدمة العالم الخارجي بما حدث للأسهم التعليمية، إلا أن ذلك لم يكن مفاجئاً بشكلٍ كبير داخل الصين.
فمنذ شهر نوفمبر الماضي، كانت بكين تكبح نفوذ شركات التكنولوجيا الكبرى، وبدأ المستثمرون الأجانب للتو في التعامل مع جدية البيروقراطية.
ركائز الاستقرار
على نطاق واسع، تشعر بكين بالقلق إزاء 4 ركائز للاستقرار، هي: البنوك، وتنظيم مكافحة الاحتكار، وأمن البيانات، والمساواة الاجتماعية.
وتعكس جميع تدخلات بكين الرئيسية هذه المخاوف، ومن ذلك: إحباط الاكتتاب العام الأولي لشركة التكنولوجيا المالية العملاقة “آنت غروب” في اللحظة الأخيرة، والبالغ قيمته 34 مليار دولار خلال شهر نوفمبر الماضي، بسبب تعطيلها المحتمل لعمل البنوك، وفرض غرامة قياسية بقيمة 2.8 مليار دولار على شركة “علي بابا غروب هولدينغ” في أبريل الماضي، بسبب أعمالها الاحتكارية، إضافة إلى التحقيق الذي أجرته هيئة مراقبة الأمن السيبراني في شركة “ديدي غلوبال” فور طرحها للاكتتاب العام الأولي بقيمة 4.4 مليار دولار هذا الشهر.
يقع هدف تحقيق المساواة الاجتماعية ضمن الأسباب الرئيسية لحظر المدرسين الذين يسعون للتربح بعد المدرسة.
ففي مواجهة الإعلانات المنتشرة في كل مكان واستخدام أسلوب الترويج بالتخويف، يشعر الآباء القلقون من الطبقة الوسطى بأنهم مضطرون إلى إرسال أطفالهم إلى مدارس مكتظة لتحسين قدراتهم الذهنية، ويحدث ذلك في بعض الحالات حتى قبل دخول الطلاب إلى مرحلة رياض الأطفال، حيث لا ترغب أي أم في التسبب بتأخر أطفالها فقط، لأن جيرانها استثمروا المزيد من الأموال في التعليم.
حقوق العمالة المؤقتة
أيضاً، تعتبر حقوق عمال اقتصاد العمل الحر في صميم جهود الحكومة لتحقيق المساواة الاجتماعية.
ويوم الاثنين الماضي، نشرت الحكومة إشعارات بأن منصات الطعام الإلكترونية يجب أن تحترم حقوق موظفي التوصيل، وتضمن حصول هؤلاء العمال على الحد الأدنى المحلي من الدخل على الأقل.
وتراجعت أسهم شركة “ميتوان” العملاقة لتوصيل الطعام بنسبة 14٪، وهو أسوأ انخفاض لها على الإطلاق، مما أدى إلى محو حوالي 30 مليار دولار من قيمتها السوقية. ومن المحتمل أيضاً أن تتأثر شركة “ديدي”، التي تعتمد على سائقي العمالة المؤقتة.
لا يهتم الرئيس، شي جين بينغ، إذا خسر مستثمرو الأسهم -وكثير منهم أجانب- مليارات الدولارات. فهو يعلم أن الطبقة الوسطى في الصين ستدعمه، حيث يحبون هذه الحملات التنظيمية، كما أن حظر وزارة التعليم للأرباح التي تجنيها الدروس الخصوصية أمر يبعث على السرور لدى العامة.
ففي المجتمع الصيني، تمنح ثروة الأسر بمفردها ميزة طبيعية للأبناء بالفعل، لكن الطبقة الوسطى لا تستمتع برؤية هذه الميزة وهي تتفاقم، من خلال الحصول على جيش من المعلمين. في الوقت نفسه، يتعاطف المستهلكون في المدن الكبرى مع عمال اقتصاد العمل الحر، ممن يهاجر أغلبهم من المناطق الريفية، ويصفونهم على نحو محبب بأنهم “إخوانهم الصغار في قطاع التوصيل السريع”.
أيضاً، من خلال تنظيم عمل شركة “آنت” على غرار البنوك، ستقل احتمالية بيع منتجات مالية محفوفة بالمخاطر للمستهلكين.
رؤية “شي”
للمضي قدماً، يحتاج المستثمرون إلى إدراك أن الركائز الأربع هي جزء من رؤية الرئيس، شي جين بينغ، لضمان مائة عام أخرى للحزب الشيوعي الحاكم، الذي احتفل للتو بالذكرى المئوية لتأسيسه.
ففي الماضي، تم تقييم شركات التكنولوجيا الكبرى من حيث المبيعات، أو إجمالي أسواقها القابلة للتوجيه، أو حتى عدد المستخدمين النشطين شهرياً. لكن المستثمرون يحتاجون حالياً إلى وضع الحكومة الكبيرة في حسبانهم.
على سبيل المثال، لا يقوم برنامج “ديدي” بشيء أكثر من استضافة تطبيق لاستدعاء سيارات الأجرة.
وهذه خدمة يمكن أن تقدمها حكومة المدينة الذكية أيضاً. أو لماذا يجب السماح لشركة “آنت غروب “بالبيع العابر لاستثماراتها والتأمين ومنتجات قروض المستهلك، بينما يُطلب من البنوك فصل أذرعها المتخصصة في إدارة الثروات؟
في المستقبل، ستكون شركات التكنولوجيا الصينية الكبيرة أقل إثارة ولن تكون قادرة على استغلال بيانات المستهلك لكسب المزيد من المال. وقد يتم تحويلهم – وهم يلهثون – إلى بنوك كبيرة مملوكة للدولة، أو مرافق ضخمة.
عندما يحدث ذلك، قد يتعين تقييم شركات التكنولوجيا الصينية من حيث الدفتر التجاري أو حتى صافي النقد.
ختاماً، يمكن القول إن مخاطر التصفية حقيقية في الصين في عهد شي، حيث يريد مجتمعاً أكثر مساواة وحيوية، وأي عقبات سيتم إزالتها.
المصدر: صحيفة الشرق “بلومبيرغ”
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر